كوابيس تتجسد، يحكيها: أنور

122 3 0
                                    

فترة العصر.. في بداية نوبتي المسائية، وقد بدأت الحركة في المستشفى تخفُّ شيئا فشيئا.. أعرف أنني ممِلٌّ في نظري الكثيرين.. حتى بتُّ أقرأ سخريَّةَ البعض في وسائل التواصل الاجتماعي.. إذ يتهمونَني بالتكرار وأن لا جديدَ على الإطلاق في أيامي المملةِ بالنسبة لهم!!.. المعذرة لكن هكذا أنا.. وهذه حياتي التي أحبُّها ولا أرغبُ بتغييرها.

كنت ليلتَها أفكّر بالضغوط التي يمارسُها أشقائي علي.. والتي زادت في الآونة الأخيرة لكي أعثر على شريكة حياتي.. وأفكر أيضا بكل الفرص التي أُتيحت لي في الماضي ورفضتُها.. وقد بدأت الحقيقة المخيفة تتجسَّد أمامي.. وهي صعوبة الارتباط بفتاة في العشرينيات من العمر.. إذ سأكون بعمر والدها تقريبا.. ثم أحاول طمأنة نفسي بفكرة الارتباط بفتاة في منتصف الثلاثينيات.. خاصة وأنني أعتبر تلك الفتاة من العمر مرحلة النضج الحقيقية.. لكن.. حتى لو حالفَني الحظُّ وعثرت على فتاة في هذه السن.. سأفوقها عُمرًا بعقد من الزمان على الأقل.. وربما ستتردَّد وتفكر كثيرا قبل الارتباط بي.

غريب هذا التناقض الذي أعيشه.. فأنا لا أخشى على نفسي من الوحدة التي أخترتُها بقناعة تامة.. ولا أخشى حتى عدمَ إنجاب أطفال يحملون اسمي كما يقال دوما.. لكن -وفي الوقت نفس- أشعر بالقلق من قطار الزواج الذي بات يبتعد يوما بعد يوم.. ثم.. الأغنية تتوقف فجأة بسبب ذلك الاتصال الهاتفي الذي أوقفَ تدفُّق أفكاري أيضا.. إنه رقم صيدلانية المستشفى المتواجدة حاليًّا على بُعدِ أمتار قليلة من مكتبي.. فاعتدلتُ في جلستي وخلعتُ نظاراتي وأنا أمسح عينيَّ من دمعة قادمة.. إذ كنت على وشك البكاء.. ثم أجبتُ على الاتصال.. و:
- كيف حالك يا دكتور؟!.. هل تذكر مضادَّ الاكتئاب الذي وصفته لصديقتي منذ بعضى شهور؟!.. إنها تشكرك عليه، وتؤكّد لك أن حياتها باتت أفضل.. لكنها تشعر بالخمول الشديد.. فماذا تفعل؟!.

ضايقني اتصالُها في واقع الأمر.. فقد أصبحت الاتصالات الهاتفية اقتحامًا لخصوصياتنا في زماننا الحالي.. أفضّل دوما الرسائل النصية حيث نستطيعُ الرد عليها متى شئنا.. المهم أنني أخبرتها أن ترسل تحياتي إلى صديقتها أوَّلًا.. وأنني طلبتُ من صديقتها هذه أن تزورَني بعد مرور شهر على استخدام الدواء.. لكنَّها لم تفعل.. أما بخصوص شعورها بالخمول فعليها أن تُجري فحص دم حتى نتأكد من جودة وظائفها الحيويَّة ومعدل فيتامين (د) في جسدها.. فقد يكون هو السبب.. و.. صوت رجولي يتنحنح ثم يقول بكلمات سريعة:
- مساء الخير.

التفتُّ ناحية الباب لأرى رجلًا بدا للوهلة الأولى وكأنه في مثل سِنّي تقريبا.. أو ربما أكبر قليلا.. لكنه أطول قامة.. وكان حليق الوجه، يرتدي الزي الوطني من دون الغُترة والعقال.. وقد ملأ الشيبُ شعره كما هو الحال معي أيضا.. فهذا اللون الرمادي يزحف ليملأ رؤوسنا تدريجيًّا.. ونحن لا ننتبه إلى ذلك إلا لو رأينا صورًا قديمةً لأنفسنا.. حينها سندرك إلى أي مدى تغيَّرنا وكبرْنا.

حالات نادرةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن