مهمة في العتمة

7 1 1
                                    

وسط الظلام الدامس، كان القصر يعلو فوق الأرض كظل مهيب، جدرانه سوداء كالفحم، تلتف حوله أشجار كثيفة تحجب نور القمر، فيما تبدو نوافذه كعيون ميتة تراقب كل من يقترب. كل ركن فيه يصرخ بالعزلة والرعب، سقفه المرتفع يعانق السحب الثقيلة، وكأن القصر نفسه يسكنه شيء أكثر وحشية من أي مخلوق حي.
في قلب هذا الظلام، كان ليونارد يقف بثبات أمام والده، عيناه تشعان بلون أحمر ناري، أشبه بجمرات توشك على الانفجار. وقف نصفه الخلفي ثابتاً، ويداه مشبوكتان خلف ظهره بتأنٍ. ملابسه السوداء كانت طويلة تمتد من خلفه كعباءة، وكأن الظلام نفسه نسجها لتليق به.

على العرش أمامه، جلس والده، ملامحه قاسية ونظراته لا تعرف الرحمة. ببرود وبصوت منخفض، قال:
"يجب أن تذهب لقتلها، العقد الذي تحمله هو ما نحتاجه. موتها سيسمح لنا بامتلاك قوتها. أنت تعلم ما يعنيه هذا للعائلة... ولعرشك المستقبلي."

تساءل ليونارد، بصوتٍ هادئ وبوجهٍ خالٍ من المشاعر:
"ما القوة التي تتميز بها ؟"
أجابه والده، وهو يراقب ابنه بعناية:
"إنها صادقة، ولا تعرف الكذب. طيبتها هي سر قوتها. والعقد الذي تملكه يزيد من قوة صدقها وطيبتها، ونحن في حاجة ماسة لهذه القوة. بقتلها، سيتحقق الانتصار لعائلتنا."
تملك الشك ليونارد، وهو يفكر في المهمة التي أمامه. لم يقتل بشراً من قبل، وهذه ستكون المرة الأولى له. فكرة أنها فتاة كانت شيئاً غريباً يشعره بالتردد، وأحس بقلق غير مألوف. كيف يمكنه أن يقتل فتاة؟ كيف ستبدو تلك اللحظة؟ تردد في قلبه، لكنه سرعان ما طمس مشاعره، عازماً على تنفيذ ما أمره به والده.

كان ليونارد شخصية معقدة ويصعب التعامل معه ذكي وجذاب، لكن بجاذبيته كانت هناك جدران شيدها حول قلبه. كانت مصاصات الدماء يحمن حوله كالفراشات المغرمة بالنور، لكن ليونارد لم يكن يلتفت إليهن. كان يؤمن أن الحب مجرد كلام بلا معنى، واعتبره شيئاً يضعف الروح ويشوش العقل. بالنسبة له، العزلة كانت ملاذه الآمن، حيث يستطيع أن يتأمل ويفكر دون ضغوط العواطف.
تتميز حياته بقوانين صارمة وضعها لنفسه وكان عادلا جدا. لم يكن يتحدث كثيراً، وابتعد عن كل ما هو صاخب وفوضوي. كان يفضل السكون، حيث يتنفس بعمق ويتأمل في المجهول. كل مهمة تُعطى له كانت تُنفذ بإتقان، وكأنها جزء من واجبه المقدس. بفضل كفاءته، نال احترام أفراد عائلته، لكن في قلبه كانت هناك فراغات عميقة لم يستطع ملأها.
ومع اقتراب موعد تنفيذ مهمته، بدأ الشك يتسلل إلى عقله. كيف يمكن أن يُجرد حياة شخص ما خاصةً وأنها فتاة؟ كان يسعى لإثبات نفسه كملك لمصاصي الدماء، لكن ماذا لو كان هذا يعني القضاء على إنسانية ليس لها ذنب ولا دخل في شيئ
“عليّ أن أكون قويًا. هذا ما توقعه والدي، وهذا ما يجب أن أكون عليه.”
كان الصوت في داخله هادئاً، لكنه كان يحمل توتراً غير قابل للإنكار. قصر عائلته كان ينتظره، والأقدار كانت تخبئ له الكثير. ومع كل هذه المشاعر المتناقضة، كان عليه أن يواجه الفتاة التي تحمل عقداً قد يغير مصير عائلته.---
نظر ليونارد إلى والده، وعيناه تشعان بلون أحمر مُتعكر. كانت أفكاره تتصارع في داخله، كأنها معركة بين العقل والعاطفة. كيف يمكنه قتل فتاة لا يعرف عنها شيئاً؟ لكن هذا لم يكن وقت الضعف، كان عليه أن يتماسك.
سأل ليونارد بصوت هادئ، لكنه يحمل شعوراً بالتوتر:
"أين سأجدها؟ وما اسمها؟"
أجابه والده بثقة:
"لا تقلق. ستجد نفسك أمامها. إنها تعمل في محل زهور، مكان يحيط به الجمال، لكنه سيكون لك مكانًا مميتًا،وتدعى عبير"
تذكر والده أن يضيف، بنبرة جادة:
"تأكد من أن تخفي هيأتك. لا نعرف من ستلتقي هناك، ولا تترك أي أثر يدل عليك. وأحمي نفسك من أشعة الشمس. لا تعُد إلا والعقد معك."
كانت هذه التعليمات واضحة، لكن لم يكن هناك شيء واضح في قلب ليونارد. في تلك اللحظة، شعر بوزن العالم على كاهله. يجب أن يكون قوياً، يجب أن يكون ذكياً. لكن كيف سيشعر عندما يقف أمام عبير؟ كيف ستبدو عيناها، وابتسامتها، هل ستكون كزهور المحل التي تعمل فيه؟
بينما كان والده يتحدث، استمر ليونارد في الانغماس في أفكاره، يسأل نفسه إن كان بإمكانه فعلاً القيام بهذا العمل البشع. ومع اقتراب الوقت، بدأ صدى الكلمات يتردد في أذنه: "العقد، السلطة، مصير العائلة.''
فتح والد ليونارد له نافذة وسط القصر، حيث تسربت أشعة ضوء القمر الباهتة إلى الداخل. قبل أن يخرج، رمى عليه والده سحرًا يحميه من أشعة الشمس، كأنها درع سري يحفظه من خطر النور. وعندما امتصته النافذة، وجد نفسه بعد ثوانٍ قليلة واقفًا أمام محل زهور.
انبهر بجمال المكان الذي ملأته الزهور الملونة والألوان الزاهية مع الرائحة القوية للزهور التي ملأته ، اضافة الحيوية التي تعكس جمال الحياة. كانت الأزهار ترقص في نسيم الرياح، وكأنها ترحب به في عالم آخر. نظر إلى ملابسه، فوجدها عبارة عن بذلة رسمية سوداء زادت من وسامته، مما جعله يبدو كملكٍ غامض.
نضر  لمعصمه، حيث كان هناك وشم على شكل نصف قمر يضيء باللون الأحمر، معلنًا عن قوته التي لا تزال موجودة ويمكنه استخدامها رغم انه غادر بيئته، ألقى نظرة أخرى على المحل، وعيناه تبحثان عن عبير بين الألوان والزهور، كأن قلبه يدعوه للبحث عن تلك الفتاة التي ستغير مصيره.
بينما كانت عبير ترتب الزهور في المحل، كانت تنتقي كل زهرة بعناية فائقة، حيث تحرص على ترتيبها وفق تدرجات ألوانها، وكأنها تصمم لوحة فنية. تحب التدقيق في عملها، فالزهور هي ملاذها الوحيد، تنسيها قسوة الحياة. كل زهرة كانت ترمز بالنسبة لها للأمل والفرح، وتذكرها بأن الجمال ما زال موجودًا حتى وسط أصعب الظروف.عبير، فتاة في العشرينيات من عمرها، تعيش مع جدتها المريضة التي تمثل لها كل حياتها. منذ أن فقدت والديها، أصبحت هي المسؤولة الوحيدة عن رعايتها، فتقوم بإعطائها الدواء، وتحضير الطعام، وتنظيف المنزل. رغم صعوبة هذه الحياة، إلا أن عبير تظل محافظة على براءتها وصدقها، وابتسامتها لا تفارق وجهها. تعيش حياة مليئة بالتحديات، لكن قلبها مفعم بالخير وحب العطاء. تجد في عملها بالزهور ملاذًا، فبينما تنظم الزهور وتستنشق عبيرتها، تشعر بالسعادة الحقيقية. رائحة الزهور الزكية وألوانها الزاهية تبعث في نفسها الطمأنينة، وتجعلها تنسى همومها. تشعر بالسعادة حين ترى الأشخاص يشترون الزهور، فهي تؤمن أن كل من يشتري زهرة إنما يسعى لإسعاد شخص آخر، وهذا يجعلها تتعلق بعملها أكثر وتحب كل من يدخل المحل.

لكن رغم هذا الأمل الذي تزرعه الزهور في قلبها،  تحمل جرحًا قديمًا في قلبها، قصة حب مؤلمة مزالت تتذكر أثرها. لقد تركها الشاب الذي أحبته، وكسر قلبها، مما جعلها تفقد الثقة في الحب والناس. بعد تلك التجربة، قررت الابتعاد عن العلاقات العاطفية، وكرست نفسها لرعاية جدتها وعملها. لم تعد تثق بأي شخص آخر، لكنها ما زالت تؤمن أن الزهور تحمل رسائل حب وسعادة، حتى وإن لم تعد تثق به لنفسها.الزهور بالنسبة لها هي الرمز الوحيد الذي يجمع بين الجمال والأمل، ورغم قصتها المؤلمة، تظل محتفظة بتلك الابتسامة التي لا تعرف اليأس.

بين العتمة وزهور .حيث تعيش القصص. اكتشف الآن