Part 2

138 24 3
                                    

"يونس"
(وادي الغِربان)

اليوم هو الخميس يوم حضور كل قبائل الوادي لتناول الطعام والسهر والمرح والصيد حتى اخر الليل ولكن يسبق كل هذا جلسة الحكم التي يعقدها شيخ الوادي (الشيخ زيد)
هذا اليوم هو بمثابة عيد أسبوعي في الوادي يمر كل أسبوع تاركاً السعاد على الجميع.

أنا يونس الهاشمي من قبيلة بني هاشم  أعيش مع أبي (كبير القبيلة)  وامي وأختي الأصغر مني  في خيمة من خيم الوادي. كان أبي يحكي لي الكثير عن وادي الغِربان يقول انه اذا مر احد على هذا الوادي فلن يدرك أبداً تواجد اي انسان فيه كما انه يقول ان الوادي أشتهر بكثرة الغِربان المنتشرة فيه حتى أصبح نعيق الغراب رمزاً للوادي
الغراب هو طائر عدواني ومشاكس ولكنه ذكي للغاية...فهو يستطيع التنبؤ بسلوك الأشخاص،واذا كان حديثهم إيجابي أم سلبي، وإذا كانوا أشراراً أم لا.
حتى انه إذا ظهر الغراب في أمر جلل يحتسبون ظهوره كعلامةعلى وجود خير في ذلك الأمر على عكس الجميع فيظن البعض أنه رمز شؤم وهذا ما أنكره تاريخنا... وأصبح الغراب مثله مثل السكان الأصليين في الوادي وكل هذا منذ القدم. أما المثير في وادي الغِربان هو تقاليد أهله وقواعدهم التي تسير على كل فرد حتى وان لم يكن من سكانه. فهو ليس كأي وادي يقع بين مرتفعيّن بل يحمل الكثير من الأسرار العجيبة....
قال بعض التجار الذين تركو الوادي ليبيعو بضائعهم في الأراضي الأخرى أن هناك فارق شاسع في الزمن خارج الوادي وداخله ولكنهم لا يستطيعون التفريق بوضوح كما ان القواعد بين قبائل الوادي تُحرّم اي فرد منها من مغادرة الوادي الا بإذن من الشيخ زيد وتُحرّم مكوث أي شخص غريب في الوادي فلا يعيش بيننا إلا أهلنا..

في بداية اليوم هذا الأسبوع كان هناك جلسة تحكيم واحده حكم فيها الشيخ زيد بغرامة  مائة وخمسون ناقة من قبيلة بني سليمان ضريبة لِما سرقوه من قبيلة اخرى من اواني وقطع من القماش.
كثُرت الهمهات بعد إصدار حكم الشيخ زيد خصوصا أن زوجته كانت من قبيلة بني سليمان ولكن هذا الشيخ زيد لا يعرف المجاملات ولا الاقارب. بمجرد أن تبدأ جلسة التحكيم وكأنه لا يعرف أحداً وهذا ما جعل الجميع يكن له بالإحترام والتقدير ويأتمنه على سيادة الحكم بين القبائل.
انتهت جلسة اليوم وبدأت الأحتفالات والتهليل والرقصات الجميلة بين فتيان وفتيات الوادي. كل أسرة تجلس كمجموعة أثناء تناول الطعام والأستمتاع بتلك الأجواء الرائعة. كنت أجلس مع أبي وأمي و أختي (زينب) التي تصغر عني بخمس سنوات حتى قررنا الذهاب في رحلة صيد انا وأبي وأختي بينما قررت أمي البقاء وأنتظار عودتنا.
كعادة تلك اللحظات أخذت أحكي مع أبي عن أمور قبيلتنا وعن عملي في التجارة بين كبار تجار الوادي.
أخذنا نمضي حتى مكثنا أسفل صخرة كبيرة نظر إليّ أبي وقال:
أتوقع ظهور غزال هنا خلال بضع دقائق
فنظرت اليه بإبتسامة ثقة وأخرجت سهمي قائلاً:
ما رأيك اذا قولت لك ان الغزلان يكثرون في الجهة الأخرى.
أبتسم أبي وأخذت أنظر الى الجهة الأخرى وبعد مرور بضع دقائق ظهر غراب أسود اعلى تلك الصخرة التي أشار أبي ناحيتها فأبتسم أبي وجهّز رمحه وبعد لحظات.أطلقه في المكان الذي حدده وأصطاد به غزال كبير الحجم.
نظر اليّ في ثقة وأخذ يذهب نحو الغزال ليطعنه بسكينه الخاص حتى يوقف ألمه ويقتله تماماً.
قالت لي أختي في هذه اللحظة بإبتسامة سخرية  :
لا يمكنك أبداً الفوز عليه في رهان الصيد.

فأنطلقت مهرولة الى أبي بينما انتظرت قليلاً في مكاني آملاً مرور أحدى الغزلان من هذا الطريق وأخذت أمضي قليلاً مبتعداً عن أبي وأختي حتى سمعت صوت صاخب للغاية أصابني بالذعر والخوف الشديد فعدت للإطمئنان على أبي وأختي وسألاني ان كنت سمعت  ذلك الصوت الذي يشبه صوت انفجار.
هرولت انا وأختي  ناحية الصوت  حتى اننا ضيّعنا أبي الذي لم يظهر خلفنا ونحن نركض ناحية الصوت الذي سمعناه منذ دقائق...

لقد كان المنظر في غاية البشاعة الكثير من الدماء على أسطح قطعة من الحديد الكبيرة التي لم تعد بها قطعة سليمة. أخذت انا وأختي ننظر الى عدد الأفراد الذي كاد يصل عددهم للعشرين. كان أغلبهم قد فارق الحياة حاولنا مساعدة المصابين منهم لكن لم يفق إلا خمس أفراد كان أولهم يبدو أنه أكبرهم سناً وقف أمامي والدماء تغطي جبينه وأخذ ينظر حوله وينظر الينا..تبدو ملامحه جامدة للغاية ولا يظهر عليه أثر الصدمة فألتفت إلينا بعدما نظر حوله وكأنه يبحث عن شيء ما قائلاً:
هل رأى أحدكم أختي سلمى؟؟..

وادي الغربان  حيث تعيش القصص. اكتشف الآن