الفترة الصباحية.. لا أحبها كثيرا.. ربما لأنني كائن ليلي أصلا.. وقد ذكرت هذا مرارا في الماضي.. لا يمكن لمن يعشق الهدوء والعزالة ان يحب أشعة الشمس وازدحام المراجعين.. لكنه العمل في النهاية.. وعلي أن أحترم مواعيده وأكون شديد التركيز أثناء تأديته.. فكل مهنة في العالم لها مجال للتقاعس.. إلا مهنة الطب.. وهذا ما يجعلني أغلق ستائر غرفتي السميكة بشكل دائم منعا لدخول أشعة الشمس.. أريد أن أعيش أجواء الليل حتى في النهار!!.. إنني أفعل هذا في شقتي أيضا.
وربما تحدثت سابقا عن ذلك التحفز الغريب الذي أشعر به كطبيب نفسي منتظرا المريض التالي أو.. الحالة التالية.. فهناك لذة فطرية يحملها كل إنسان لمعرفة أسرار وخبايا الناس.. لذا كنت في حالة تحفيز حين سمعت طرقات خفيفة على الباب.. لتدخل منه فتاة في أوائل العشرينيات من العمر كما بدت للوهلة الأولى.. كانت بيضاء البشرة دقيقة الملامح.. ترتدي فستانا قصير الأكمام.. وشعرها كستنائي اللون طويل نسبيا.. وقد بدت حزينة منكسرة.. هل خرجت من تجربة فاشلة وأصيبت بالاكتئاب؟!.. تمر علي قصص كثيرة كهذه لكني لا أسردها لكم.. لأنها ليست
(حالات نادرة).. بل قصص عادية لن تثير اهتمام أحد.جلستْ على الكرسي المقابل لمكتبي وهي تلقي التحية وتعرفني باسمها بصوت منخفض تكاد لا تسمعه.. ثم راحت تتأمل أناقة وترتيب المكتب وكأنها تريد إفراغ توترها.. مما أشعرني بشيء من الفخر كون ذوقي أعجبها كما يبدو.
سألتها بهدوء عن سبب زيارتها.. لتردد الأسطوانة التي أسمعها عدة مرات كل يوم تقريبا:
- كنت أشعر بالخجل من زيارتي لمستشفى الطب النفسي.. لكني لم أعد أحتمل.. إن حالتي النفسية تسوء يوما بعد يوم منذ اكتشافي تلك الحقيقة المفزعة.. أعتقد أنني مصابة بالاكتئاب.. لم يعد عسيرا على المرء إدراك ذلك في هذا الزمن.حسنا.. بإمكاني التأكد من إصابتها بأعراض الاكتئاب ومنحها الدواء الذي أراه مناسبا.. ثم أنهي زيارتها.. لكني بصراحة أحب عملي.. وأحب الاستماع إلى مشاكل المرضى.. وكما أقول دائما فإن الفضفضة نصف العلاج.. فابتسمت وأنا أسال الفتاة:
- هل لكِ أن تخبريني بالمشكلة قبل القفز لموضوع الاكتئاب؟!.. ما الذي حدث لكِ بالضبط؟!.نظرت إلى بانكسار.. ثم قالت بأسى:
- أخشى ألا تصدقني يا دكتور.سمعت هذه العبارة كثيرا أيضا.. وهذا ما جعلني أتحفز في مكاني بطريقة تمثيلية كوني أحمل ذلك الشعور الدائم أنني بطل في فيلم.. وقلت عبارتي الخالدة:
- دعي مسألة التصديق من عدمها لي.قالت بانكسار:
- زوجي يا دكتور.. القصة كلها بدأت باختفاء زوجي!!.سألتها بشيء من الاستغراب:
- لنبدأ باسمك أولا.. ثم.. كيف اختفى زوجك؟!.. هل هجرك مثلا.
أنت تقرأ
حالات نادرة
Misterio / Suspensoدعونا ندخل إلى عالم تلك الحكايات إنها حكايات من الأعماق، ليست من أعماق البحار ولا أعماق الكون بل هي أشد تعقيدا، إنها أعماق النفس البشرية. - أمورٌ مهمة: - كتابُ حالات نادرة، سلسلة تتحدث عن طبيب نفسي يسرد مذكراته التي يتحدث من خلالها عن أغرب الحالات ا...