جريمة غير منطقية، تحكيها: دلال

202 4 0
                                    

هذه القصة تحديدا بدأت بطريقة مختلفة عن باقي القصص التي سردتها لكم سابقا.. إذ كانت بدايتها باتصال هاتفي.. فتاة اتصلت بالمستشفى وطلبت تحديد موعد في ساعة متأخرة مع الطبيب النفسي المناوب!!.. لم يكن المقصود أنا  على وجه الخصوص.. بل أي طبيب نفسي يكون موجودا حينها.. علما بأنها المرة الأولى على حد علمي التي يطلب فيها أحدهم تحديد موعد في مثل هذا الوقت.. وقد أوضح لها موظف البدالة أن المستشفى هادئ جدا في الأوقات المسائية ولن تحتاج لتحديد موعد.. كل ما عليها هو المجيء فحسب.. لكنها أصرت على طلبها وأخبرته بضرورة إبلاغ الطبيب المناوب بحضورها في الحادية عشرة مساء.

لذا فأنا أجزم أنها كانت المرة الأولى التي جلست فيها في مكتبي والساعة تقترب من الحادية عشرة مساء مترقبا تلك الزائرة الغامضة ومتمنيا أن تصدق بكلامها بعد أن أثارت فضولي كثيرا باتصالها.. شاعرا أنني بحاجة لبعض الوقت حتى أصفي ذهني قبل الزيارة المنتظرة.. لأكتشف فجأة أنه لا يوجد هناك ما أصفيه أصلا!!!.. إنها لحظات الانتظار فقط التي تجعلك متوترا دون سبب.

ذابت تلك الخواطر من رأسي حين سمعت طرقات رقيقة على باب مكتبي.. نظرت إلى الساعة ووجدتها تتجاوز الحادية عشرة مساء بدقيقتين ربما.. إنها الفتاة المرتقبة دون شك.. تنحنحت وأنا أسمح للطارق بالدخول.. قبل أن يفتح الباب بهدوء شديد.. لتدخل أغرب فتاة رأيتها في حياتي!!!.. لماذا أصفها بالغربة؟!.. لأن وجهها يحمل ابتسامة صافية وضّاءة توحي بثقة شديدة في النفس.. وكأنها في رضا تام عن العالم ولا تعاني أي مشاكل.

كانت بيضاء البشر.. متأنقة للغاية.. قوامها ممشوق وكأنها تمارس رياضة ما بانتظام شديد لتبقي جسدها بهذه الصورة المتناسقة.. شعرها قصير نسبيا مرتبا جدا وكأنها خرجت من الحمام للتو.. فتاة بهذا الوجه البشوش والابتسامة العريضة لا يمكن أن تحتاج إلى طبيب  نفسي في هذا الوقت المتأخر.. بل ولن تحتاج إلى طبيب نفسي في أي وقت أصلا.. فما الذي تفعله هنا في مكتبي؟!!.. خاصة مع ذلك الفستان الأخضر الطويل المخصّر الذي ترتديه فبدت لوهلة وكأنها من أميرات القرون الوسطى.. هل كانت جميلة؟!.. بكل تأكيد.. لم تكن أجمل من رأيت.. لكنها صافية البشرة دقيقة الملامح وتلفت انتباه أي شاب.

استقبلتها بترحاب شديد كعادتي وأنا أدعوها للدخول والجلوس على الكرسي المقابل لمكتبي.. ثم سألتها إن كانت ترغب بشرب شيء.. فلم تغب الابتسامة عن وجهها وهي تخبرني أنها تريد فقط لقائي والتحدث معي.. لا ليس معي شخصيا كما علمنا.. بل مع أي طبيب نفسي.. لكنها أرادت أن يكون الطبيب متفرغا تماما للاستماع إليها.. هذا هو سر إصرارها على تحديد موعد في ساعة متأخر كما تقول.. تريد أن تشعر أنها وحيدة مع طبيبها في هذا العالم.. أفهم هذا الشعور جيدا على كل حال.

جلست أنتظر منها أن تبدأ الحديث.. لكنها لم تقل شيئا.. بل أخرجت هاتفها النقال وعبثت بشاشته قليلا قبل أن تنبعث منه موسيقى هادئة جدا كاد قلبي أن يذوب معها.. هذه الفتاة تتصرف وكأنني أنا المريض النفسي وهي طبيبتي!!!.. وضعَت بعدها ساقا فوق ساق.. ثم قالت دون أن تختفي الابتسامة من على وجهها:
- من المؤكد أنك تتسأءل في قرارة نفسك عن سبب زيارة فتاة لمستشفى الطب النفسي في مثل هذه الساعة رغم ابتسامتها التي توحي بالسعادة وتأنقها الذي يخبرك أنها تملك ثقة هائلة بنفسها.. إن ما تراه يا دكتور ليس مظهرا كاذبا.. فأنا سعيدة جدا بالفعل.. ولا يوجد ما ينغص على حياتي أبدا.. بل إنني أعيش حاليا أجمل سنوات عمري.. ففي هذه السنة قررت استكمال دراستي ورحت أنهل من الكتب بلا حدود.. وانزلت وزني كثيرا من خلال الأكل الصحي وممارسة الرياضة المستمرة.. أنت تعلم بكل تأكيد أن الرياضة تفرز عندك هرمون (الإندورفين) (Endorphin).. وهذا الهرمون يزيد من الشعور بالسعادة عند الأنسان.

حالات نادرةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن