Part 10

115 21 3
                                    

"سلمى"
(لعنة ألكا)

لقد خرجت من بحيرة ألكا شخص آخر، أحياناً أفقد السيطرة على نفسي وعن تمالك أعصابي، وأحياناً أفقد وعيي بالساعات، ولكن هذا لا يحدث في الصباح حتى تغرب الشمس، عند بزوغ القمر في بعض الأيام لا أتذكر ما حدث ليلتها، ربما أصبح يومي نهاراً فقط.. إنها لعنة ألكا التي تحدث الجميع عنها بعض من قوافل القبائل التي تمر بالقرب منا.

في قبيلة مالك هم ليسو أشرار كما يدّعي الجميع، أظن أنهم يفقدون السيطرة على أنفسهم مثلي، في كل يوم قبل غروب الشمس لا تصدر منهم أي شكوى، كم هو صعب أن تكون شريراً بدون إرادتك، أو تقوم بأفعال لا تريدها وأنت غائب عن الوعي.
إنها الوشوم على رقابنا ، كل من عليه هذا الوشم فهو منبوذ، ويقطع علاقته بأهله وينعزل عن الجميع، ولا يسمح له بمرور الجنوب والذهاب لقبائل الجانب الأخر.

مالك.. إنه الشرير الوحيد في هذه الأرض، لقد أسنخدم سحره وغيّب به العقول وخدع به الأبرياء وأستعمله في أمور الشر، غريبٌ ما يصيبني كلما حاولت الأقتراب منه أو منعه ربما أشعر أنني مكبلة، ويلازمني شعور الضيق، وأغيب عن وعيي مثلما يحدث دائماً... بإختصار لا يستطيع أحد الأقتراب منه ، ولا يستطيع أن ينهي حياة مالك العامري إلا مالك العامري.
و تلك القلادة التي تساعده على إلقاء سحره على الغير وهو الوحيد المتحكم بها والوحيد الذي يستطيع لمسها.. ولا ينزعها من عنقه أبداً.

كم أشتاق الى أخي وأتمنى العودة معه الى المنزل، ولكن بعدما خرجت من بحيرة ألكا أدركت أنه أصبح من الصعب حدوث هذا، بل يقترب من المستحيل.
حتى قررت الإعتماد على نفسي ومحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأبرياء 
لقد كان الوقت مبكراً، الجميع نائمون، والهدوء يعم في المكان، تسللت بين الخيام، حتى وصلت الى خيمته فنظرت عبر ثقب صغير في الخيمة فوجدته نائماً، والقلادة على رقبته، نظرت حولي لم أجد أحداً بالجوار، فقررت إنتهاز هذه الفرصة والتسلل الى الداخل وتحطيم هذه القلادة على رقبته، فأمسكت بحجر كبير وأخرجت زفيري وهرولت الى الداخل بأقصى سرعة وأستعددت بالحجارة، ورفعتها عالياً ثم رطمت بها عنقه.

ربما كان عليّ التفكير أكثر من ذلك... لقد تدمرت الحجارة وغرقت أصابعي في الدماء وفقدت أحد أصابعي فأخذت أصرخ دون توقف وزاد صراخي عندما رأيته يفتح عيناه وينظر إليّ بشيء من التوعد فوقف أمامي وأمسك بكفي الغارق بالدماء في يساره وكوّر قبضة كفه الأيمن ولكمني في وجهي فوقعت أرضاً فاقدةً للوعي.

لقد أفقت عند رمال الصحراء الرطبة بالقرب من بحيرة ألكا في الصباح، كالعادة لا أتذكر ما حدث الليلة الماضية أو الليالي الماضية فقد أكون غائبة عن الوعي منذ أيام، مشيت قليلاً حتى وصلت الى قرب
البحيرة فوجدته مستلقياً على الأرض فأندفعت الدماء الى وجهي، وأخذت أحدق به غير مصدقة انه هو... وحيد...
لقد كان يبدو عليه التعب والإرهاق، أسفل عينه أزرق مما يتبين أنه لُكم على وجهه، أصابني مظهر وجهه بالذعر ، فهرولت مسرعةً نحوه، وأخذت أوقظه حتى بدأ يفتح عيناه وينظر إليّ في خوف فابتعد عنيّ سريعاً ووقف من مجلسه ونظر إليّ وكأنه لا يعرفني.. لقد تحول الفرح الشديد من داخلي الى حزن، سقطت دموعي على وجنتاي فأخذت أحدثه وأنا أمسح دموعي:
ماذا تفعل يا أخي.. أنا سلمى
فقال:
ما الذي حدث ليلة أمس
فقلت:
لا أعرف.. أنا لا أتذكر كل الليالي التي أمر بها
فنظر اليّ في حزن وقال:
لقد أصابتكِ لعنة الوادي.. 

ـــــ لا أشعر أنني على قيد الحياة وكأن روح أخرى تقود جسدي، أمضي في طريق لا أعلم نهايته،  تقودني قدماي ولكن عقلي مغيّب
سقطت دموعي على وجنتاي ثم أكملتُ:
وحيد... أريد العودة الى المنزل... أفعل هذا من أجلي... أرجوك
فأنفجرت عيناه من البكاء وأحتضنني وقال:
سنعود الى المنزل... أعدكِ بذاك.

وكأن تلك المشاعر كانت سجينة عقلي، وتحررت بعدما رأيت أخي وحيد، لقد كانت فرحتي برؤيته غير محدودة، لقد صُلب ظهري من جديد، وعادت الحياة الى جسدي، ولم أعد وحيدة في هذه الأرض بعد الآن.. بعد عودة أخي. ضُخ الأمل في أرجاء المكان وساد صوت الحرية من جديد،  أمسك بيدي كما كنا نفعل ونحن صغار وأنطلقنا قاصدين الشمال الى القبيلة التي جاء منها، ومضينا حتى تخطينا أرض الرمال الرطبة... حتى وجدناه أمامنا.. إنه مالك من جديد أخذ ينظر اليّ مما أرعبني ونظر الى أخي وهو يكوّر قبضته غاضباً وظل على هذا الحال للحظات حتى قطع هذا الصمت قائلا:
وحيد، قد طال إنتظارك أيها الفتى....

وادي الغربان  حيث تعيش القصص. اكتشف الآن