"يونس"
لقد شعرنا جميعاً بحب تجاه هذا الفتى، وكنا نتمنى حقاً أن يجد أخته قبل أن تنتهي فترة مكوثه هنا، وكنا نهتم بأمره كثيراً وكأنه من أهل الوادي.
ولكن ما كان منحوتاً على تلك الصخرة كان أغرب ما قد يحدث له. وأظنني على صواب لأنني لم أشرح له الأمر كلياً ، أخذ وحيد يسألني عن مكانها فقلت له:
لا يمكننا الذهاب اليها.... على الأقل اليوم
فقال منفعلاً:
انا لا أضمن ان كانت ستعيش حتى غداً
فقلت:
أنا أعلم... أنها في أفضل حال
رأيت مدى تعجبه وسألني:
كيف؟
فقلت له:
عليك أن تعلم أولاً أن الأمر ليس بالبساطة التي قد تتوقعها... يبدو أن سلمى لقت صُحبة.. ولكنها ليست صُحبة صالحة على الإطلاق..
فأخرجت زفيري وأردفت قائلاً:
وادي الغِربان ليس مجرد مساحة صغيرة في وسط الصحراء. ويعيش فيه أهل البدو، يحكي التجار الذين تركوا الوادي قديماً أن وادي الغِربان يشبه بلاد الخارج من حيث مساحته وعدد قبائله.
في أقصى جنوب الوادي في أكثر الأماكن إنعزالاً عن القبائل عمتاً يوجد قبيلة منفصلة عن الكل، تتشر الشر وتزرع الفحشاء في نفوس الشباب، يستعملون السحر الأسود، ويتعاونون مع غير البشر... كبيرهم يسمى (مالك العامري) يقولون أنه خاوى الجن السفلي، واستعان بهم في نشر الشر، وغوي الناس للإنتحار ثم يقومون بسرقتهم، ان تكون لصاً هذا قد يكون عادياً الآن، لكن أن تسرق باستخدام السحر، هذا شر لا يمكن صده، وقد يصيب أي شخص في أي وقت.زادت الحيرة على وجه وحيد ثم سألني قائلاً:
وما علاقة سلمى بهم؟
فقلت:
إنهم يكتبون أسم كل من ينضم اليهم حديثاً على صخرة كبيرة وسط الصحراء... وكان أسم سلمى بينهم..
فقال:
ماذا لو كان تشابه أسماء؟
فقلت آسفاً:
هذا أحتمال ضعيف يا صديقي.. لا أعتقد أنني سمعت هذا الأسم بين قبائلنا.
فجأة سمعت صوت صراخ من خيمة أبي وأمي فهرولنا مسرعين اليهم في فزع شديد وسألتهم عمّا يحدث فقالت لي أمي منفعلة:
لقد سقطت أختك في وسط الصحراء، وظنوا أنها قد ماتت حتى أحضروها الى هنا
فتحدث وحيد بدون تردد قائلاً:
أحضروا بعض الأعشاب ذات رائحة نفاثة، وببعض الأعشاب للشرب، ودعوني ألقي نظرة... لا تقلقوا.. أنا طبيب.
كنا في موقف لا نُحسد عليه إطلاقاً، هذه ثاني حادثة تقع لأختي في نفس الأسبوع، ولكن ربما سخر لنا القدر الطبيب وحيد، لم يكن يبدو عليه أبداً أنه طبيب ولكن لا يهم، كنا في لحظات توتر بينما كان وحيد يضغط على معصمها ويدلك منطقة رأسها الأمامية، وبدأ يضع على أنفها نبات إكليل الجبل، حتى أستعادت وعيها، فبدأ وحيد يربط على رأسها بقطعة قماشية، وجهز لها أعشاب للشرب، بينما أخذت أمي تحتضنها، وأنا جلست بجوارهما
وشكرت الطبيب وحيد، وحضر أبي في هذا اللحظة وحكينا له على كل شيء، وقام بشكر وحيد ثم أنتهى وحيد من تلك الأعشاب وأنصرف على الفور وعاد الى خيمته.بعد مرور عدةدقائق كان قد أقترب الليل من إنتصافه، وكان وحيد قد جهّز نفسه للرحيل ، ذهبت إليه أولاً لأودعه، فأعطاني ثيابي التي كان يرتديها وأرتدى بدلاً منها ثيابه التي لم تكن في أفضل حال ولكنه صمم على فعل ذلك، فقلت له:
لقد كانت إقامتك خفيفة يا صديقي، ومرت سريعاً، وأسف على ما حدث لأختك، ولكنني أعدك اني سأحاول العثور عليها مرة أخرى
فأجابني :
ليس عليك فعل ذلك يا صديقي.
تعجبت من حديثه فقلت له سائلاً:
ماذا تقصد؟
فقال لي بنبرة حادة:
سأذهب إلى مالك العامري...
أنت تقرأ
وادي الغربان
Short Storyرحلة في الصحراء، ستغير حياة وحيد الشاب المائل للعزلة، وسيخوض من خلالها أصعب مواقف حياته..