بينما كانت تجلس في غرفتها المعتمة، مستسلمة لصمت بارد يشبه هوةً لا نهاية لها، شعرت بفراغ عميق يأكل روحها. مر أسبوع منذ رحيل زوجها، أسبوعٌ أمضته في عزلة، محاطة بالذكريات التي تلدغ قلبها، وتترك فيه جراحًا خفية. كانت تستمع لأغنية مألوفة، لكن مع كل كلمة تتحدث عن الخداع وألم الفراق، كانت جروحها تنزف من جديد، لتجد دموعها تنساب بصمت على وجنتيها، كأنها لغة صامتة تقول أكثر مما تستطيع التعبير عنه.
فجأة، انفتح باب الغرفة، وظهر والدها، حازمًا وصلبًا، كأنما جدران حزنها لا تعني له شيئًا. جلس بجانبها وقال بلهجة صارمة: "ستعودين إلى حياتك، وأريدك أن تدركي أن هذا العالم لا يتوقف عند شخص اختار أن يرحل." صوته كان يحمل ثقل الواقع الذي كانت تحاول الهروب منه، ليكمل: "غيري ملابسك؛ سنذهب إلى حفل الليلة، ووالدتك ستكون هناك. وهذا ليس طلبًا، إنه أمر."
غادر، وتركها في دهشتها وغصتها. لم تكن تملك الطاقة لتعترض، فوالدها كان دائمًا من النوع الذي لا تُرد أوامره. وقفت بصعوبة، وكأن جسدها المثقل بذكريات الألم يرفض الاستجابة، وتمتمت بكلمات بين غضب واستسلام وهي تتوجه إلى الحمام.
خطواتها البطيئة حملتها إلى باب الحمام، فتحته ودخلت بوجه شاحب، وانحنت تحت المرشّ، تاركة الماء البارد يتدفق على جسدها ببطء، آملة أن يغسل شيئًا من آلامها. أغمضت عينيها، وعادت بها ذاكرتها إلى لحظاتٍ جمعتهما، ورفرف طيفه بين أفكارها، لكنها أجبرت نفسها على ترديد الحقيقة بصوت خافت: "لماذا الحزن؟ كان كل شيء مجرد صفقة، لا أكثر. عالم أسود لا يستحق أن أدفن قلبي فيه." لكنها، رغم كلماتها، لم تستطع الهروب من شعور لم تتقنه إلا معه.
في مكان آخر، كان فيكتور يجلس بجوار سيلين، ونظراته تحمل تحديًا ممزوجًا بالأمل. قالت سيلين بنبرة قلقة: "هل أنت متأكد مما تفعله؟ ألا ترى ما تعانيه؟"
أجابها فيكتور بثبات: "نعم، سيلين، أحاول إحياء ما تبقى منها. زهرتنا الجميلة ذبلت، لكننا هنا الآن، وسنحييها كما عهدناها، لأنها تستحق الحياة."
نظرت إليه طويلاً، كأنها تراه لأول مرة، ولمحت شيئًا من التغير الذي لم تعتد عليه من قبل، وربما من ماضيها الذي كان يحمل مرارة البعد، همست: "لطالما تمنت أن ترانا معًا، لكن الظروف تغيرت الآن."