الفصل السابع

273 28 22
                                    

وقفت أمام المكتبة الوطنية و نظرت إلى ساعتي، إنها الحادية عشر إلا ربع صباحاً، اليوم لا يزال في أوله و بدأت أشعر بالملل منذ الآن، قررت الذهاب إلى حديقة التجارب فهي لا تبعد عن المكتبة سوى خطوات قليلة. ما إن وصلت إلى ذلك الباب حتى رأيت ما لم احبذ، الحديقة ممتلئة على غير العادة في هذا الوقت، ليس لإننا في عطلة الشتاء و لكن لأنها أصبحت مرتعا للأزواج و الأحبة، أنا لا اناقض هذا الأمر لكن لماذا كلما يواعد شاب فتاة فبالضرورة يعرج معها إلى الحديقة، بغض النظر عن أولئك الأطفال الذين يجرون و يلعبون بصخب، لم تعد الحديقة ذلك المكان الهادئ لقضاء منتصف النهار لمطالعة كتاب بعيدا عن صخب المدينة.

ابتعدت عن الحديقة ثم قطعت الطريق إلى الشارع المقابل و نزلت إلى مترو الأنفاق، ثم ركبته و جلست على المقعد و إذا بفتاة تجلس بجانبي و هي تلهث و بالكاد إلتقطت أنفاسها، كان يبدو انها كانت تجري لتلحق بالميترو قبل أنطلاقه من المحطة .

"Srekamtrr sìltsan" قلت لها .

نظرت مندهشة ثم ردّت علي "Srekamtrr sìltsan ... nga kop" .

ثم أردفتْ بالقول "كيف عرفت أنني اتحدث لغة النافي؟" .

"رأيتك تلبسين سوار نايتيري 'احدى شخصيات فلم افاتار' و بالرغم من عدم توافقه مع لباسك إلا أنك كنت تضعيه في معصمك، و لذلك افترضت أنه يشكل أهمية عندك، اما اللغة فجرّبت حظي، لأنك إن لم تفهمي ما قلت فلن يضرك ذلك".

"حسنا حسنا، لقد أخفتني، لوهلة ظننت أنك تترصدني، أتعرف، لا يعلم أحد من أصدقائي أن هذا السوار هو نفسه سوار نايتيري من الفلم، قدّمه لي جدي في عيد ميلادي 16 و وافته المنية بعد ذلك بعدة أشهر، و لهذا فهو مهم عندي"

ثم ابتسمت قليلا و قالت "لكن لنعترف ... لقد أبهرتني بمعرفتك هذه المعلومة عني" -رن هاتفها- "عذرا .."

نظرت إلى هاتفها و بقيت تتصفح في الرسائل، في حين ذلك أخذت رواية 'كل الأماكن المشرقة' التي اشتريتها سابقا و بدأت أقرأ سيرة الكاتبة 'جينيفر نيفين' في غلاف الكتاب من الخلف، كانت الكاتبة الأمريكية من مواليد 1968 مدينة شارلوت، كارولينا الشمالية و قد حصلت على عدة جوائز كجائزة أفضل رواية لأدب الناشئين و احتلت تصنيف صحيفة نيويورك لأكثر الكتب مبيعا لأكثر من 10 أسابيع متتالية و كان هذا أمرا جيدا بالنسبة لكاتبة لم تكن قبل وقت مضى اسما معروفا في الساحة الأدبية .

أعدت النظر لتلك الفتاة الجالسة بجانبي، فقد كانت جميلة جدّا و لا يمكنك أن تبعد النظر عليها إلا أنها كانت لا تبعد النظر إلى ساعتها، بغض النظر عن حسنها فأنا احب مراقبة الأشخاص المثيرين للإهتمام و قراءة تفاصيلهم، لا أعلم لماذا و لكن هذا الأمر يشعرني بالراحة لمجرّد أنني ابقي عقلي في حالة من النشاط، يعتقد بعض من أصدقائي انني غريب الأطوار و البعض الآخر انني عبقري و آخرون يلحون علي بإيجاد عمل ليبقيني مركزا على أشياء أكثر أهمية، لكنني أفعل هذا لأني أحب فعله و كفى .

"حظا موفقا في امتحان العزف اليوم" قلت لها.

"ماذا؟ .. كيف تعرف أنني ...؟" ردت و وجهها بادئ على أثاره التعجب .

ابتسمت و قلت "لاحظت التسننات على رؤوس اصابع يديك، و أيضا تلك العلامة أسفل ذقنك لذلك فآلة الكمان هي السبب".

"إذن كيف علمت بأن لدي امتحان اليوم؟" ردّت.

"أنت تلبسين لباسك الرسمي، و أيضا لا تزالين صغيرة في العمر، فلو كنت كبيرة كنت لأقول أنك تعملين عازفة في الأوركسترا و لكن هذا سيمكنك من تسديد ثمن سيارة الأجرة بدل أن تركضي لتصلي قبل ان ينطلق الميترو، و أيضا لو كانت حصة عادية لأمكنك التأخر بضع دقائق من دون مشاكل إلا أنك لا تستطيعين ابعاد نظرك عن الساعة منذ ركوبك مما يعني أنك تحاولين الوصول بأسرع ما يمكن" .

"هذا رائع ... رائع فعلا ".

"لا يوافقنك الكثيرون هذا الرأي، فالبعض يظن هذا غرابة أطوار".

توقف الميترو في محطة أول ماي و فتحت الأبواب و بدأ الناس بالتدافع للخارج.

"لا يهم ما يقوله الاخرون، المهم ما تعتقده أنت ... هذه محطتي علي الذهاب " أكملت و هي تنزل
" smon nìprrte'ngaru ultxa si ... Eywa ngahu " ثم ابتسمت و ذهبت.

أكملت تصفح الكتاب ثم استرجعت ما قالته لي بلغة النافي - مهلا لحظة - يا لي من أحمق كيف لم أكتشف هذا، كلا -هذا غير ممكن- فلربّما أخطأت فقط في صياغة الجملة فلقد قالت "سررت بمعرفتك و لقاءك عن قصد ... إلى اللقاء"، كان بإمكانها عدم ارفاق كلمة "si" و التي تعني "عن قصد" في لغة النافي للجملة، و هذا واضح جدّا إلا أنها قالتها رغم هذا .
أدخلت يدي إلى جيب سروالي لأتصفح هاتفي و أبحث عن معهد الموسيقى القريب من محطة أول ماي إلا أنه لم يكن هناك أي معهد قريب، و لا حتى فرع تابع للجامعة أو مدرسة خاصة أو حتى دار الثقافة، لكن الفتاة حتما كانت تعزف على الكمان و أنا متأكد من استنتاجي، يعني أنها كانت تلبس لباسها الرسمي لأنها في الأحرى كانت عائدة من المعهد و ليست متجهة إليه، هل يمكن أنها كانت تلاحقني، و لكن لماذا كانت لا تبعد نظرها عن الساعة، أرجعت هاتفي في جيب سروالي و إذا بصوت أحدهم يقول . "أخي من فضلك خذ ورقتك من المقعد، و دعني أجلس"
"ورقـتـي ...؟" ثم نظرت للمقعد و اذا بها قصاصة أخرى .

لو أعجبتكم الرواية حتى الآن و تريدون مني الإستمرار في الكتابة أعملوا تصويت او
كومنت نقد أو إعجاب ... و ايا كان المهم أتركوا دليل على مروركم الطيب

أوراق الشتاءحيث تعيش القصص. اكتشف الآن