Part 12

99 20 0
                                    

(نسل الفتى)

مرة أخرى في وعي آخر، لقد رأيت أمي هذه المرة كانت تجلس منفردة، وتبكي بغزارة، أنتظرت حدوث أي شيء أو قدوم أحدهم، حتى حضر أبي وأحتضنها وأخذت تحدثه أمي في تلعثم:
لقد أجهضته مرة أخرى، إنه رابع طفل ننهي حياته، أنا لا أريد الأستمرار لقد سئمت.. لا أريد أطفالاً.
فحدثها أبي:
لا بأس يا عزيزتي أنتِ بخير.. وهذا يكفي، وإن لم نُرزق بطفل، فنحن لدينا وحيد وعلينا أن نعتني به.

تعجبت من حديث أمي بأنها أجهضت طفل رابع، فانا لم أعلم بهذا من قبل... لم يمر الكثير حتى نظر أبي ناحيتي وكأنه يراني، بدأت أحدثه ولكنني لم أكن أسرع من مالك... لقد فقدت وعيي مرة أخرى وأستيقظت هذه المرة في مكان لا أعرفه..
بيت كبير ومُرتب، ونظيف، ظهرت به إمرأة جميلة منتفخة التجويف البطني، ويبدو عليها التعب الشديد، أمسَكَت هاتفها وأخذت تحدث أحدهم بصوت متعب وتطلب منه النجدة، ثم وقعت أرضاً بعد هذه المكالمة الهاتفيةلم يمر الكثير حتى حضر الطبيب ومن ورائه المسعفون أدخلوها غرفتها وأنا أقف في مكاني لم أحرك ساكناً، أحاول فقط فهم ما يحدث وماذا أفعل هنا وما علاقتي بهذه المرأة.
بدأت أستمع الى صرخاتها التي أمتلئت بالألم الشديد وأستمرت ولادتها على هذا الحال الى ما يقرب الخمسة وأربعون دقيقة، حتى حضر ذلك الرجل مجدداً، لكنه قد ظهر عليه الصغر قليلاً هذه المرة، وبدا أصغر من ذي قبل، أنطلق مهرولاً الى الغرفة وأنا لازلت في مكاني، توقعت ظهور مالك في هذه اللحظة ولكن هذا لم يحدث، وبعد دقائق سمعت صوت بكاء الطفل فارتاح قلبي قليلاً ودار في عقلي أن أخيراً أصبح كل شيء على ما يرام.. لكنني لم أكن على حق... لقد ساد الصمت للحظات في أرجاء المنزل ثم خرج هذا الرجل وهو يبكي بشدة وخرج ورائه الطبيب وهو يواسيه ثم أنصرف الجميع إلا هذا الرجل الذي أنفجرت عيناه من كثرة البكاء، أدركت حينها أنها لقت حتفها، ربما تأثرت بما يحدث ولكنني لازلت على غير فهم لسبب وجودي هنا.. من هذا ومن هي هذه المرأة وما علاقتي بهما....

إلى وعي آخر ومرة أخرى في منزلنا، أشعر بالغثيان بعض الشيء، ولكن أظن أن سحر مالك ينفع في بعض الأحيان فجعلني أرى أمي وأبي مرة أخرى، كانا يجلسان أمام التلفاز تفقدت باقي الغرف فوجدتني أدرس في غرفتي، أبدو في الخامسة عشر من عمري، عُدت مرة أخرى فلفتت إنتباهي سلمى التي كانت تبدو صغيرة للغاية وتجلس بجوارهم في ليلة دافئة جميلة، أقتربت أكثر لأستمع الى حديثهم الذي بدأته أمي قائلة:
لقد مات هذا المجنون منذ ليلتين.
فقال أبي:
لقد وصلتني أخباره ليلة أمس، أظنه كان رجل صالح قبل ما حدث لزوجته وهي تلد أبنه
فقالت:
الجميع يظن ذلك ولكن من يعلم... أظن أن علينا أن نحذر الأيام المقبلة فقد يأتي إلينا أخاه في أي وقت ليطلب ما كان يطلبه حمزة قبل وفاته.
فقال أبي:
لا أظن ذلك.. لقد رحل أخاه من هنا منذ سنوات ولا أظنه سيكترث حتى لموت أخيه
فقالت أمي:
هل تظن أن هذا عدل... بالنسبة للفتى المسكين
فقال أبي:
بالتأكيد لا لقد ماتت أمه وهي تلده، وجن جنون والده لوفاتها، وتركه بمفرده منذ أن كان رضيعاً، حتى مات منذ يومين، وجعل من هذا الصبي المسكين فتى يكره الناس ويحب الإنعزال بنفسه وحيداً..
حتى أسمه.. لقد أختاره له أصحاب الميتم الذي تربّى فيه الى أن وصل الى السادسة من عمره...

فقالت أمي:
ماذا عن عمه.. ألا يجب أن نعطيه فرصة أخرى، إنه من نسله.
فقال أبي:
يقولون أنه يعيش في الصحراء، منذ سنوات وأنه يكون عائلة بعيداً عن هنا وربما لديه مصلحة في مكوثه هناك.. أظنه مجنون مثل أخيه لن أعطي الفتى لأي أحد سيُربى فقط بيننا

عدت كما كنت قبل أن يُكشف لي كل شيء في الصحراء وبجواري سلمى وأمامي مالك مرة أخرى، 
فنظرت إليه في غضب وقلت له:
أنت... أنت وراء كل شيء.. هل هذا الطفل هو انا؟
فقال:
لقد قلت لك يافتى... لقد طال إنتظارك كثيراً،
فقلت:
اريدك أن تشرح لي كل ما رأيته.
فقال مبتسماً:
لقد رأيت كل شيء بنفسك يا وحيد.. وأدركت الكثير بفضلي أظن أنك مدين لي الآن..
ثم أقترب مني ووضع يده على كتفي وأكمل قائلا:
لقد جن أخي المسكين بعد وفاة زوجته قبل أن يلحق بها.. وانا كنت أحتاجه لكي يستمر نسلي في هذا الوادي، كنت سأحتاج الى قطرة من دمائه لتبقى سيطرتي ويستمر حكمي هنا في الوادي.. ولكنه مات منذ سنوات..
حقاً لقد حزنت كثيراً لهذا الخبر، وأنت أيضاً؟
أظن أنك أيضاً توافقني.. ف فقدان الأب ليس بالهيّن يا... أبن أخي

وادي الغربان  حيث تعيش القصص. اكتشف الآن