Part 9

115 21 0
                                    

"وحيد "

لقد تغيرت حياتي منذ حادث رحلة سلمى، منذ أن دخلت أرض هذا الوادي، تغيرت إنطباعاتي، أصبحت شخصاً أخر، لقد أحببت زينب حقاً، وكونت أصدقاء، لقد تغير هذا الشاب المائل للإنعزال داخلي، وتغيرت بعض وجهات نظري في الحياة عامةً، ربما سيجن جنون أمي إذا علمت أنني وقعت في حب أحدهم، وسيصدم أبي إذا علم أن لي صديق يسمى يونس.

ليلة البارحة كانت من أغرب الليالي في حياتي، بدأت  بزفاف مزيف وأنتهت بإعترافي بحبي لزينب،
تسائلت عن معنى هذا الشعور الذي أصابني بهذه السرعة، ودار في عقلي أن هذا ليس طبيعياً، ولكن زينب أخبرتني أنها أيضاً أصابها تلك المشاعر، فكان التفسير الوحيد أن وقتي يمر سريعاً.

لقد كان هذا ما تمنيته ولكن ليس الآن، أشعر أن مازال لدي الكثير لأفعله،عندما أصبحت في الأمر الواقع وتخيلت نفسي أشاهد شريط حياتي يمر أمامي بسرعة كبيرة، ربما أصابني الذعر والخوف.. ليس من الموت فهو قادم لا محالة.. لكن لا أريد الموت وأنا ضعيف.. أنا الآن في موقف ضعف.. سأذهب الى مالك وأنا أعلم أنني كذلك ولكنه قراري وكما قررت... غداً سأذهب الى قبيلة مالك.

كان وقتي مملاً بعض الشيء مع مريم في الخيمة، إنها حقاً جميلة وأظنها الفتاة التي يتمناها أي شاب، ولكنني وقعت في المحظور، كم أتمنى مرور الوقت بأقصى سرعة لتخلد مريم الى النوم وأخرج للجلوس مع زينب في ليلتي الأخيرة بين قبيلة هاشم.. وربما أخر مرة أراها.

لقد مر الوقت وخرجت متسللاً بين خيم القبيلة ونظرت الى السماء فوجدت سهيل مازال يلمع كعادته، ذهبت الى خيمة زينب فوجدتها ككل يوم جالسة أمام خيمتها، عاقدةً ذراعيها حول ركبتيها، تنظر الى الأعلي... كم تبدو جميلة في وسط الليل،
وفي ليلة أكتمل فيها القمر بدراً فشكل مع سهيل منظراً مذهلاً في السماء ولكنه لم يكن كنصف جمالها.
تقدمت في خطواتي بعد طول لحظات وأنا أنظر إليها من بعيد فأظهرت إبتسامتها لي وأخذت تحدثني أولاً:

علمت أنك ستأتي
فقلت:
لم أستطع تفويت فرصة رؤيتك في ليلتي الأخيرة هنا
فقالت منكسرة:
مازلت مُصر علي الذهاب
فقلت:
سأنقذ أختي وأعود إليكي ولكنني سأعود لآخذك الى بلدي، حيث لا يوجد لعنة ألكا، ولا لعنة الزمن، حيث الكهرباء، والبيوت، والتكنولوجيا، سآخذكِ الى عالم آخر وسنتزوج وسيصبح لدينا أطفال ونكون عائلة ونعيش في سعادة إلى الأبد.
فقالت:
هل تظن أننا سنكون سعداء في بلدك
فقلت:
طالما أنتِ معي.. سأكون سعيداً بلا شك.

فأبتسمت خجلاً وعادت تحدق في نجم سهيل ثم التفتت اليّ مرة أخرى وقالت:
أخذت أفكر طوال الليلة الماضية بعد الحديث الذي دار بيننا عن تلك المشاعر التي أصابت كلينا، فدار في عقلي أنك غريب وتمتلك ثقافة أعلى من أهل الوادي أو لإنك طبيب وأكثر ذكاءاً منهم أيضاً، أو لإنك أنقذت حياتي حين مرة.. لكنني لم أجد إجابة.
إنه شعور غريب لا أجد له تفسير، أشعر بإرتياح كبير ونحن نتحدث، وأحب أن أشاركك كل ما يحدث لي في كل يوم، كما أحب هذا التغير الذي قلت لي أنه حدث لك بسببي... البارحة عندما أعترفت لي بحبك وأنا لم أجب، وأخذت طول الليل أفكر.. ولم أجد تفسيراً إنه شعور بلا سبب...
ثم أخرجت زفيرها وتابعت:
وحيد أنا أيضاً أحبك، ولا أريد أن أعاني أو يُكسر قلبي لفقدانك... كم أتمنى ألّا تذهب الى مالك.. لا أريد أن أخسرك.

وكأن قلبي يبتسم بعد حديث زينب الذي تمنيت ألّا ينتهي، فوجدت نفسي أنظر إليها مبتسماً ثم قلت:
سأعود.. من أجلك.
فقامت من مجلسها وسحبتني من يدي وأخبرتني ان انتظرها أمام خيمتها، فدخلت وأحضرت في يمينيها قفص تغطيه قطعة قماشية داكنة، فنزعتها على الفور وظهر لي غراب أبيض اللون يبدو مختلفاً تماماً عن كل الغربان التي صادفتها في الوادي، كان ذو منقار طويل، وريش كثيف جعل لونه الأبيض ينصع أكثر ويبدو أكثر جمالاً، أخذت زينب تتحسس على رأسه بإصبعها وهي تقول:
إنه سهيل، سميته كنايةً عن النجم، إنه مُدرب، وقد يرسل لك رسائلي... في الجنوب، ولكنني أريدك أن تعتني به إن جاءك برسالة مني، وتتأكد من عودته من طريق قدومه سالماً.
فقلت مبتسماً:
أعدك أنني سأحبه.

لوحت لها بيدي دون التوقف عن النظر الى عينيها، وأستدرت راحلاً..
لقد أتممت كل أستعداداتي وبدأت أسترجع الطريق الذي وصفه لي يونس للذهاب الى الجنوب، حيث قبيلة مالك، خرجت من خيمتي فوجدت خيلاً أبيض اللون يمسك به يونس ويقول لي أن أعتني به وبنفسي في طريقي، فأومأت له برأسي إيجاباً وأمتطيت الخيل وأنطلقت الى طريقي.. في رحلة قد تكون الأخيرة... للبحث عن سلمى.

أخذت أمضي للإمام دون النظر خلفي، دون التفكير في زينب ويونس والشيخ زيد، ودون التفكير في العودة الى المنزل، ففط أنظر أمامي وصورة سلمى تظهر في مخيلتي، حتى أقنعت عقلي أن لا عودة لي بدونها.
بعد عدة ساعات من المضي بين صخور الصحراء الواسعة.. أستمريت في المضي حتى أصبحت الرمال رطبة بعض الشيء وزادت رطوبة الرمال كلما تقدمت في طريقي حتى وصلت الى بحيرة كبيرة، تبدو غريبة للغاية، تصاعدت الأدخنة فوقها، ساد الظلام في المكان، وأشتدت قوة الرياح، وكثر نعيق الغربان من فوقي، زاد توتري حتى بلغ أقصاه، نزلت من أعلى حصاني وأخذت ألتفت حولي، زاد نعيق الغربان بطريقة مريبة أصبح الموقف أكثر رعباً، بدأت أستمع الى أصوات همسات تخرج من البحيرة... ألتفت نحوها فوجدتها تقف على مشارف البحيرة، عيناها حمراوتان  وأسفلهما شديد السواد، وشعرها أصبح قصير حتى وصل الى اذنيها، وتظهر الوشوم على رقبتها... أظن أنها اللعنة التي حكى لي عنها الشيخ زيد... لعنة ألكا.
تقدمَت بضع خطوات نحوي فناديتها ولوحت لها بيدي، فنظرت اليّ نظرة غريبة وأقتربت مني أكثر ولكمتني في وجهي..  جعلتني أفقد وعيي.

وادي الغربان  حيث تعيش القصص. اكتشف الآن