يُقال "طاح الحطب"

263 13 6
                                    

كان يتردد طيلة الصباح على نافذة غرفته ينتظرها تخرج من المنزل لكنها لم تفعل ابدا ،ذهبت خلود إليها منذ ان خطت خيوط الصباح طريقها في السماء لكنها عادت مبكرا وتعلتت بأنها لاتزال نائمه ولم تسمع الجرس .
عند الخامسة عصرا رآها تخرج مسرعة وتستقل سيارتها ممايعني انها ستذهب لمكان بعيد ،خرج بعدها على عجل يتتبعها ، مر بطرق المدينه كلها توقف بجوارها مرات كثيره في زحمة السير كان يخفي وجهه خلف نظارته او يديره للجهه الاخرى خوفا من ان تعرفه ضل يسير خلفها حتى أيقن ان لا وجهة لها تدور في نواحي المدينه بدون اي هدف ، أوقفت سيارتها جانبا وخرجت منها متجهه للمكان الذي تشكي فيه للسحاب اوجاعها..ضغطت بإصبعها النحيل الطابق الخمسين من هذا البرج ..أدارت ظهرها لباب المصعد تنظر للمدينه من خلفها كيف تصغر الأشياء كلما ابتعدنا عنها..تأملت وجوه الناس التي تصغر شيئا فشيئا.. بدأ الظلام يدب في الارجاء والاضواء تفتح واحده تلو الاخرى .. دخلت للمصعد رائحة القهوه مما يعني ان بابه قد فتح استنشقتها بإشتياق للمكان..اختارت الطاوله الملتصقه بالزجاج وطلبت من النادل كوب قهوه وقطعة حلوى .
على الطاوله خلفها كان يجلس متأملا المكان ،تحب الإمكان الهادئه المرتفعة عن العالم المزعج وكوب قهوتها وكتابا رسمت عليه نقوشها الخاصه كما عهدها تماما..ثبت عيناه على عهد يتأمل ما تقوم به قبل أن يغلقها مستمعا بهدوء المكان ..رائحة القهوة..أصوات ارتطام السكر بقاع الكوب..الهمس الخفيف المنتشر بين أنحاء المكان..تمتم:هذه معزوفتها المفضله .

____

جلست على الاريكه تضرب الاخماس بالاسداس يستحيل ان تكون شكوكها في محلها ،أكلت زوائد اظافرها توترا واهتزت الأرض من اهتزاز قدمها المفرط،بعد كل ثانيه تنظر للساعه لعلها تمر أسرع ويعود احدهما..لم يكد جرس الباب يمكل رنينه حتى انطلقت إليه مسرعه..ازدادت توترا وخوفا عندما رأت سوسن تقف خلفه قالت بعجل:هل أصاب أحدٌ مكروها،قالت بإستغراب:هل انتي بخير ياخلود؟
:أخبريني انتي ما الذي أتى بك هذا الوقت
أكملت بذات الاستغراب:أتيت لأزورك فقط ..أخبريني انتي مابك ؟
تنهدت براحه وأخذت بيدها إلى الداخل وهي تقص عليها بثرثره:عهد كانت حزينه ليلة البارح ولم تجب على اتصالاتي حتى اني ذهبت إليها صباحا ولم تفتح لي أبواب منزلها والآن أنا لا أجدها لا هي ولا خالد .
قالت سوسن بإستياء:وما دخل خالد ؟
:هذا ما جعلني مشوشه الآن..أمسكت بيدي سوسن واكملت:أشعر بشيء غريب يحصل بينهما لم استطع معرفته.
ظهر الاستياء بين كلماتها عندما قالت:مثل ماذا ؟
تنهدت وابعدت يديها عن سوسن وهي تقول:لا أعرف لم أعد أعرف أي شيء حتى.

____

سمع صوت الكرسي القريب منه يتزحزح من مكانه وشعر بأحدهم يجلس عليه تردد كثيرا في فتح عينيه ولكنه فعل .. سمع صوت قلبه عندما ارتطم بأضلع صدره حتى كاد يخرج منها..اتسعت عيناه عندما رآها تجلس بجواره بعينان غاضبتين قالت بعدها بإستياء:أخبرني لما تلحق بي يا اخ خالد .
أدار وجهه للجهه الأخرى يمثل عدم المبالاه ثم قال:ولم قد الحق بك مجرد مصادفة.
بإستهزاء قالت:اممم مجرد مصادفة ان تسير خلفي منذ خروجي من المنزل إلى حين وصولي هنا انت محق
ضحك وهو يعيد وجهه وينظر إليها : جميل انك ادركتي ذلك.
ابتسمت ثم اخفت ابتسامتها سريعا واعادت الاستياء لتفاصيل وجهها وهي تقول:متى سيعتقني الله منك.
:إذا اخذني إليه..ارجع ظهره إلى الكرسي واكمل:قد أخبرتك يا عهد بأنك عصفورتي المحميه داخل قفصي.
رفعت حاجبها وقالت:من يتكلم معي نزار ام المتنبي؟
قاطع استهزائها:لا روميو بعينه يا عزيزتي .
بينما كان هو يبتسم لم تبدي هي اي ردة فعل بعدها قالت:هل هذه نكته؟
انفجر هو ضاحكا واعقب:اعرف بأني لا أجيد إلقاء النكات مثلك فهذا عمل المهرجين.
شردت قليلا ثم أعادت عينيها إليه وقالت:هل نعتني بالمهرج توا يا هذا ؟
كتم ضحكته وهو يقول:لا لم افعل.
:هذا جيد فقد ضيعت الكثير من وقتي معك لكن دع ماقلته لك حلقه تربطها هنا-واشارت إلى اذنه-
:انها لا تربط بل تعلق هل سأبقى طيلة عمري اعلمك.
وضعت يديها على رأسها وقالت:يا إلهي هذا كثير علي .
فجر ضحكته اللتي كتمها ثم امسك بيدها قبل ان تقف وقال:إلى اين نحن لن نتحدث بعد
:ليس لدي حديث آخر معك اتيت لأخبرك بهذا وارحل
:لدي انا حديث آخر
هزت كتفيها وقالت:لقد تكرر علي كثيرا ما الحاجه من سماعه الآن
:لم تستمعي لي سابقا لكن عليك ان تستمعي لي هذه المره
نهضت من كرسيها متجاهلةً لكلامه وتوجهت للطاولة التي كانت عليها سابقا بإستياء أكبر،تنهد وهو يذكر كلامها..لم تكلمه بطريقتها الطبيعيه هذه منذ مده ..نعم منذ ان ذهب والدها وانتظرها في غرفتها كانت تلك المره الاخيره التي تحدثت معه بإسلوبها الطبيعي ..احتسى قهوته وتمتم:انه لأمر مريب .
أخذ كوبه معه واتجه إلى طاولتها غير مبالي برفضها للحديث قبل لحظات ..جلس بجوارها مباشرة وقال وهو ينظر للمدينه في الاسفل:اعجبني المكان .
:هذا يدل على ملاحقتك لي
ضحك وهو يضع كوبه على الطاوله :جميل انك أدركت ذلك ،تنهدت بقل صبر :سيكون أجمل لو كففت انت عن ذلك،لم يعقب هو ولم تنطق هي بأي كلمه بعدها ضل الصمت مجتاحا المكان إلا من صوت الموسيقى الهادئه.
قال بعدها بتنهيده:عهد.
:ماذا ايضا؟
:انا اسف.
ضحكت بإستهزاء على كلمته الاخيره وقالت:وما الفائدة الآن انت وانا عالقون في هذه المدينه بسببك يا خالد.
:انتي تعلمين بأنها اول مره انطق فيها تلك الكلمه.
أكملت استهزائها:نعم نعم فالسيد خالد لا يعتذر ابدا حتى وإن أخطأ انا من عليه ان يعتذر .
:لما لم أفكر في قص لسانك ؟
:لقد قصصت جزءا كبيرا مني لساني ليس بشيء عنده.
:انا اسف مجددا ..قبل ان تتحدث أغلق فمها بيده واكمل:انا لا امثل دور خالد الطيب الآن..ولن أمثلة ابدا صدقيني فقط أريدك أن تستمعي لي ولو لمره .
تنهدت وابعدت يده عن فمها :حسنا ها أنا استمع،بدأ يحكي لها عنه وعن ماعاشه..دهس ابيها لأبيه..الحقد الذي انحشى بداخله..تفكيره بالانتقام..كيف كان وكيف أصبح..الى ان انتهى به الحال الى ماهو عليه..برر لها كل التبريرات التي كانت تحيرها،ووضع النقاط على الأحرف اخيرا،ظهر خالد الذي كان يخفيه في ليله اكتمل فيها القمر ليشع بدرا ساطعا فوق المدينه المظلمه تحته .

أنتِ نورٌ في عتمتي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن