16 ~صديق ابن صديق والدك~

245 29 97
                                    

ليلةٌ غشَتْ فيها المطرُ الأرض، تُغطّي قطراتُها كُلَّ حدبٍ وصوبٍ مِنْ لندن.. تلكَ الليلة.. سماءُ وغيومُ انجلترا كانتْ تتوعّدُ غاضِبة، على عكسِ كُلِّ المرّات، فإنّها توعّدتْ شرّاً لا خيراً، ولا أحدَ يعلمُ سببَ غضبِ سماءٍ عُهِدتْ بالخيرِ على مدارِ القرنِ السّابِق..

إذاً فلِمَ؟!

رعدٌ وبرق.. ضبابٌ وعواصِفُ اقتلعتْ كُلَّ ما رأتهُ أمامها مُخلِّفةً دماراً كارثيّاً..

مَنْ أغضبكِ أيّتُها السّماء؟!

ما الذي حلَّ بكِ حتى تحكي قِصّةً ستبثُ الرُّعبَ في قلوبِ كائناتِ لندن لأعوام؟!

*سنتينِ مضتْ*

يتصاعد صدره ويهبط متلقياً أنفاسه كسيخٍ من النّار عبوراً إلى رئتيه، أنفاسٌ ثقيلةٌ وساخنةٌ، خانقةٌ لقلبه على الرّغم من العواصف المثلجة، والأمطار التي بللته حتّى أحشائه..

تتركّز هي بين ذراعيه بلا حولٍ ولا قوّةٍ، وما بإمكانها سوى النّظر إلى عينا ذلك الغريب الذي ظهر فجأةً، مذعوراً لأجلها يحاول إنعاشها بشتّى الطُّرق كما لو أنٌها قريبةٌ منه إلى درجةٍ لا يمكن تصوّرها.

يغطّي شعرها الطّويل المبتلّ جُلّ وجهها الذي اغترق بالدّماء عن آخره رفقة شعرها ويداه التي نالت نصيبها من الدّماء كذلك الأمر.

-قل.. ي.. لاً.. فحس.. ب..

شهق متأوّهاً يرتجف إثر البرد الذي خلخل عظامه، وجاعلاً من جلده أزرق اللون حتّى أصبح بالكاد يشعر بشيءٍ من أعصابه سوى الألم..

ثمّ أكمل صارخاً لصاحبة العينين البحريتين اللتان باتتا فاقدتين كليّاً من أيّ حياة:

-سأنقذك!!
اللعنة!!
سأفعلها!!

إنّه طبيبٌ.. صحيح؟!
يُستحال أن يجلس بشريٌّ عاديٌّ وسط عاصفةٍ شديدةِ القساوة مُرتجفاً، ومخاطراً بإصابته بحمّى قد لا ينجو منها، أو.. أو قد يموت هنا برداً معها في أيّ لحظة فقط لإنقاذ حياتها البائسة!

رفعت عينيها إلى أعلى تعلن لحظاتها الأخيرة، وانسحابها من ساحة معركةٍ سحقت فيها كلّ عظمةٍ فيها، ومصابةً بألف علّةٍ وداءٍ ليس لها دواء!

غاص قلبه في إلى رئتيه ما إن رآها تغمض عينيها تسلّم له أنفاسها كوصيةٍ أخيرةٍ ليس بمثلها مثيل..

كانت عيناها كسماءٍ مفتوحةٍ حتّى اللحظة تُغلق أمام عينيه معلنةً تصحُّر الأرض بما فيها..

لم يكن ليسمح بمشاهدة تلك البحار والسّمواتِ في عينيها بأن تغلق أمام ناظريه للأبد!

ألصق فمه بفمها ينفخ فيه كلّ ما أوتي من أنفاس.. مجرّد دفعاتٍ بسيطة من جرعة حياة كانت نفسيّاً قد تخلّت عنها لحظة ظهور ذلك الضوء السّاطع في عتمةٍ خلفها الضباب رفقة تدمّر محطاتِ الكهرباء وخروجها عن الخدمة..

ليسَ كما تعتَقِد ~ لي مينهوحيث تعيش القصص. اكتشف الآن