"وحيد"
(بحيرة ألكا)لقد شعرت بمعنى كلمة عائلة مع هؤلاء القوم، لم ألقى منهم إلا معاملة حسنة... لقد فعلوا الكثير لأجلي.. ولكن هذا هو قدري.. عليّ أن أرحل قبل شروق شمس يوم جديد، وهكذا قد مرت ثلاثة أيام لي بين قبائل الشيخ زيد ولم يعد لي مكان بينهم.
لقد ودعت يونس وكذلك والديه وزينب ولكن كان عليّ أن أودع الشيخ زيد أيضاً كما قال لي يونس فذهبت إليه... وأمرني بالجلوس وبدأ يتحدث:
يا أهل الوادي لقد عشت معكم حوالي تسعون عاماً، أنت تعلمون أن وقتي بطيء، وتعلمون أن لا حكم لغيري إلّا بعد موتي، لهذا بقيت في حكم الوادي لمدة تصل الى الستين عام... ولم تعتادوا مني الظلم.
لقد لجأ إلينا غريبٌ لا يجد مأوى، تعرض لحادث وفقد أخته ولا يستطيع إيجادها، أمهلته ثلاثة أيام ولكن يبدو أنهم لم يكونو كافيين، وتعلمون أنه إذا مكث هنا أكثر من ذلك سيخالف قواعدنا.. وسيعرض نفسه لخطر أكبر..... لعنة ألكا.
تعجبت من حديثه وزادت الهمهات حولي فأكمل الشيخ زيد قائلاً:
لقد سيطر مالك على بحيرة ألكا منذ سنوات، وأستعملها في سحره وشره.
وأنتم تعلمون أنهم ينشرون الشر بيننا، ويقتحمون خيمنا، ويغتصبون نسائنا، ويسرقون قوافلنا.
ولا نريد أن يكون هذا الشاب واحد منهم، ولكننا لا نريد أيضاً أن نخالف قواعدنا....
خلاصة القول... لقد جمعتكم لأطلب منكم هذه المرة. ومن يجيب هذا الطلب.. سينال مني الثراء
ثم تنهد وقال:
من لديه ابنة منكم.. فليعرضها أمام الجميع للزواج من هذا الشاب... وسأدبر لهم كل أمور الزواج....
وهكذا سيصبح الشاب الغريب.. من أهلنا وستسري عليه قواعدنا.. وسيتغير زمنه مثلنا...
صُدمت من حديث الشيخ زيد، حتى زاد بريق عيني، وأخذت اتنفس الصعداء، إنه أصعب موقف مر عليّ لي في وادي الغِربان.. ولكنني وجدته أنسب الحلول للعثور على سلمى... ولكن من سيزوج ابنته لشاب غريب لا يعرف له عائلة ولا أصل ولا بلد لمجرد مساعدتي.. هذا كان أهم تساؤلاتي.وبعد كثرة همهمات كبار قبائل الوادي، تفاجئت بتقدم والد يونس بضع خطوات نحوي وأطال نظره إليّ ثم أقترب مني أكثر وحدثني قائلاً:
أنت شاب صالح، وطبيب جيد، عشت بين خيامنا وتناولت من طعامنا،وكنت كأبني يونس.... ولكن هل يمكنني أن أثق بك؟
تعجبت من سؤال والد يونس وأظنني أمسكتُ طرف الخيط في الموضوع الذي يرمي إليه فجاوبته قائلاً:
أعتمد عليّ في كل أمورك ياسيدي وستجدني عند حسن ظنك.. أعدك.
ثم ألتفت اليّ مرة اخرى وحدثني:
يمكنني أن أعطيك هذه الفرصة... ستتزوج من أبنة أخي...يا إلهي لم يكن الخيط الصحيح الذي أمسكته، ربما كان هذا يساعد في بقائي، وأظن أن الأختيار ليس في يدي... عليّ أن أقبل .. أنه الحل الوحيد.
امتزاج بين مشاعر أمل بعد مساعدة الشيخ زيد لي، وشعور بغير أرتياح بعدما عرض عليّ والد يونس الزواج من أبنة أخيه.. لا أعلم لماذا ولكنه أصابني.
لقد وافقت على هذا الزواج وتأجل ذهابي الى قبيلة مالك..ربما لعدة أيام... لأن غداًسيقام حفل زفافي
بــــ (مريم) أبنة عم يونس.لقد حل النهار، وأفقت على صوت مناداة يونس لي، لكي أستعد لحفل الزفاف فخرجت له وأعطاني عباءة بيضاء مطرزة بإحترافية شديدة، باللون الذهبي مما جعلها أكثر جمالاً وعمة بيضاء وبعض الورود الجميلة وضعهم في جيب العباءة.
رأيت في عين يونس مدى فرحته بأمر زواجي وبقائي بينهم، بينما أنا لم أستطع أن أجاريهم في تلك الفرحة.. ربما لإنشغالي بأمر أختي سلمى، او مضطرب من أمر زواجي، لا أعلم ولكنني على غير ارتياح... أنشغل بالي بأمر زينب أيضاً فذهبت للإطمئنان عليها والتأكد من أنها تواظب على شرب أعشابها.
فحدثتني قائلة:
ستتزوج من مريم إذا.
فقلت مضطرباً:
نعم... لقد عرض والدك عليّ هذا العرض وأخبرني أنها يتيمة. وأن أعتني بها... لقد ساعدني والدك.
فقالت بنبرة خافتة:
نعم.. أظن أن هذا سيساعدك.. ومريم فتاة صالحة ومن أجمل الفتيات في سنها.. عندي يقين أنك ستحبها.
فقلت:
لا يهم.. فأنا ليس لديّ خيار أخر على أي حال... أعتني بنفسكِ ولا تهملي شرب الأعشاب.
فوقفت مستعداً للرحيل فأمسكت بذراعي فجأةً وأردفت:
هل يوجد شيء تريد إخباري به؟أضطربت أفكاري، وأمتزجت مشاعري مجدداً بين خوف وأضطراب، أنا حقاً لا أعلم ما أشعر به، ولا يتضح لي شعور محدد... فأخرجت زفيري و جلست بجوارها مرة أخرى وحدثتها:
أرفض فكرة الأعتراف بكلمة حب.. وأراه فطرة زرعها الله فينا.. أنا لست في مزاج جيد وأعترف أنني غير مرتاح.. لا أعلم ماذا أصابني ولا أفهم هذا الشعور المختلط الغريب. كم أكره أن أكون ضعيفاً وأُجبر على فعل شيء بدون وجود خيار أخر. لأنه حتماً ودائماً هناك حل أخر... لا أعلم عواقب ما سأقوله الآن ولكنني كنت أتمنى أن تكوني في مكان مريم الليلة.
أنت تقرأ
وادي الغربان
Short Storyرحلة في الصحراء، ستغير حياة وحيد الشاب المائل للعزلة، وسيخوض من خلالها أصعب مواقف حياته..