"سلمى"
لا ندري ماذا يخبئ لنا القدر، وما هي حكمة الله فيما يصيبنا، ولكن ما نعلمه انه بلا شك.... كله خير لنا.
كم أحب أخي، وكم أتمنى حقاً أن يبادلني نفس الشعور، أعلم أنه يحبني أيضاً ولكنه أبداً لا يظهر هذا الحب.. أحياناً أنسى أن لي أخ كبير... منعزل عن حياتنا، ويعيش في بيت آخر بعيد عنا، ولا يرهق نفسه في الاتصال بنا على الاقل، ولكنني رغم كل ذلك أحبه كثيراً.
كم كنت سعيدة عندما أرغمه أبي على القدوم الى تلك الرحلة ولكن ما حدث بعد ذلك... كان غير ماكنت أتمنى تماماً.أستيقظت على ضوء الشمس، نظرت حولي وفزعت مصدومةً مما أراه.. في وسط الصحراء وحدي تماماً الصخور العملاقة تحيط بي في المحيط القريب، ولا أرى حولي سوا الفراغ والرمال والصخور... فقط.
أخذت أصرخ كثيراً على أخي وأصدقائي ولكن كل هذا كان دون فائدة، من جاء بي الى هنا؟... وأين الجميع.؟أخذت أمضي حول المكان بضع خطوات تحت أشعة الشمس القارصة، في هذه المساحة الواسعة من الصحراء حتى وجدت تجمعات كبيرة من أناس يبدو أنهم يعيشون في هذا المكان، كانو يرتدون عباءات وملابس بدوية، فأسرعت إليهم طلباً للمساعدة. فقامو بإخبار كبيرهم وأذن لي أن أحدثه.
كان يبدو أنه في الثلاثينات من عمره، تغطي لحيته كل وجهه حتى تصل الى أسفل رقبته، وتظهر عليه ملامح جامدة، صارمة، أسفل عينيه شديد السواد، ويغطي رأسه بعمة سوداء اللون. وكانت عبائته أيضاً سوداء. على عكس الجميع..
لا أنكر أنني شعرت برهبة هذا الرجل، وأن عليّ أن أكون حريصة في حديثي بعدما علمت أنه كبيرهم، ولكنه لم يمهلني فرصة التحدث بل تحدث هو أولاً قائلاً:
أهلاً بكي في وادينا يا صغيرتي... كيف نساعدك؟
فأجبته والحسرة تغلب على نبرة صوتي:
لقد وقعت حافلتنا في حادث وغبت عن وعيي وأستيقظت هنا... وحدي ولا أرى أياً منهم، أيمكنك أن تساعدني سيدي؟
فأجاب بصرامة:
عليكي أولاً أن تثبتي لنا ولائك.. وإن فعلتي فأنا أعدكي بأن أدلك على أصدقائك.
فقلت:
كيف أثبت ولائي يا سيدي.. انا لا أفهم
فقال:
وادي الغِربان يبدأ من الشمال ويمتد إلى بحيرة ألكا الكبيرة... وأنتي هنا. في أكثر أماكن وادي الغِربان خطورة يا حلوتي...
فأبتسم لرجاله أبتسامة يبدو عليها المكر الشديد وإذا بالرجلين يسحباني من أمامه ويجراني إلى عربة خشبية تجرها الخيول وبدأوا بوضع قطعة قماشية على عينيّ وربطوا يداي وقدماي ووضعوني في تلك العربة. أخذت أصرخ كثيراً ولكن دون فائدة. أريد أن اعرف هذه المرة الى أين سيأخذني قدري.. ولكنهم لم يستجيبوا حتى وضع أحدهم قطعة قماشية أخرى على فمي وربطها بقوة بحيث لا يخرج صوت مني.لقد كانت مشاعري مضطربة تماماًبين خوف على نفسي،وخوف على أخي،وحزن على ما أصاب كلينا.، لم يتوقف عقلي عن التفكير إطلاقاً. حتى أصطدمت العربة بصخرة كبيرة فقال أحدهم أن يستعدوا لأننا أقتربنا من البحيرة.
تعجبت من حديثه.. لماذا جاءوا بي إلى هنا، وماذا يريدونني أن افعل حتى توقف عقلي عن التفكير بعدما توقفت العربة، ونزل منها الرجلان وأخذ أحدهم يجرني الى الأسفل، وقام بنزع العصابة من على عيني فوجدت البحيرة أمامي مباشرةً.. كانت أكبر مما توقعتها، كم هو غريب حقاً بعد كل تلك المساحة الكبيرة من الصحراء أن توجد بحيرة في هذا المكان، كان منظرها مذهل، أخذ الرجلان اللذان كانا معي في العربة ينزعوا القماشة المعقودة على فمي، وأنا مكبلة الايدي والأقدام وجدت أحدهما يمسك بذراعي والأخر بالذراع الاخر، مازلت مكبلة الأطراف، أخذت أصرخ فيهم وأسألهم عما سيفعلون
ولكنهم لم يستجيبوا ..ثم نظروا الى بعضهم وألقوا بي في البحيرة
أنت تقرأ
وادي الغربان
Short Storyرحلة في الصحراء، ستغير حياة وحيد الشاب المائل للعزلة، وسيخوض من خلالها أصعب مواقف حياته..