"زينب"
لا أعلم ماذا حل بي بعد هذا الحديث الذي دار بيني وبين وحيد... غريبٌ هذا الشعور الذي أصابني منذ المرة الاولى التي رأيته فيها، أظنه مشابه لشعوره الذي وصفه لي منذ دقائق .. أخذت طول النهار أفكر... كيف قد يحدث هذا.. وحيد مختلف عني تماماً، في أفكاره ووجهات نظره حتى في طبعه.. إنه وحيد، ومتجهّم، دائما يُظهر ملامح الجدية..... ولكنه وسيم على أي حال.
اللعنة على هذا الشعور البغيض، كم أكرهه وكم أكره اليوم الذي جاء فيه وحيد إلينا.. لا أظنني كنت سأفكر الآن في هذه الأمور فأنا لم أقع في حب أحدهم من قبل، أخذت أفكر كثيراً حتى أيقنت أنه ليس عندي ما أفعله.. حتى لو كان هذا شعور الحب .... فلن ينفع... وحيد ليس لي.أصابني فزع قطع تفكيري هذه اللحظة....إنه صوت تهليلات بالجوار إنهم يغنون ويمرحون لزفاف وحيد، وكما توقعت إنها أفعال أخي...
فذهبت لألقي نظرة في الخارج، لقد كان وحيد كعادته ساكن في مكانه، قليل التحدث، وسط هذه التهليلات والأغاني، لم يكن في حالة إنسجام مع هذه الأجواء، فكرت في الذهاب إلبه وإخباره عن شعوري المشابه لشعوره ولكن ظهرت صورة مريم هذه اللحظة في مخيلتي وأدركت أنني قد أفسد فرحتها.. فتراجعت.لقد بدأت الإحتفالات الرسمية في المساء، في حضور كبار القبائل والشيخ زيد، تعالت الأحتفالات، وساد صوت الأغاني والموسيقى في أرجاء الوادي، حتى حضر وحيد ومريم التي ظهرت في هذه اللحظة لأول مرة منذ ليلة أمس، لقد كانت في غاية الجمال، تبدو عليها السعادة والفرح لم تتوقف عن الأبتسام هذه الليلة، وبعد ساعة من الاحتفالات قام الشيخ زيد بذبح إحدى غربان الوادي ووضع نقطة من دمائها على كفيّهما، وأعلنهما زوجين رسمياً أمام الجميع.
بدأت أرى وحيد يدخل في أجواء الحفل وبدأ يتحدث مع مريم، كم اتمنى أن أستمع الى ما يقولونه، ولكن على أية حال، لقد أقترب الزفاف من الأنتهاء... شعور بعدم الراحة مازال يراودني فجلست مبتعدةً عن الجميع.. أنظر الى السماء وألتفت الى نجم سهيل وأتخيل نفسي مكان مريم، جالسة بجوار وحيد والجميع يهنئوننا وحالة من السعادة تعم في عائلتنا.. وأنا... يا إلهي كم أبدو سعيدة.. وجدت نفسي في نهاية هذا السيناريو التخيلي أبتسم.. فأخذت أفكر قليلاً حتى قلت في نفسي :
أنا أستسلم... لقد وقعت في حب الشاب الغريب...عدت الى الحفل قبل أن يلاحظ أحد غيابي، فوجدت الجميع يستعد للرحيل وبدأ وحيد ومريم يحييان الحضور ويستعدان للإنصراف الى خيمتهما التي أشرف على تجهيزها الشيخ زيد بنفسه. فذهبت الى أخي الذي لم يغِب عن وحيد لحظة وأخذت أحدثه:
أتظن أنه الحل المناسب له؟
فقال:
ليس لديه العديد من الحلول أظنه مضطر
فقلت:
أقصد مريم... إنه حتى لم يراها من قبل.. وهي أيضاً.
أظن أننا وضعناهما في الأمر الواقع وأخترنا لهما حياتهما، وهذا ليس عادلاً.
تعجب يونس ونظر لي سائلاً:
ومن كانت المناسبة له إذاً؟
فقلت في تلعثم:
لا أعرف ولكن... لا تهتم.. سأذهب الي خيمتيكادت الدموع تسقط من عينيّ، ولكنني تماسكت حتى لا يراني أحد فيسألني عن سبب هذا البكاء، وأسرعت الى خيمتي وجلست أمامها لمدة تصل الى الساعتين... لقد خلد الجميع الى النوم.. وأنا أجلس هنا فقط أحدق الى سهيل وأفكر في ما سأفعله... ولم أجد حلاً سوا الرضا بهذا الواقع.
حتى وجدته قادماً من أخر خيم القبيلة، ظننتي أتخيل أو ظننته حلماً.. فوقفت مسرعةً وتأكدت أنه هو... وحيد. نظرت اليه متعجبة وسألته:
ماذا تفعل هنا أيها الطبيب.. إنها ليلتك.
فقال بنبرة منكسرة:
علمت أنكِ ستكوني هنا... لم أستطع النوم فخرجت للمشي قليلاً حول خيم الوادي حتى نظرت الى سهيل... فتذكرتك وجئت الى هنا.
فقلت:
لا ينبغي أن تتواجد هنا.. عليك أن تذهب الى عروسك.
فقال:
أريد أن أخبرك بأمر ما.
فقلت وأنا أجلس:
أجلس إذا وتحدث ولكن سريعاً.. لا أريد أن يراك أحدهم هنا.
فجلس عاقداً يديه حول ركبتيه وتحدث قائلاً:
لقد وجدت سلمى.. إنها عند قبيلة مالك العامري،
فقلت متعجبة:
كيف وصل إليها هذ الوغد.
فقال:
لقد وجدنا أسمها محفوراً على صخرة في وسط الصحراء وأخبرني يونس عن كل شيء يخص قبيلة مالك وأظن أن عليّ المحاولة... لقد أتخذت قراري بالفعل.
فقلت:
أنت بالتأكيد لن تذهب إليه.. صحيح؟
فقال:
منذ أول أيامي هنا في وادي الغِربان وأنا أعترف أن حلولي كانت محدودة للغاية، وأنا لم أعتاد هذه الحياة، فقررت اليوم قرارين ولن أتراجع في أيٍ منهما.
الأول أنني سأذهب بعد الغد الى قبيلة مالك للبحث عن أختي... سأذهب وحدي... ولن أعرض غيري للخطر بسببي
والثاني أنني لم أعاني وأجهد عقلي وقلبي في فهم ما يحدث لي، بل سأستسلم تماماً لمشاعري وأجعلها تمضي في طريقها.
فقلت:
ماذا تعني بذلك؟
فعدل من مجلسه ونظر الى عينيّ وأردف:
أنا أحبك....
أنت تقرأ
وادي الغربان
Short Storyرحلة في الصحراء، ستغير حياة وحيد الشاب المائل للعزلة، وسيخوض من خلالها أصعب مواقف حياته..