ألعَقَـدُ ألدَاَمِـسْ | 17

1K 123 121
                                    

قد يعدُّ الشتاء من بين الفصول الأكثر برودةً وقسوةً، لكنه يحمل في طياته بذور الحياة. بينما يكتسح البرد الأرجاء وتجمد الأطراف، يظل دفء روحنا متأججاً في أعماقنا. حينما نغفو بجوار المدفئة، تتعالى أصوات المطر والرياح كأنها لحن قديم، نستشعر أريج الطفولة يملأ الأجواء، ونشعر بشغف متجدد لتذوق حساء الأمهات التي تحمل في نكهتها دفء الذكريات.
نبدل مسارنا لنقفز فوق بركة المياه المتكونة بعد انقضاء المطر، نشم رائحة التراب الذي أسقته السماء، نتشوق بشغف لاخراج ملابس الشتاء الثقيلة، بعد أن غابت عن أذهاننا تفاصيل ألوانها وأشكالها.
نصنع الرجل الثلجي حتى تتجمد أناملنا، ثم نتزلج على الجليد بفرحٍ لا يُضاهى.

إنه تجسيد لتقاليد العائلة في كل منزل مليء بالسعادة خلال فصل الشتاء، تلك اللحظات التي عشتها ذات يوم بمفردي، بعيداً عن دفء العائلة.

أعتذر لشتاء هذا العام، لأني لم أستطع التواجد فيه، إذ لا زلت عالقة في ذلك اليوم.
.
.
.

نزع السيد جيمس نظاراته، عازمًا على استراحة تعيد إليه بعضًا من طاقته. فقد استنفد العمل جهوده نهارًا وليلاً، وندَّ النوم عن أجفانه، ليبقى العمل هو الرفيق الوحيد الذي يخفف وطأة الأفكار القاسية التي تهاجم ذهنه.

فارق مقعده وخرج من مكتبه بخطوات متثاقلة. لم يعد يملك من القوة ما يكفي لتحريك جسده بكل انسيابية، وزاد الشيب في شعره حتى طغى البياض على سواده.

دخل الصالة ليكتشف أن سيمون يجلس بهدوء أمام المدفئة، غارقًا في صفحات كتابه، بينما كانت سيما تتربع على الأريكة، تنقلب بين محتويات هاتفها، وبيدها كوب من القهوة.

التلفاز مطفأ، والمكان يسوده الهدوء إلى حد بعيد، فلا يُسمع سوى صوت المطر، مع فرقعة الحطب المتلظي في المدفئة.

-أين هي صوفيا؟

عدلت سيما طريقة جلوسها، بينما رفع سيمون ببطء رأسه عن صفحات الكتاب. تبادل التوأم النظرات في صمت عميق لعدة دقائق بينما كان والدهم ينتظر.

من خلال نظراتهم المليئة بالأسى، أدرك جيمس أين تتواجد زوجته. وضع سيمون الكتاب جانباً، ثم رفع رأسهه نحو والده وبدأ يتحدث بنبرة هادئة

-أمي في غرفة أختي.

رفع حاجبيه، فتجسدت على جبينه تجاعيد الزمن، ثم أطلق تنهدة تعبر عن عجزه.

-فهمت.

تركهما متجهًا نحو الدرج، وارتقى درجاته حتى بلغ نهايته في الطابق الثاني، ثم دخل إلى الرواق الذي يحتضن غرفة كيارا.

توقف عن السير في منتصف الرواق، وألقى نظرة على الغرفة.
لم تكن تلك الغرفة خالية، بل كان ضوءها المشتعل يتسلل من أسفل فتحة الباب ويضيء عتبته من الخارج، وهنا أدرك أنها قد انزوت مرة أخرى في أحضان ذكريات ابنتها.

ألعقد ألدامسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن