تزامن، تحكيها: هنادي

422 4 0
                                    

أخشى أحيانا أن تسبب لكم بدايات قصصي ببعض الملل.. فهي دائما تبدأ من مكتبي في مستشفى الطب النفسي.. وخلال ساعات عملي.. لكني أرهن على أحداث القصص نفسها بما فيها من غرابة.. والتي أسمعها بين حين وآخر على لسان من يزورني.. سواء كان مريضا.. أو من يرغب أن بالفضفضة على الأقل.. لتتكون من تلك القصص مذاكرتي التي حملَت ذلك الأسم الشهير (حالات نادرة).

آملا أن تكون تلك القصص -أو الحالات- مسلية.. هكذا هي القصص الغريبة دوما.. مسلية لمن يقرؤها.. مؤلمة لمن يعيشها.. تماما كمن يستمتع بقصة
(روميو وجولييت).. فلا يمكن القول أنهما استمتعا بقصة حبهما التي انتهت بانتحارهما!!.. عموما.. إنني أعيش حياة غربية متناقضة.. حتى بت أصدق كل شيء سوى ما تراه عيني.. كلامي متناقض!!.. بالضبط.. هذا ما اقصده.

بعيدا عن كل هذا.. كانت أجلس -كالعادة- في غرفتي في المستشفى وفي نوبتي المسائية.. مرتديا رداء الأطباء.. ألتقط نفسا عميقا وأنا أشاهد من خلال شاشة هاتفي لقطات لرجال أعمال بدؤوا من الصفر ويتحدثون عن تجاربهم الشخصية كنوع من التحفيز.. إلى أن سمعت طرقات على الباب.. وقبل أن أستوعب الأمر.. فتح الباب بخجل.. لأضع هاتفي جانبا بسرعة.. وأنظر إلى الزائر.. إنها فتاة سمراء البشرة إلى حد ما.. دقيقة الملامح.. طويلة القامة.. أطول مني إلى درجة ستشعرني بالحرج لو وقفت مقابلا لها.. وقد كانت ترتدي لباس رياضيا ضايقا.. كما ربطت شعرها بطريقة ذيل الحصان.. أعتقد أنها في أوائل العشرينيات من العمر.

نظرت إليها مرحبا.. وطلبت منها الجلوس وقد لاحظت أن نظراتها خاوية.. وكأنه مرت بمصيبة ما لكنها تجاوزتها منذ فترة قصيرة.. إنه الاكتئاب على الأرجح.. أشهر مرض نفسي في التاريخ!!.. ولا أبلغ لو قلت أنني أعالج العشرات من حالات الاكتئاب يوميا.

رحبت بها وسألتها عن سبب زيارتها.. لتقول بحزن:
- لقد ذهبت منذ بضعة أيام للمبيت عند شقيقتي المتزوجة فربما تتحسن حالتي النفسية.. لكن لا فائدة للأسف.. هذا ما جعلني أخبر شقيقتي أنني سأخرج وأتجول بسيارتي قليلا رغم اعتراضها بسبب الوقت المتأخر.. وكلامها بأنني لم أكن لأجرؤ على ذلك لو كنت في بيت والدي.. لكني رجوتها ألا تخبر أحدا.. وأنني بحاجة فعلية للخروج وإلا سأختنق.. ثم.. لا أعرف كيف انتهى بي المطاف إلى هنا!!.. لقد وجدت نفسي قريبة من مستشفى الطب النفسي.. فشعرت أن القدر قادني إليك.. لعلك تساعدني على تجاوز تلك الأزمة.

نظرت إلى الساعة المعلقة في غرفتي فوجدتها تقترب من منتصف الليل.. ثم سألتها بهدوء:
- لا عليك.. ما هي المشكلة بالضبط؟!.

أخرجت تنهيدة عميقة.. لتقول:
- لقد مر حوالي شهرين يا دكتور.. وما زلت عاجزة عن تجاوز ما حدث.. إنني منكسرة.. حزينة.. أشعر بالظلام إن صح التعبير.. وكأن هناك كيانا أسودَ يجثم على روحي.. حتى التنفس أصبح مهمة عسيرة بالنسبة لي.

حالات نادرةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن