Part 1

165 25 5
                                    

هل يبدو الامر مزعجا عندما تكون وحيدا..؟
سؤال ليس له اجابة محددة؛ فقد يكره المرء ان يعيش بمفرده منعزلا عن ذويه. ومنهم من يفضل تجنب هذا العناء.

انا (وحيد) وحيد هو اسمي ولكنه أيضاً حالي الذي أحب الميول إليه.
أنا طبيب بشري أعمل في مستشفى حكومية في قريتنا المتواضعة في محافظة من محافظات جنوب النهر بالمناسبة... انا لا أحب العمل؛ لأنه بحكم عملي فأنا اختلط بالكثير من الناس يومياً، الكثير من الحديث المتداخل في بعضه الحديث الغير مفهوم في اماكن جلوس المرضى. والكثير من الاختلاط المزعج والمؤلم لي بعض الأحيان.

اتسآئل دائماً عن كيفية استمتاع الانسان دائماً.انه امر محال ، الفرح احساس مؤقت حتماً سينتهي. والمريع في الأمر انه غالباً ما ينتهي سريعاً ، أفضل أيامنا مرت علينا ساعات، وأكثر لحظاتنا فرحاً لم نشعر بها من سرعتها
... لماذا لا يحب الانسان خوفاً من كسرة القلب.
رغم أني أتفق مع الأخير؛  فالحب هو غشاء شرير يعمي قلب وعينيْ وعقل المرء عن الكثير من الأشياء. هو في الاخير أمر وهمي. مشاعر يتوهمها الناس لينتهي بهم الأمر بالزواج. وهي فطرة الانسان.

يمر يومي دائما على نفس المنوال. وحدي فقط. بيتي كبير... كبير للغاية وهذا الأمر يصيبني بالذعر انا أعيش وحدي على أية حال. أملك المال، العائلة، العمل لكنني أفتقر المشاعر الاجتماعية، أظن ان في أغلب الوقت هذا الأمر أكثر راحة.
عدت من عملي كباقي الايام في الرابعة عصراً. وجدت أمي، أبي، واختي الأصغر مني في انتظاري. هذا ليس طبيعياً وهذه ليست زيارة عادية. ستحدثني أمي عن أمر تأخر زواجي وربما انها وجدت لي عروس، وسيحكي لي أبي عن أمر انعزالي عن العائلة أما أختي ستحاول ان تجعلني أبتسم حتى لو بدون سبب. أكره ذلك العبأ الذي يضعونه عليّ أكره ان أتصنع أمامهم أني بخير واعود على طبيعتي عند مغادرتهم.
جلسنا جميعا وبدأت أمي بالفعل تحكي لي عن أمر الزواج وكالعادة كان ردي مثل كل  الردود السابقة:
لا أفكر في الأمر الآن.
نعم انا في الخامسة والثلاثون من عمري وربما يريدون ان يطمئنوا عليّ لكن القاعدة الأولى في حياتي هي
"لا تغصب نفسك مقابل اسعاد الآخرين"
بدأت اختي بالتحدث عن الجامعةوأنهم يجهزون للذهاب في رحلة الى الصحراء ويمكنها اصطحاب شخص واحد
بالتأكيد أنا أرفض كالعادة، كم هو مريع ان يتواجد المرء في مساحة شاسعة في الصحراء وهو محاط بالكثير من الأغراب.... هذا كان ردي حتى تدخل أبي:
أنا ووالدتك كدنا نفقد الأمل فيك انت ابني الأكبر وأختك ستحتاجك هناك. عليك ان تخرج من جحرك وتواجه الحياة ولو مرة. هذا ليس طلباً بل هو أمر
خذ إجازة من العمل وأستعد للذهاب مع أختك.
أنتهى أبي من الحديث وأشار الى أمي وأختي دون ان يتحدث اي منا وذهبوا جميعا وتركوني أعاني. حقاً لا أريد الذهاب كل ما أريده أن تستمر حياتي بنفس روتينها ولكن لابد انه مصيري،ولا مفر منه.

مر يومان حدثتني أختي فيهم أنها أستعدت للذهاب غداً إلى تلك الرحلة وأخبرتها أنني طلبت إجازة من المستشفى ووافقو الآن مستعد للقدوم. ربما سأذهب مع أختي غداً مغصوباً لكنني سأحاول أعتبارها فرصة لتجربة جديدة. أوسأذهب لأعتني بأختي... فقط
في اليوم التالي حضرت حافلة أمام بيتي ومنها كانت أختي تجلس في المقعد الأخير وتشير إليّ للذهاب
كانت أجواء الحافلة سعيدة جداً ولكن ليس بالنسبة لي. ربما أصابني ألم في الرأس بسبب صوت الأغاني والموسيقى المرتفع وتلك الطبول التي كان يرقع عليها بعض الشباب من المقاعد الأولى. وهذا ما أضطرني ان ارتدي سماعات للأذن.
وبعد عدة ساعات كنا قد وصلنا للصحراء وأظننا أقتربنا من وجهتنا.. كان المكان في غاية الجمال أشكر سماعاتي لأنها ساعدتني على الأستمتاع بتلك المناظر. الصخور الكبيرة في وسط الصحراء المنحوتة بفعل الرياح، الرمال المتموجة على مرمى البصر يميننا ويسارنا ولون الرمال شديد الصُفرة الذي جعلها تشبه الذهب.
كان الجميع مازال يغني من حولي وأختي كانت تستمتع بوقتها أيضاًمع صديقاتها  ربما لم أعد أستمع الى أغانيهم لكنني كنت غير مرتاح من كثرة الناس حولي. في بعض الأحيان أشعر وكأنني أعاني من فوبيا من البشر. أستمرت الحافلة في المضيّ أما انا فغلبني النعاس وأغفلت عيني
فأستيقظت على صدمة قوية في رأسي،نزعت سماعاتي وجدت الجميع يصرخ والسائق يصرخ ويقول:
تشبثوا جيداً... تشبثوا...

أخذت أحتضن أختي وأحاول تهدئتها ولكن هذا لم يساعدها كانت الحافلة شديدة السرعة وكان يبدو ان سائقها فقد التحكم فيها. نظرت أمامنا في الطريق فلمحت عدة صخور صغيرة أسفلنا جعلت كل من في الحافلة يعلو كثيرا وترتطم رأسهم في الأعلى ثم يسقطوا بقوة مكانهم وجعلت الحافلة تفقد اتزانها أكثر. كدت أفقد وعيي. وكأن المكان يدور بنا. أخذ السائق يدهس المكابح لكن هذا لم يفلح بل جعل الأمر اكثر سوءاً. جعل الحافلة تفقد توازنها وتغير مسارها. حتى اصطدمت في صخرة عملاقة في وسط الصحراء...

وادي الغربان  حيث تعيش القصص. اكتشف الآن