خوف.. لا يتوقف، تحكيها: رهف

379 6 4
                                    

لقد مررت بالكثير.. والكثير جدا من الحالات النادرة والقصص الغريبة خلال مسيرتي المهنية في مستشفى الطب النفسي.. حتى بت أعتقد أحيانا أنه من النادر أن يثير اي شيء استغرابي.. ورغم ذلك اكتشف دوما أنني مخطئ.. فما زالت بعض القصص تفاجئني بالفعل.. وما زلت أيضا أشعر بالضيق حين أرى ملامح الخوف والتوتر على وجوه المرضى.. فلا أعرف متى سأصاب بـ(المناعة النفسية) الشبية بتلك التي يشعر بها الطبيب الباطني الذي اعتاد رؤية دماء وجروح مرضاه.

هذا ما خطر ببالي أثناء جلوسي في مكتبي فترة العصر في ذلك اليوم.. بعد أن بدأ المستشفى يخلو من حالة الزحام التي يشهدها كل صباح.. حين سمعت فجأة طرقات متوترة على الباب جعلتني أعتدل في مكاني وقبل أن أسمح للزائر بالدخول.. فُتح الباب لأجد أمامي فتاة ترتجف بطريقة غريبة وكأنها تكاد تموت من البرد!!.. لكن ملامحها والعرق المحتشد على جبينها يؤكد أن لا علاقة للبرد بالموضوع.. إنها خائفة.. بل تشعر بالهلع من أمر ما.

طلبت منها بشيء من التعاطف أن تجلس.. فجلست بسرعة وهي تقول بأسنان تصطك ذعرا:
- دكتور.. انقذني أرجوك.. هل ترى كيف أبدو الآن؟!.. تخيل أن هذا حالي منذ أكثر من يومين.. لم أكن أعرف لمن ألجأ.. فنصحني شقيقي باللجوء إلى مستشفى الطب النفسي.. لم أنتظر لحظة واحد بعد ذلك.. إذ طلبت منه أن يأخذني إلى هنا بسرعة.. إنه ينتظر في الخارج كوني أشعر براحة أكبر حين أتحدث مع أي طبيب لوحدي.. حتى الطبيب النفسي.

لم أقل شيئا.. بل طلبت منها أن تهدأ قليلا.. ورحت أتأملها.. إنها في منتصف العشرينيات من العمر.. حنطاوية البشرة.. ممتلئة الجسد قليلا.. ترتدي العباءة الخليجية على كتفيها.. وقد ربطت شعرها إلى الخلف وثبتته بمشبك بطريقة مستعجلة كما بدا لي.. مما يوحي أنها جاءت إلى هنا مسرعة بالفعل.. ولم يفتني أن ألحظ جمالها رغم إهمالها الشديد لمظهرها.. ثم:
- هل لكِ أن تخبريني بالمشكلة؟!.

قلتها وأنا أنهض لأفتح باب ثلاجتي.. آتي لها بزجاجة ماء.. فأخذتها وفتحتها على عجالة.. ورشفت منها قليلا.. لتضعها على المنضدة الصغيرة أمامها.. في حين أشرت لها أن تتحدث.. لتقول:
- أنا خائفة جدا.. كيف اتخلص من الخوف الذي يلازمني كل لحظة يا دكتور؟!.

أجبتها متنهدا:
- يجب أنا أفهم المشكلة أولا.. ما سبب خوفك بالضبط؟!.

ردت بانفاس متلاحقة:
- الامر معقد.. ويحتاج شرحا طويلا.

كنت صبورا وأنا أنظر إلى عينيها الجميلتين وأقول بهدوء:
- لماذا لا تخبريني بالقصة من البداية؟!.

تنهدت طويلا وهي تغمض عينيها محاولة السيطرة على أعصابها.. لكن يبدو أن كل هذا لم يكن كافيا لتهدأ.. إذ قالت بذات الصوت والجسد المرتجف:
- حسنا.. إنني فتاة من فئة غير محددي الجنسية.

حالات نادرةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن