لم تكن محض صدفة إرتطمت بكتف حظي وأنتهت دهشتها بتوالي الأيام ، كان استغلالاً مليئاً بالحب .. كان سبب موت قلبي .. كان سبب بقائي على قيد الحياة الى هذه اللحظة !
11 سبتمبر !
" ستمرّ لحظات تبتئِسون فيها ، ولكنها ستمر تذكرو ذلك .. ابنائي الاعزاء ".
رجلٌ بعمر الاربعين يوصي اولاده الثلاثة بسبابته وسط سوق ضخم يشتري لهم فيه سيوف المبارزة ..
جين ، باين ، وهانس ..
قال هانس ذو 21 عاماً لاخوته بتعالي " الفشل في المبارزة امر لايغتفر ابداً ، لقد نجحت منذ بداياتي و انا بطل يعرفني الجميع ".
تجاهلاه جين وباين اللذان كانا بعمر 16 و 17 يتحدثان " اليس ذلك السيف جيداً ؟".
" اه اظن ذلك ".
قاطعهم بكاء امرأة كبيرة في السن ترجو من نبيل ان يعطيها المال لتطعم ابنتاها ذوات الخمسة والسبعة اعوام الا انه كان متقززاً منها ويرفس يداها المتشبثة بقدماه !
بعد ان التف عنها كان والد جين وباين وهانس سيذهب اليها الا ان رجلاً فقيراً قد سبقه واعطاها الطعام الذي يملكه بموقف مؤثر للمارة وكان اكثر المتأثرين النبيل يورجن قولد والد جين وباين وهانس ، وبعد ذلك ترك الاخوان بصحبة اخيهما الاكبر واختفى في السوق ..
غابت الشمس وبدأ الجو يزداد برودة والاخوة ينتظرون والدهم حتى قال جين " الن نحضر لبيل هدية ؟".
رد باين سريعاً " ومالداعي لذلك ؟".
قال جين بحدة " انها اختنا وهي مريضة ".
قاطعمها هانس " اوي اوي نحن لسنا في المنزل ".
عاد والدهم وهو شارد الذهن ولم يتحدث طوال طريق عودتهم ..
بقي الاخوان يتدربان دائماً على فن المبارزة ، كانت اختهما بعمر الخامسة عشر ودائماً ماتكون على فراشها جراء مرضها المزمن نحيلةٌ جداً وعيناها باهتتان اسفلها ظلال طفيفة ذات شعر اسود طويل .
دخل الاخوة الثلاثة صباحاً الى غرفة اختهم وهم مليئون بالطاقة ، كانت تبتسم لهم دائماً لم يرو يوماً منها غضباً او حقداً او حتى تذمراً ..
قال هانس " بيل كيف حالك اليوم؟".
قال باين بسخرية مقلداً اخته " انا بخير فقط لا اتحرك من السرير ".
قال هانس غاضباً " اوي باين !!".
ضحكت بيل وقالت " لا بأس هو محق .. اين والدي ؟".
جلس باين على السرير وقال " انه يخرج منذ الصباح ولايعود الا منتصف الليل ".
قال جين ممتعظاً " انت تتحدث كثيراً بشكل مزعج ".
مد باين لسانه له واخذ سيفه واتجه خارج الغرفة ..
كانت حياتهم هكذا كل يوم تقريباً لايحدث شيء جديد .. لاتحدث امور مثيرة ! والشخص الذي كان متقززاً من هذا " باين " .
كان باين جالساً في الحديقة على طرف السور حتى لمح عربة قادمة للقصر وعلم مباشرة ان عمه قد اتى ، ذهب سريعاً ليخبر هانس وجين الذي قال " اتمنى ان السيدة ليڤيا قد انجبت ابناً".
كان عمهم كاين طويل القامة وعريض المنكبين ، حنون وصادق جداً كان يحب الجميع بشدة وامرأته ليڤيا ماتزال حامل في شهورها الاخيرة كانت تعاملهم كأبنائها تماماً .. كانو عائلةً سعيدة تنتظر مولودها الاول .
" اوي اوي هاهم ابناء اخي ، اين والدكم ؟ ".
اجابه هانس وخلفه جين وباين " ليس هنا منذ الصباح ".
" حسناً لأخبركم ، سنبقى هنا لشهرين حتى انهي عملي اي انكم ستشهدون ولادة ابني ".
سُعد ثلاثتهم بهذا وطلبو من الخدم ان يدخلو الحقائب ويجهزو الغرف ، قال باين " سأبحث عن ابي واخبره " .
رفض هانس قائلاً " بالطبع لا ، هو سيأتي لذا ابقى ".
تجاهله باين قائلاً " كما انني اريد الخروج قليلاً ".
خرج باين من الغرفة واخر ما سمعه ان عمه يريد رؤية بيل حتى زمجر باين " سخف " ..
وصل باين الى السوق وبدأ يبحث عن والده وهو يشعر انه مراقب وحين دخل احد الازقة في الشارع اختفى الضوء من عينيه وضغطت يد على فمه تمنعه من الصراخ وضُرب على رأسه ولم يعد يشعر بما حوله ..
" هل استيقظ؟؟ !! ".
" اه حقاً ؟ .. "
فتح باين عيناه على اصوات رجال خشنة ورائحةٍ مقززة ، بدأت عيناه تحوم المكان مظلم .. بارد .. نتن .. مزعج !
كان معلقاً بيداه للاعلى وبدأ يتحدث بنفسه " ماهذا المكان ؟ من هؤلاء ؟ ماذا افعل ؟ الرائحة نتنة حقاً !! ".
امسك شخص بردائه واقترب من وجهه " اتعلم ؟؟ ربما ستكون هذه اخر غرفةٍتراها في حياتك ، لن تنجو ولن يعلم احد بمكانك .. اهه تذكرت انا اتحدث هكذا لو كان لعائلتك فعلة لتبحث عنك!".
"هراء !!".
امسك الرجل بجعة خمر وكسرها على صدر باين الذي صرخ مباشرة من الالم ، تداخل الزجاج مع لحم جسده ودخل الخمر في دمائه.
" او تعتقد ان والدك سيبحث عنك ؟ لاتضحكني فلا فائدة منك .. هل سيحتاجك والدك وهو يملك هانس وجين؟".
قال باين بابتسامة متألمة " لقد اخبرني ان اسمي انقليزي وهو يعني الالم ، اي انني لن اسبب سوى الالم لذا حاول كما تحب".
مضت عدة ايام ، بدون طعام او شراب ، كان فقط يُضرب .. كانت اياماً من جحيم لا قعر لها !
تمنى ان تتغير حياته ولكنه قد ندم على تلك الامنية .. بالامكان رؤية حجم التناقض الذي يعيشه الان ، لم يحدث يوماً أن ملك رغباتٍ حقيقية أو آراء ثابتة ، هو متقلب وليس صادقاً .. يتمنى ان يعود لحياته ولكنه يريد ان يبيد كل شخص كان فيها !
بعد مرور خمسة ايام كان مرمياً على الارض بدون قيود بعد دفنه حياً لاثنا عشر ساعة ، لم يعد يقوى على الحراك او التفكير بالهرب لم يعد يقوى حتى ان يواجه اي شيء بعدما حدث.
دُوهِم المكان فجأة من رجال يرتدون الابيض قامو بقتل كل الموجودين في الغرفة وجاء احدهم تجاه باين ونظر بملامح باردة دون ادنى شفقة او مغفرة وامسك بيده وبدأ يجره للخارج ناحية العربة منذ ان لامس رأسه مقعد العربة اختفى كل شيء امامه لم يكن يعلم اهو اغماء او راحة او نوم اوحتى موت !
استيقظ باين ووجد نفسه ملقاً امام قصر عائلته وبجانبه جين يوقظه وهو "باين ، اجبني !! اخي ".
اتى على صوته والده وعمه وهانس كذلك وهم خائفون عليه قامو بحمله الى غرفته ووضعوه على سريره ..
" بني اخبرني من فعل بك هذا ؟".
ظل باين صامتاً متقززاً منهم يتمنى ان يحرقهم جميعاً دون رحمة منتظراً هذه اللحظة بفارغ الصبر !
لم يخبر باين احداً بما حدث وبقي منعزلاً عنهم ، يجلس في الغرفة وحده ويقتلع اعين الدمى الخاصة ببيل..
بعد مرور يومان ذهب باين الى غرفة بيل في الظهيرة وامسك بقطها الابيض وامامها ادخل المقص في عينيّ القط ، بعينان باردتان وابتسامة بليدة قال "لنقطع رأسه وندفنه !".
حتى صرخت بيل رعباً وخوفاً منه !!
كان اول الواصلين وراء صراخها عمه كاين الذي صدم بشدة وسحب المقص من يد باين ودفعه للخلف بقوة وصدم رأسه بالطاولة وبدأ ينزف ، قام كاين باحتضان بيل التي انهارت اعصابها.
نظر باين الى عمه كاين بدون ان يحرك ساكناً ، وبعد برهة من الزمن حين قدم الخدم واخواه اتجه الى غرفته وبدا يضحك على مافعل وقد بدات عيناه بالبكاء لكنه لم يعلم لم كان يبكي فقط كان سعيداً لانه جعل اخته بهذا الشكل ..
خرج باين من غرفته وكان الجميع متجمع في غرفة بيل وبدأ يسمع ؛
" انا لم اعد اعلم ماذا افعل له !!".
" اخي علينا اخذه الى مكان اخر بقاؤه هنا خطر !!".
تدخل جين في الحديث قائلاً " باين لن يخرج وهو ليس خطراً ، انه اخي !!".
" انظر لما فعله لبيل يا جين ، هذا امر شاذ بحق ".
" لكن .. لكن لن استطيع العيش بدون باين ابداً !".
صرخت بيل في جين " اخرج انت ايضاً من هنا ايها اللعين ، كلاكما يجب ان تموتا !!".
اتجه باين بعيداً عن الغرفة مزمجراً " ياله من ازعاج !".
خرج من القصر واتجه الى الاسطبل ووقف بجانب عربة عمه ، قام بكسر طرف العربة وهرب مباشرة ناحية القصر .
مر يومان هادئان بعد ماحدث ، نجى القط من الموت ولكنه بلا عينان وظل باين في غرفته فقط جالساً على سريره وكأنه ينتظر شيئاً وبجانبه جين الذي بدا خائفاً على باين ومايحدث معه بعد ان عاد ..
في منتصف الليل قال باين " الست خائفاً مني ؟''.
دخل العم كاين غرفتهما مقاطعاً وجلس امام باين مبتسماً كما كان سابقاً ، قال وهو يمسك بآحدى الدمى التي قطعها باين للتو " هل انا الشخص التالي؟ " ، ضحك واكمل :" بنيّ ، لا تتوقع مني أن أكون دوماً جيداً وطيباً ومُحباً هنالك أيام سأكون فيها قاسياً وغاضباً وانا اعلم انك كذلك واقدر الحالة التي تمر بها لاني اؤمن ان حتى بَياض الضوّء له ظلٌ أسود وسَواد اللّيل فيه قمرٌ أبَيض ، ونحن كذلك ، كيف حال رأسك ؟ انا اعتذر حقاً على ذلك".
زاد صمت باين ولكن لم تتحرك عيناه من النظر الى عمه " اهو يكذب ؟؟ بالطبع يكذب لايمكن ! كان يجب ان ينقذني هو كاذب لايعلم ، هو سيموت هو آثم ! انا سأقتلع راسه ..".
" باين .. الأخطاء التي ترتكبها في حق غيرك كتذكرة عبور إلى النُضج وسيلة أنانية ، الناس ليسوا محطة تجارب مجانيّة حبذا أن تكبر بدون جرّهم إلى فوضاك ".
هرعت الى الغرفة احدى الخادمات " سيدي كاين ، ان السيدة ليفيا .. يبدو انها ستلد الليلة!!".
فزع كاين من مكانه " ما.. كيف..قومو بتجهيز العربة !!".
ابتسم باين بخبث وراء جملة كاين الاخيرة ، شعر بالاثارة .. حانت اللحظة .. الجميع سيموت !!
التفت كاين الى باين وقال " بعد ان يأتي جيت الى الحياة اجبني ، الى اين تريد الوصول ؟ القمر ام السماء ؟ ".
مذكرة ؛
" إننا جميعاً مُهيئون أن نرتكب كارثة في أي لحظة ضعف،لكن طالما أن هناك شخص واحد من هذا العالم قادر على رؤية اللون الأبيض في نوايانا فإننا سنكون بخير ".
أنت تقرأ
تُرانسيّ.
Mystery / Thrillerكانت بريطانيا في حُقبة تطورهاا تعيش في جانب مرفّه وجانب يحمل السواد ، طبقات النُبلاء المقدسين والتجار الماكرين والفقراء المستضعفين وطبقة يعلم بأمرها الجميع ويتظاهرون بجهلهم لها - السوق السوداء - .. لدى تلك الحقبة شروط الوراثة فإن مات النبيل ولم يخل...