الساعة الثامنة صباحا.. ها قد وصلت إلى المستشفى للتو في نوبتي الصباحية.. أدخل غرفتي وأجد الفرّاش الآسيوي وقد جاء لي بكوب (النسكافيه) حال وصولي.. فهو يعرف مواعيد عملي جيد وقد تبرمج على تنفيذ طلباتي في مواعيدها المحددة قبل أن أطلبها.. هذا الفرّاش يذكرني بالخدم الشهير (آلفريد) الذي يخدم (بروس واين) ويعرف سره الخطير وهو أنه (باتمان) شخص واحد.. أبتسم لا شعوريا لهذه المقارنة.. ثم أمسك بالكوب وأتجه لأقف عند نافذة غرفتي وأنظر إلى حديقة المستشفى الجميلة التي تشعرك للحظة أنك لست في (الكويت).. أرتشف من كوب (النسكافيه) باستمتاع لا حدود له وكلي رضا عن الكون.
حقيقة أحب مستشفى الطب النفسي كثيرا.. إذ أشعر فيه أنني في فيلم أجنبي أنا بطلة الأوحد.. خاصة حين أنفعل أحيانا بسبب بعض حالات الطوارئ التي تتطلب الأستعجال.. فتجدونني أشعر بفخر صبياني غريب عندما أركض في ممرات المستشفى ومعطفي مفتوح للوصول إلى غرفة مريض سيطرت عليه نوبة عصبية مفاجئة.. أو لتهدئه مريض يحاول الانتحار.
إنني أنفصل في هذا المستشفى تماما عن عالم الواقع وأعيش فيه جو المغامرات اللذيذ رغم بعض القصص والتجارب الغريبة والمخيفة التي هددت حياتي نفسها أحيانا كما لم يعد يخفى عليكم.. لكن لا أنكر أيضا أنني استمتعت بقصة كل فتاة دخلت مكتبي وسمحت لي أن أبحر معها في عالمها الخاص لأغرق في مشاكلها وأسمع كلماتها وأرى نظرات القلق في عينيها.. لقد بدأت أرى أنه من الضرورة أيضا أن أسرد لكم مستقبلا مذكراتي مع المراهقين في (الكويت) كما ذكرت سابقاً.. فهناك من القصص ما قد يروق لكم.. ربما سافعل هذا في المستقبل القريب.
أضع الكوب على مكتبي بعد آخر رشفة.. ثم أمط جسدي قليلا إلى الأعلى محاولا خلق فراغات بين فقرات العمود الفقري لأخفف عنه عبء الجلوس المستمر أمام شاشة الكمبيوتر.. أفعل هذا وأنا ما زلت أنظر بشيء من الكسل اللذيذ عبر نافذة غرفتي وكأنني قط فرغ من طعامه للتو.. من النادر أن أنظر عبر نافذة غرفتي.. فهي مغلقة أغلب الأوقات ومغطاة بستائر داكنة وضعتها على نفقتي الخاصة.. لأنني أعشق الشعور بالعزلة.. وأكره الشمس كثيرا.. فالشمس تعني زحمة الحياة بالنسبة لي.. أما الليل فهو.....
- مرحبا دكتور!!!.
تشتت أفكاري وانتفض جسدي فجأة.. التفت لأرى فتاة مقبولة الملامح خمرية البشرة ترتدي بنطالاً أبيض مع قميص أحمر متعجد طويل نسبيا ارتدته بشيء من الإهمال.. وقد كان شعرها قصيراً إلى حد ما لكنه لم يكن مرتبا.. لاحظت ترددها الشديد وهي تقول بخجل:
- المعذرة.. لقد.. لقد طرقت الباب مرتين دون أن ترد رغم أنني كنت أسمعك بوضوح وأنت تدندن بأغنية قديمة!!!.. لذا قررت الدخول دون انتظار الإذن.نظرت إليها مشدوها.. يا لي من أحمق.. هذا ما كنت أفعلة بالفعل.. لقد اندمجت في عالمي الخاص ورحت أردد كلمات أغنية شهيرة حتى نسيت نفسي.. تنحنحت بحرج شديد.. وأشرت بيدي لتجلس.. فعلت هذا وأنا أتجه بدوري إلى كرسي مكتبي.. ثم سألتها متلعثما:
- ما الذي تلفعلينه هنا؟!.
أنت تقرأ
حالات نادرة
Mystery / Thrillerدعونا ندخل إلى عالم تلك الحكايات إنها حكايات من الأعماق، ليست من أعماق البحار ولا أعماق الكون بل هي أشد تعقيدا، إنها أعماق النفس البشرية. - أمورٌ مهمة: - كتابُ حالات نادرة، سلسلة تتحدث عن طبيب نفسي يسرد مذكراته التي يتحدث من خلالها عن أغرب الحالات ا...