Part 3

129 25 4
                                    

"وحيد"

لقد انهارت الحافلة، وانهارت كل مشاعري عندما لم أجد أختي بين المصابين، ليس أختي فقط لقد أختفى الكثير من راكبي الحافلة.
تعجبت من ظهور شاب وفتاة يرتدون زيّ بدوي. كان الشاب يرتدي عباءة فضفاضة سوداء مطرزة باللون الذهبي رأسياً على جانبيها وعمة على الرأس. أما الفتاة فكانت ترتدي ثوب مزخرف أمتزج بين اللونين الأسود والأحمر وتغطي رأسها بقطعة من القماش البيضاء ووجهها بقناع قماشي أسود اللون له فتحتين فقط للعينين. سألتهم عن سلمى لكنهم تعجبوا ولم يظهروا أي ردة فعل فطلبت منهم المساعدة وقابلوني بالترحيب وأقترحوا عليّ الذهاب معهم الى قبيلتهم.
في الطريق تحدثت مع هذا الشاب البدوي الذي أخبرني أن اسمه يونس وأخبرني أن لديهم أعشاب خاصة للجروح وسيضمدوا الجرح على الفور. مضيت معه هو وأخته التي لم تنطق بكلمة واحده حتى وصولنا الى مكان تجمع القبائل الذي حدثني يونس عنه وقال أنه سيأخذني إليه.
لقد كان البدر في السماء، كثُر نعيق الغِربان أكثر كلما أقتربنا ناحية ذلك المكان. نسيم من الرياح يهب كل حين ليلطف من أجواء المكان رغم أنه المكان الأكثر لطافة الذي رأيته في حياتي. كان الجميع يجلس على الأرض في مجموعات متفرقة، لا يتوقفون عن الغناء والتهليل وتناول الطعام ، الأحطاب المشتعلة ،الأطفال يلعبون مع بعضهم في حب وتآلف، كعادتي لا أحب الإختلاط بالآخرين، ولا أحب التعامل مع أناس جدد.
لكنني لا أنكر مدى شعوري بالبهجة عندما رأيت تلك الإحتفالات فأقتربت من يونس وحدثته:
هل هناك مناسبة ما اليوم؟
فقال:
لا. إنها الأحتفالات الاسبوعية في وادي الغربان، كل خميس يحدث هذا الأمر في نفس التوقيت.

فأومأت له برأسي متعجباً وأكملنا طريقنا بعدما نظر الجميع الينا حتى وصلت الى رجل مسن يرتدي عباءة بيضاء مختلفة عن الجميع أدركت أنه كبيرهم كان يمسك في يمينه بعصا سمكها كبير من الأعلى ويقل سمكها تدريجياً حتى تصل الى سفحها. كان يبدو على هذا العجوز القوة الشديدة، لحيته شديدة البياض. ولكن كتفيه العريضين يوحيان أنه في منتصف شبابه كان يسميه الجميع الشيخ زيد. ناديته بنفس الأسم وسمح لي بالجلوس وأمر بإحضار بعض من الأعشاب الطبية وبدأو بتنظيف الجرح ووضع تلك الأعشاب على وجهي. وبعدما أنتهو سألني الشيخ زيد عمّا حدث لي سبّب تلك الجروح فأخبرته بما حدث وعن أختفاء سلمى. كان رد فعله غريب بعض ما، فصمت لبضع دقائق ثم التفت اليّ وقال:
لقد داوو جروحك، وأحضروك الى هنا ويمكنك تناول ما شئت من الطعام، ولكن لا يمكننا المساعدة أكثر من ذلك.
تعجبت قليلاً من صرامة هذا الرجل فقلت له:
ولكنني أحتاج الى مساعدة أحد رجالك، أنا غريب عن هنا ولا أعرف أي مكان أذهب إليه عن يقين، وربما أضيع تماماً في الصحراء الواسعة. أطلب فقط منك ان يصاحبني دليل من رجالك للبحث عن أختي.
كانت تعابير وجه الشيخ زيد بنفس الصرامة فلن يغير حديثه بل زاده قائلاً:
هناك قواعد في هذا الوادي، قواعد تسير على أهل الوادي قبل الأغراب
. ولكن أمام الجميع، وكرامةً مني أمهلك ثلاثة أيام فقط، تبحث فيهم عن أختك وتتناول من طعامنا، وستلبس من ثيابنا. لكن بعد مرور تلك المدة عليك أن تغادر هذا الوادي.
أومأت له برأسي أيجاباً واصطحبني يونس الى خيمة من خيم قبيلته وأحضر لي الطعام وأخبرني أننا سنذهب في الصباح في مجموعات للبحث عن أختي لأنه سيصعب البحث في هذا الظلام السائد.

لقد مر الليل سريعاً ولم يغمض لي جفن. ظللت أفكر في أختي وعن عدم تحملي مسؤولية الإعتناء بها، ربما كنت أكره فكرة القدوم الى هنا منذ البداية ولكن هذا أصبح واقع وكل ما في الأمر أنني ضيّعت أختي.

في الصباح أحضرت لي زينب عباءة واسعة مثل خاصة يونس وأخبرتني ان خيمتي تقع بين خيمتها وخيمة يونس، وأن أرتدي تلك الملابس لأنهم يستعدون لتناول الإفطار...كانت تقف على بعد خطوات قليلة مني وهي تناولني تلك الملابس، نزعت ذلك القناع القماشي من على وجهها وظهر لي لأول مرة بشرتها السمراء وملامحها البدوية الأنيقة وتلك الغمازتان اللاتي جعلا ابتسامتها أكثر جمالاً.
جلسنا لتناول الطعام أنا ويونس وكانت هذه أول مرة أقابل فيها والديه أما زينب فكانت تأكل بالقرب منا مع مجموعة من الفتيات، أدركت فيما بعد أنهن صديقاتها. أنتهينا من الطعام وبدأنا نتفرق في مجموعات وقررنا البدء بمكان الحادث، فربما عادت اليه سلمى بعدما لم تجد مأوى.
وبالفعل ذهبت انا ومعي يونس واثنين من قبيلته بالخيول قاصدين مكان الحادث الذي كان يقرب من تلك الصخرة الكبيرة التي عرفها يونس عند ذهابنا اليها، وأكملنا طريقنا بعدها وكادت الصدمة تقتلني .. لقد وجدنا الحافلة المدمرة منذ ليلة ماضية قد أكلها الصدأ، وتآكلت حتى أصبح معظمها مثل رمال الصحراء، وبعض الأجثاء التي قررنا دفنها اليوم في طريقنا.... لقد تحللت تماماً، ولم يبقى منها الا هياكلها...
في تلك اللحظة نظر اليّ يونس وأردف قائلاً:
هناك شيءٌ ما عليك معرفته !!...

وادي الغربان  حيث تعيش القصص. اكتشف الآن