P37 : مرآة متكسرة

72 4 89
                                    

مساء ، صباح الخير 💛.
ما توقعت البارت بيأخذ كل دا الوقت بس اكتشفت عندي مشكلة التدقيق عشر مرات اسويه :□
والمذكرة بالمقابل تاخذ وقت اكثر من البارت كلو :')

المهم البارت خلص وان شاء الله يعجبكم عاد احسه طويل بالنسبة لاخر كم بارت :) شاركوني رايكم واكتبوا تعليقاتكم الحلوة ولاتنسو تحطو لي لايك :(!!

عندي لكم سر قبل تبدو البارت *ناوية اسوي سكتشات للشخصيات بما ان القصة قربت تخلص* :')

...........

" هل تريدين ان أُكمِل القصة؟"
اقترح باين ذلك حين كان يواجه صعوبةً في النوم على سطح المنزل العتيق بجانب ميلا.
ما حدث اليوم بطريقةٍ ما أطفأ شعلة الفضول حول ماضي باين ، بدأت تنظر من زاوية اخرى . لربما ظهور ماضيها في حاضرها اخافها امام من تحب ، لم تكن تدرك طبيعة الشعور ولكنه ازعجها.
قطعت تأملها في النجوم واستلقت على الجانب لتبدأ في تأمل باين ، قالت بخفوت " لم يعد يهمني باين في السابق ، انا فقط آبه بما انت عليه الآن"
عدّل من استلقائه هو الاخر ونظر مطولًا في عينيها " لدينا نفس الاهتمامات بالفعل "
بدأت برسم دوائر على صدره بطرف أصابعها وتمتمت " ماحدث اليوم بطريقةٍ ما جعلني اريد ان اعود للتدرب ، اردت ضرب ميشيل بشدة "
لف ذراعه حولها وقربها الى جسده ليحصلا على المزيد من الدفء في هذه الليلة الباردة ، اردفت وهي تدفن وجهها في صدره "أتعلم؟ اريد ان يتوقف كل هذا واصبح سيدةً مملة ، سأتعلم الطبخ وأنجب أطفالًا في منزلنا الصغير ونربي العديد من الحيوانات الاليفة ".
اسندت جسدها على مرفقيها حين بدأت تتحمس في حلمها وهي ترى ابتسامة باين التي تشجعها على التحدث أكثر " اريد .. اريد ان نمر بضائقة مالية ونبدأ بالتكاتف للتخلص من الأزمة. سأغضب لأمور لن تفهمها ورغم ذلك ستقوم بمراضاتي دائمًا".
اكملت مشددة " بالطبع لن نأخذهم للكنيسة "
عقد حاجباه وهو مازال يبتسم " ولم لا ؟ سأحب اخذهم للكنيسة ، عليهم ان يتحلو ولو بقليل من الإيمان "
ارتفعت زاوية فمها " هل فكرت بذلك أيضًا"
تنهد وهو يسحبها مجددًا الى حضنه " بالطبع ، سننجب فتان اثنان وفتاة ، سنختار أحدهم ليصبح معلمًا محترمًا والاخر تاجرٌ جشع"
" ولم فتاة واحدة ؟"
ضغط جسدها عليه وقال بتهكم " وكأنني أستطيع احتمالك لأحصل على دزينة "
" لئيم ".
.......
تلونت السماء بلون جلس فاكهة الخوخ عند بزوغ الفجر. كان مُستشْعَرًا ان الجميع مستيقظ ومتأهب لأي تحركات مريبة من أي طرف بإستثناء ثنائي العليّة اللذان بقيا يصطادان حتى منتصف الليل لتناول وجبة تشعرهما بالدفء وتُوقِف التقلصات في معدتهما ، ومن ثم قاما بخرق القوانين واستلقيا أمام المدفأة في غرفة المعيشة بشخير منتظم.
نوليا وميشيل لم يكن بينهما سوى صمت غير مريح ومشكوك الثقة جعلهما لا يدركان مصدر الشخير في الغرفة المجاورة. بعد وقت تحدث ميشيل بدون ان ينظر اليها " لماذا لا تخبريني بما حدث ؟".
نظرت اليه نوليا مطولًا ثم تنهدت " لا يوجد ما اخبرك به".
استمر ميشيل في النظر الى الفراغ امامه لبرهة ثم وقف قائلًا "إذًا سأقوم بسؤال ميلاريا".
" الشياطين لن تخبرك الحقيقة".
" حتى لو كان كذبًا .. اريد فقط ان اعلم اي شيء ".
قاطعهما دخول ميلا ، مازالت تتثاءب بشدة وتفرك عينيها بقوة لتخفف من حدة الصداع الذي لازمها منذ استيقاظها . جلست أمامهما كما البارحة واستلت احد سجائرها من جيبها ، نفثت الدخان وبدأت تتحدث مخاطبةً نوليا " لمَ لم يعد ميشيل الى سلازرا ؟"
ارتشفت نوليا من قهوتها وسألت ميلا متجاهلةً سؤالها "ألا تشعرين بالخجل حين ترتدين هذه الثياب الكاشفة امام الرجال؟".
كان اول ما افزع نوليا فعلًا منذ البارحة هو رداء ميلا ، بنطال قطاع الطرق ذو الجيوب الكثيرة ، قميص فوقي بلا أكمام يُظهر يديها النحيلتين ، وعند رقبتها خيط تربطه لرداء ذو قبعة.
اجابتها بسخرية " مالذي تتوقعين من قطّاع الطرق ان يرتدوا؟". اكملت قبل ان تقاطعها نوليا " أجيبيني الآن ".
ارتشفت نوليا مرةً اخرى من فنجانها كمهدئ يرتب أفكارها قبل ان تتحدث " سلازرا ليست مكانًا آمنًا ، العام الماضي اختفت فيه ثلاث أرواحٍ شابة ثم أُغلقت".
" من مات ؟".
ذكرت نوليا ثلاثة اسماء لما تتعرف منها ميلا إلا على واحدٍ رنّ اسمه في اذنيْها " جاسبر--". عقفت حاجباها وهي تحاول تذكّره ، يمكنها تذكر روح حضوره في المكان وهيئته من الخلف ، يمكنها سماع صوته المؤنب دائمًا ولكنها لم تستطع تذكر وجهه.
تنهدت بعمق وهي تنفث الدخان ، تشعر بالغضب ينمو بداخلها..
لا يُطاق!
أطفأت سيجارتها في فنجان قهوة نوليا ، حاولت الاخيرة التحدث الا ان ميشيل كان اسرع منها " الى اين سنذهب ؟"
اجابت بدون ان تنظر اليه " قصرنا في الجبال ".
" انه خطر !! ستكونون قريبين من الجيش كما انها منطقة مكشوفة ومتوقعة"
قهقهت بسخرية " وكأننا بالفعل في امان ".
بنبرة ملحّة قال " لماذا لا تنظرين إليّ؟"
" ولماذا يهم ذلك ؟ وكأنني انظر الى المرأه ".
.....
الطريق على غير المعتاد كان سلسًا وآمنًا مقارنةً بالطريق التي قطعوها خروجًا من ألمانيا ، كانت تلك اشارات طيبة ولكن بالمدى البعيد فكرت ميلا انها اشارات مقلقة فبريطانيا يبدو أنها تعاني ضعفًا في الجيش على خلاف ألمانيا. ابقت تلك الافكار في رأسها فهي لم تعد تهتم بما يحدث في هذه البلاد ، بل على العكس هي تدخلها الان كعدوة لديها رهائن بلا نفع ، عميلان ألمانيان ، وخونة بريطانيين مثلها.
قرروا المبيت في احد القرى على الطريق فمازالت المسافة للقصر ليست بقصيرة وبدأت الشمس بالزوال. جلس جميعهم بالعربة ماعدا إد و جين اللذان كُلفا بالبحث عن نُزل جيد للمبيت ، لن تكون مهمةُ سهلة حين يتعلق الأمر بمجموعة مثيرة الشبهات كخاصتهم ولن تكون مهمة الجلوس في العربة والانتظار سهلةً ايضًا ، الاجواء مشحونة وحبال الصبر تكاد تنقطع. الجميع لديه ما يقوله للطرف الاخر ، سواء كانت محاسبة ، شكوى ، استفهامات ، والبعض ليس لديه سوى الشتائم.
حملت ميلا ذلك في جُل جوارحها،  تريد ان تشتم عمتها واخيها وكل حبة رمل على الارض البريطانية. كأس الحقد كان اسرع كأس ينغمر ويطفح ، فباقي الاقوال كانت تنسكب في كؤوسها قليلًا قليلًا غير متأكدة من الكمية الواجب وضعها.
" لست اصدق انني مازلت معكما ! فقط النظر يجعلني اريد قتلكما حالًا".
نظر الجميع بصدمة الى الانفجار المفاجئ الذي قد حدث للتو. كانت ميلا تتأكد من حدة أسهمها وصلابة قوسها حين بدأت حديثها وهي تخترق بعينيها الدخيلان أمامها.
العراك القديم دائمًا وهو ما يبدو انه شرخها الأكبر ، مقارنتها بميشيل.
لم ينطق هو بشيء واكتفى بالنظر اليها بحزن ، ريثما ظلت نوليا تضع الوقود في نيران ميلا الغاضبة باستفزازها وذكر خزيها.
لم يستطع احد التدخل بينهما ، صفحاتٌ قديمة فُتحت ولا يستطيع سواهما الولوج الى محواها.
ميشيل يدرك ان عمته تكره ميلا ، ويعلم ان هذا الكره لم يزرع في ميلا إلا بذور حقد تجاه العائلة كاملة. تمنّى لو انه استطاع ان يتدخل بينهما كما كان يفعل سابقًا، كل ما عليه هو ان يغطي ميلا بجسده ليتلقى عنها بعض الضربات التي ستتوقف مباشرة تجاهه ولكن الآن سيكون غير مرئي ، حتى لو وقف امام ميلا لحمايتها لا شيء سيصيبه من كلمات عمته السامة ، تلك الكلمات ستعبر خلاله اليها.
لم تتعب نوليا من هذا العراك ولكن في الجهة المقابلة كانت ميلا تتنفس بسرعة منفسةً عن غضبها الذي يستنزفها ، ألم يكن من المفترض ان تكون المواجهة مريحةً لقلبها ؟
" لطالما كان الفرق بينكما واضحًا منذ الولادة ، الشر في عينيك جلب كل الاذى للعائلة!!"
قالت ميلا بنوع من اليأس " كيف يمكنك الحكم على مولود صغير بهذا الشكل!!!؟"
ابتسمت نوليا بنصر وقالت بثبات " لم يكن ذلك كلامي وحدي ، كانت الاشارات في كل مكان وقد حسم القس كل شيء حين قال انك قدمتي من الجحيم وستعودين اليه! استمر غياب الشمس والقمر عن بريطانيا منذ ولادتك! "
أخرجت ضحكة استهزاء واردفت "هل أخبرتك انك لم تبكي حين وُلدتي؟ رمقتي الجميع بتلك النظرات الساخطة. وضعناك في كيس من الملح ولكن دون جدوى ، لم تبك!  حتى احضر ريتشارد غجري وشم ظهرك لتزول اللعنة التي احضرتها من الجحيم".
لم تكن ميلا الشخص الوحيد المصدوم الان ، ارتسمت الصدمة على وجوه الجميع بغير تصديق.
" ألن يكون من السهل لو انكم قتلتموني فور ولادتي ؟!"
" وهو كذلك ، ولكن والدتك ليست سوى شيطان مثلك أصرت على حمايتك".
جلست ميلا وهي تحاول استيعاب كل ذلك ، لم تعد تستطيع حمل جسدها مما سمعت ، رددت بين انفاسها المتقطعة " يالكم من مجانين! يالكم من مجانين !" .
مرت بضع دقائق صامتة حتى نظرت إلى عمتها ووقفت مجددًا " هل كان من السهل عليك معاملتي كميشيل أيتها العجوز المجنونة؟".
"  لطالما كنتِ ميلاريا ولستِ ميشيل !!"
علا صوت نوليا بذلك ، تسمرت ميلا وبدأت معدتها تتقلص ، رأسها يدور ... مهلًا ليس رأسها بل العالم حولها هو من يدور.
ذلك لا يبشر لها بالخير فهذه علامات لعودة ذكرى قبيحة قامت هي بإغلاقها وها هي تُفتح. 
تكررت الجملة في مسمعها وبدأ صوت نوليا في التحول لصوت اخر ... مألوف ، ودارت هي بنظرها متمنية ان احدًا يسمع معها ولكن لم يبد ذلك.
صوت عمها جوان ملأ المكان كله ، مازالت ترى شفاه الجميع تتحرك وكأنهم يصرخون ولكن لا تستطيع سوى سماع صوتٍ واحد ، وهاقد بدأ بصرها بالعودة للذكرى.
" ميلاريا وليست ميشيل " .
احاسيسها عادت للذكرى كذلك ، فهاهي تشعر بخاتم آل تُرانسي الذي فضح جوان وهو يحاول استئصال رئتها ، ظل هو يصرخ تجاه الظلال من حولهما بأنها ليست ميشيل.
تبعه صوت امرأة مهتز " سيعاقبنا الرب بسبب أفعالك يا ريتشارد !! كيف؟ كيف تحاول الخداع بإحضار الخطيئة عوضًا عن الهدية ؟؟"
بزاوية عينيها تمكنت من رؤية والدها يتجه نحوها يخر على ركبتيه ويطلب المغفرة . تسائلت ما اذا كان يقصدها هي ولكن سرعان ما ابتعد جوان عنها لترى رأس التمثال الضخم فوقها وهو بالطبع ما يصلي له ريتشارد .
صوتٌ آخر " لن نستطيع إكمال الطقوس هذا مخزي ! "
نظرت هي حولها لتكتشف المكان مجددًا ، وجدت نفسها مستلقية على ما يشبه الطاولة الحجرية وتطفو حولها الشموع الطويلة. توقف مجال رؤيتها لشدة الظلام وبدأت تشعر انها تترك الذكرى هاهنا .
...
فتحت عينيها ببطئ لتواجه سقف العربة الرث. أدركت انها كلما أصبحت أكثر وعيًا بذكرياتها، كلما بدأت الالوان في حاضرها بالاختفاء ، وذبلت الحياة في كل شيء نابض .. حتى ذاتها.
اصدرت صوتًا مرهقًا مال الى ان يكون تنهيدة، وذلك كل ما تطلبه الأمر لتشعر بيد دافئة حول يدها. نظرت إلى جانبها لتجد باين مبتسمًا برفق ، كابتسامته حين كانوا في القصر بصحبة باثوريا ، كيفن ، وليام. نست لبرهة ما تذكرته وقفز سؤال في رأسها ' كيف يمكن ان يعود نبض شخص بهذه البساطة حين يراه ؟'
مرت لحظات حتى قالت بسخط " لما تبتسم كالأحمق؟"
مال على يدها وقال هامسًا " لاني اشتقت اليك ، كانت قيلولتك طويلة بعض الشيء "
"طويلة ومرهقة ... مالوقت؟"
" انه المساء بالفعل ، وصل المستكشفون قبل دقائق وقد وجدوا نُزلًا للمبيت".
" هذا مريح" .
مر وقت ظل به باين يحرك ابهامه على ظهر يد ميلا وهو يرسم دوائر وهمية " لمن المريح ان تستيقظي من قيلولات كهذه بدون ان ترفضي رؤيتي كما حدث سابقًا".
" اشعر انني أصبحت أكثر وعيًا من ذي قبل ، هناك الكثير مما يجب إصلاحه ".
قالت جملتها الاخيرة وهي تنظر إلى ميشيل الجالس في احد اركان عربتهم ينظر اليها مرتسمًا عليه مزيج من القلق والفضول.
" باين ، هل يمكن ان يكون هناك عدوان لديهما نفس الألم ؟ يستنزفان بعضهما وهما غير مدركيْن للعدو المشترك ؟"
تنهد بخفة وقال " الشياطين هي عدو البشر الأزلي ، ولكن البشر لا يشنون الحرب الا على بشرٍ مثلهم. لذا ما تسألين عنه وارد".
.....
" لنتحدث " .
بعد ان استقروا في النُزل الذي وجدوه قرروا البقاء فيه ليومين فقط تحاشيًا لأي مشاكل قد تحدث.
مر يوم على الحادثة التي تعرضت لها ميلا وانعشت جزءًا من ذكرياتها، لم تؤلمها ذكراها لنفسها هذه المرة بل جعلها تُشفق على ميشيل. اخبرها باين ان ميشيل انفجر على نوليا بشكل مخيف بعد ان فقدت وعيها " لم اتوقع ان يُظهر هذا الشاب ذلك النوع من التعابير ، اقترح ان تعطيه فرصة".
وذلك ما كانت تفكر به قبل ان يخبرها باين بالفعل ، أدركت انها ليست مختلفة عمن كرهها لأنها هي ، بل هي مثلهم كرهت ميشيل لانه هو. لم تحاول التعرف عليه او إعطائه فرصة ، استفزتها فكرة برائته مما حدث لها ولكن الآن تريد حل كل الامور وللمرة الاولى تطلب التحدث اليه.
وقفت نوليا ظانةً ان ميلا تقصدها فهي ايضًا لم تتوقع ان يغفر الشيطان للملاك بعد. تداركت ميلا سوء الفهم وقالت بنبرة مهذبة تفاجأت هي نفسها منها  " ليس انتي ، كنت اقصد ميشيل".
نظر الشاب الهزيل اليها بصدمة ، وقف مباشرة قبل ان تغير الفتاة العنيدة امامه رأيها. توجهت ميلا إلى الخارج وهو يتبعها عارجًا بصمت حتى وصلت الى تلٍ صغير.
" تحدث ميشيل. ماذا تريد ان تخبرني؟"
وداعة صوتها كانت مقلقة لميشيل الذي تلعثم وهو يلمس مؤخرة رقبته بتوتر.
ضحكت ميلا بخفة وقالت " لا تكن متوترًا فأنا لم اعد اكن لك اي مشاعر خبيثة"
" كنت تكرهينني؟"
نظرت اليه واذا به ينظر إلى الاسفل ، لم تكن تعلم أكان يسألها ام يخبرها ؟ مستاءً ام يشعر بالظلم ؟
لم يعد يهمها أكانت تكرهه حقيقةً ام لا ولكنها متأكدة بأنها لا تكرهه الان وهذا ما تستطيع الاجابة عليه.
" انا لا اكرهك ميشيل ، انظر إليّ ... ربما كنت ألومك على ما حدث لأنني لم استطع لوم نفسي او ايًا كان ذلك ، فقد كنتَ تذكّرني بأمور عانيت كثيرًا لنسيانها ولكن .."
ابتسمت وهي تنظر إلى عينيه واردفت " أدركت ان النسيان ليس الحل ، لقاؤك جعلني اواجه الأمر مجددًا وادرك انني ان قابلت احدًا آخر سأواجه المرارة ذاتها! لذا انا لن اتناسى ايًا مما حدث بل سأستغل كل ما حولي لأقاتل ما يؤلمني او يشكل تهديدًا على من احب"
امسكت بيديه الناعمة بكلتا يديها المليئة بالجروح والخدوش، نظرت اليه عن قرب ووقفت على أطراف أصابعها لتُلصق جبينها بجبينه وتهمس " اردتك فقط ان تعلم انك ممن أهتم لأمرهم، لطالما تخيلتك كملاكي الحارس لحياتي كاملة ".
تساقطت دموعها مع كلماتها الاخيرة ، لا تعلم ما ان كانت سعيدة او غاضبة من نفسها. كيف سوّلت لها الحياة ان تكره الشخص الوحيد الذي أحبّها وضحى بنفسه كي تعيش هي؟
وضع يده على رأسها ودفنه في صدره ، وشت به دموعه هو كذلك. سعيدٌ بعودة توأم روحه اليه ، يعلم انها واجهت الكثير لتبدو بهذا العنف ولكنه آمن دائمًا بقلبها الذي يحبه.
" كل شيء بخير لا تبكي هكذا ، أُدرك انني لن أُشكّل فرقًا في حياتك فلديك عائلة الان ولكن لن يضير ان اعتبرتني منها فأنا مازلت احبك كما كنت"
شدت من حضنها حوله ، وبدأ نشيج بكائها يعلو كطفلة في الخامسة. كان لطفًا من الحياة ان تُلقي في طريقها شخصًا من عائلتها ، يعطيها ذلك الحب العائلي الذي نسيته منذ اختفاء مصدره ، حبٌ نابض، مهما كنت ملطخًا يستطيع إيجاد بياضك الناصع هاهنا.
....
غادروا النزل بأمان وأذهان صافية ، لم يعد ميشيل يُعامل كرهينة بعد الان من الجميع.
وبالطبع نوليا كذلك - ظاهريًا- ، فقد كانت ميلا تضعها تحت مراقبتها رغم ادراكها ان عمتها لن تقوم بأي حركة خاطئة قد تؤذي ميشيل او حتى تعرّضه للخطر ، وهكذا كانت الاعصاب بينهم متراخية.
لم يدم ارتخاء اعصابهم فمع ازدياد المسافة التي يقطعونها هم يقتربون من قواعد الجيش ، الرجفة التي تزداد بداخلهم لم يكن مؤكدًا أكانت خوفًا او كانت برودة الاجواء.
يُقدّر لهم فينسفنت المسافات التي يقطعونها حين يريد التواصل معهم منذ اخر برقية ، وبحسب تقديره الذي لم يُخطئ يومًا في تحديد القرى التي يكونون فيها كان التواصل سلسًا.
" كونتيسة، هل مازلتي مصرة ؟".
لم يكن ماركر مزعجًا سابقًا ، بدأ قلقه ينتشر بعد ان أعرب فينسفنت عن عدم موافقته لخطة ميلا ولكن الاخيرة لعنته وتجاهلت رسالته ومنذ ذلك الوقت لم يكن ماركر على طبيعته.
كانا يجلسان في احد الحانات القديمة في قرى الجبال للبحث عن الزاد ريثما يجد الاخرون مكانًا للمبيت ، بديا غريبين لمن حولهم منذ دخولهما ، وبطلبهما كميات تكفي لحفل صاخب ، كان ذلك كفيلًا بأن يرمقهما صاحب الحانة بنظرات مستنكرة.
فركت ميلا يديها بقوة وأجابت ماركر وهي تضغط على اسنانها " هل ترى مظهرنا غير جاذب للانتباه لتناديني كونتيسة ؟؟"
" انا اسف ولكن... السيد لم يكن مخطئًا ابدًا حين يتعلق الأمر بِ- "
تنهدت بنفاذ صبر " هل تُراه في موقفنا ليحكم ؟ ام ان لديه مكانًا افضل ؟ ذلك المعتوه! مالذي يجعلك تأخد برأيه كل هذه الجدية ؟ انت تجرحني بذلك"
تنهد هو الاخر " اعتذر ولكن.. " .
تردد قبل ان يُكمل " انتي شخص لا يفكر على المدى البعيد لقراراته ، كما انكِ تجاوبين اسئلتي لك بأسئلة اخرى ؛ تجعلني مرتبكًا ".
رمقته بغضب لبضع ثوان ثم تنهدت مخرجةً بخارًا ابيض من فمها "أتخاف من ان تبوء تحركاتي بقتلكم ؟ "
اراد النفي ولكنها كانت اسرع منه حين قالت " ان كان هناك تخيير لمن سيموت حين نفشل سأكون اول شخص بينكم " .
" كونتيسة ليس هذا ما اعنيه ! صدقيني لست خائفًا من ان اُقتل، اغفري لي ان كان هذا ما فهمته. لن اتبعك ان كنت غير مؤمن بك ، ولكن اريد ان افهمك كما يفهمك الاخرون في المجموعة."
ضحكت بخفة وهي تدفع لصاحب الحانة وقالت " هم لا يفهمونني ماركر ، هم فقط يثقون بي وانا أثق في حدسي."
نظر اليها مطولًا قبل ان يضحك على نفسه ، مالذي توقعه بالفعل ؟ هل توقع ان تفتح امامه خريطة كضباط الجيش ؟ ام ان تدرس خطةً مسارها يمتد الى سنوات ؟ تذكّر انها ليست سوى شابةً مضطهدة عديمة الخبرة تقف لبضع ثوان حين يتطلب الامر ان تقرر اين اتجاه الشرق واين الغرب ، تقوم بإيقاف التخطيط اذا شعرت بالجوع،  تضع القوانين الصارمة وتكون اول مخالفٍ لها. رغم ذلك هي لديها روح لاتخاف لقيادة اشخاصٍ مثله. فكر بأنه ترك مخططات الجيوش والعمل كالجواسيس ليس ليبحث عنها مجددًا، بل ليتبع طريقةً جديدة كالتي تملكها ميلا.
في طريق عودتهم بقيا صامتين حتى قاطعت ميلا ذلك " هل هناك طريقة لتتوقف عن مناداتي كونتيسة؟ لأكون صريحة اريدك ان تخاطبني بِ ميلا فهذا اللقب ليس له وقع جميل على اذناي ".
"جميعهم هناك يملكون علاقةً خاصة معك ، ولكن انا لا أملك الحق في مناداتك كما ترغبين ، اغفري لي".
قالت مصرة " هذا ما اتحدث عنه ، انت تضع حواجز بيني وبينك ولهذا انت لا تثق بي!"
توقف عن المشي وقال بجدية " انا اثق بك"
ضيقّت عيناها وهي تنظر اليه مشككة ثم التفّت لتكمل طريقها بتنهيدة خائبة.
مضيا في احياء القرية التي ظهر عليها الفقر والظلم في كل زاوية ، التزما الصمت رغم رغبة كل منهما في الحديث المطوّل ولكن كلاهما لم يعرف كيف سيصل لنهاية كلامه بدون ان تُفهم كلماته بشكل اخر عما يريد ، وخوفًا من ذلك لم يزيحا بصرهما عن اي شيء في القرية المسكينة.

تسمّرا حين وقفا بمسافة بضع خطوات امام (سلسلة بشرية) ، كان ذلك المعنى الحرفي لمجموعة من البشر مقيدين من ايديهم وارجلهم بسلاسل متصلة، ظهرت عليهم اثار المجاعة والتعذيب بأبشع انواعه ، كانو نساءً ورجالًا وحتى أطفالًا، بعضهم كان يبكي بشدة وآخرين بكوا بحرقة بينما بعضهم ظل صامتًا ملؤه الغضب.
بين كل عشرة منهم وقف جندي بسلاحه ، رغم ان بنية أجساد المقيدين لا تحتاج حتى العصا لإيقاف اي تمرد قد يظهر منهم.
لم يقلق ميلا وجود الجنود فقد غطى وشاحهها وجهها  الذي اصبح معروفًا كأحد المطلوبين في كل من بريطانيا وألمانيا ، انتشرت احدى الرسومات التي تُظهر ملامحها واوصافها في كل مكان حتى القرى الصغيرة والمقاطعات كمجرمة مطلوبة لقتلها احد الشخصيات المرموقة في ألمانيا. علق فينسفنت على ذلك في احد رسائله ساخرًا 'انتي الشخص الوحيد الذي جمع شمل ألمانيا وبريطانيا'.

بدأ الجنود بتحريك سلسلة العبيد امامهم بعنف ، يركلون المتباطئين ويضربونهم بمؤخرة بنادقهم بحقد وغضب. أتى من خلفها صوت امرأة عجوز تجلس امام متجرها بضجر مجيبةً اسئلتهما الظاهرة على وجهيهما " انهم منشقون" .
نظر كلاهما اليها باستغراب لبرهة ثم قالت ميلا " معظمهم كبار في السن ونساء واطفال ، اي انشقاقٍ هذا؟".
ابتسمت العجوز بسخرية "اولئك الذين اختفوا سيتحمل أهاليهم جراء ما فعلوا ! كما ان هؤلاء الانذال لم يفصحو عن مكان المنشقين بعد" ، أخرجت تنهيدة غاضبة واردفت " يظنون ان تلك المرأة التي قتلت النبيل الألماني ستفعل شيئًا لهم ، ياللبؤس!"
ظهرت الصدمة عليهما حين نظرا الى بعضهما بنوع من الخوف والقشعريرة ، من حسن الحظ ان العجوز كانت تسكب لنفسها بعض الشاي حين انسحبا تجاه احد الأزقة. لم يكن ماركر يحتاج ان يسمع الاوامر من ميلا ليدرك انها تخطط لشيءٍ ما ، كان متأكدًا من ان خطةً مريعة تُرسم داخل عقلها، خطةٌ ممتازة لإنقاذ هؤلاء الناس ولكنها ستُوقع بهما لا محالة. وفر على نفسه الوقت وبدأ يفكر في خطة هرب لكليهما.

مذكرة :
" ربما تُخزى حين تجد مرآةً لألمك ، تحاول تحطيمها ظانًا انك الوحيد القادر على تحمل هذا الألم ، يختفي الشعور حين تتجسد المرآة على هيئة حضنٍ يواسي وحدتك".

تُرانسيّ.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن