أقف أمام نافذة غرفتي في المستشفى.. أنظرُ إلى ساعة بيدي وأجدها تجاوزت العاشرة مساء بقليل.. ثم أنظرُ إلى الأجواء في الخارج بشرود وبشيء من الضيق بسبب موجة الغبار التي غطت كل شيء.. فأصبحت الرؤية صعبةً قليلا أسوأ الأجواء بالنسبة لكل إنسان يعيش في بيئتنا الخليجية.. حيث تشعر أن الأتربة تكاد تدخل فمك وأنفَك.. لا أعرف لماذا تكذب تنبُّؤات المطر في حين تصدق تنبُّؤاتُ الغبار دوما.. أبتسم لا شعوريًّا تجاه خواطري هذه.. ثم أستدير بيأس إلى أحد أدراج مكتبي كي أُخرِج منه ملطّف جو.. علَّه يُضفي شيئا من الأنتعاش في المكتب ويُنسيني أجواء الخارج.
لكني لم أجد الوقتَ لأفعل ذلك بسبب تلك السيدة التي رأيتها واقفةً تتنحنحُ عند عتبه باب الغرفة.. إنها في منتصف الأربعينيات كما تبدو.. أي في مثل سِني تقريبا.. كان يبدو عليها الارتباك الشديد وهي تحمل نظراتِ الألم والضياع والتوتر معا.. فبدت لي وكأنها ستنفجر من تلقاء نفسها في أيَّة لحظة.. تماما مثل مادة (أزيِد الرصاص) التي قرأتُ عنها ذات يوم.. وربَّما لو رأى أحدهم تلك السيدة لظن للوهلة الأولى أنها مصابها بـ(متلازمة توريت) بسبب ملامحِها التي تبدو وكأنها فقدَت السيطرةَ عليها.. لكن بالطبع لا.. فالمصاب بتلك المتلازمة سيكون أسوأ حالًا.
ابتسمت لأُشعِرَها بالأمان.. وطلبت منها الدخولَ والجلوسَ كي تلتقطَ أنفاسَها.. ثم نهضتُ لأُخرِجَ زجاجة ماء من ثلاجتي الصغيرة كما أفعل عادةً تجاه من أشعر أنهم بحاجة إلى التهدئة.. وقدَّمتُها لها بتعاطف.. فأمسكَتْ بالزجاجة بلهفة وهي تُتمتمُ بكلمات الشكر.. لتضعها على جبهتها وعلى وجهها للحصول على بعض الانتعاش رغم التكييفِ البارد في المستشفى.. أما أنا فظللتُ أنظر ٱليها محاولًا فهم أعماقِها.
أنت تقرأ
حالات نادرة
Misterio / Suspensoدعونا ندخل إلى عالم تلك الحكايات إنها حكايات من الأعماق، ليست من أعماق البحار ولا أعماق الكون بل هي أشد تعقيدا، إنها أعماق النفس البشرية. - أمورٌ مهمة: - كتابُ حالات نادرة، سلسلة تتحدث عن طبيب نفسي يسرد مذكراته التي يتحدث من خلالها عن أغرب الحالات ا...