الفصل الثلاثون

133 13 16
                                    

لم يكن بإستطاعتي النوم، مع كلّ تلك المنشّطات في جسدي لذا حملت كتاباً عشوائياً من رف مكتبتي الصغيرة و إستهلت في القراءة، لقد كان بعنوان "الجحيم" للكاتب دان براون، كانت الجزء الرابع من سلسلة مغامرات البروفيسور روبرت لانغدون المثيرة، تعمّقت في صفحاتها و ألغازها الشيّقة و رموزها، تركّز الرواية على مشكلة رئيسية في العالم و هي الإنفجار السكّاني، فمثلما سبق و شرحه دان براون، الانفجار السكاني يعدّ مشكلة صحية بحتة، و عاجلا أم آجلا ستؤثّر هذه المشكلة في تصرّفات الإنسان نفسها، فالذين لم يفكروا إطلاقاً في السرقة قبلاُ سيتحولون إلى لصوص من أجل إطعام أسرهم . ومن لم يفكّروا في أخذ روح يوماً سيقتلون من أجل تربية أطفالهم، الأمر الرائع فيها حقّا هو إدخال لوحة "جحيم دانتي" بحلقاته التسع، و كيف أننا ننتقل ببطء من حلقة لإخرى، فكل خطايا دانتي السبع تتجلّى في هذه الرواية ؛ الغرور، الشجع، الشهوة، الحسد، الشراهة، الغضب و الكسل هي ما تدعو الإنسان للوقوع في الخطيئة .

مذهل جدّا كيفية قلب دان براون للأحداث، و استخدامه للعديد من الشواهد و الأحداث التاريخية في رواياته، ممّا يزيدها رونقا و متعة، و كانت شخصيّة "سيينا بروكس" ما جذب إنتباهي، الفتاة الغامضة صاحبة الذكاء الخارق، و التي كانت تحمل معها عديد المفاجآت، ممّا ذكّرني حتماً بـ"لينا" .

تقلّبت بين الصفحات لقرابة الساعة و النصف، حتّى توقّف المطر و انقشعت السحب معلنةً شروق شمس الصباح، و تغلغلت أشعتها إلى غرفتي، بدأت الحركة تزداد في الشارع و علا صوتها، فوضعت الرواية جانبا و لبست سترتي ثمّ نزلت الدرج، لم تستيقظ أيٌّ من الفتيات و لم اُرد إيقاظهنّ، لذا فتحت الباب و ذهبت إلى مقهى الاوركيدا السوداء القريبة من منزلنا؛ طلبت ثلاث أكواب لاتّيه ثمّ تذكّرت أن ألمى تحبّ كثيرا الشوكولا الساخنة مع الصباح لذا طلبت ثلاث أكواب منها أيضا -لم اُردْ أن يبدو الأمر غريبا إن ركّزت على ما تريدُه ألمى و نسيت أمر ياسمين و عبير – فكُلّهنّ غيورات إن تعلّق الأمر بالشوكولا -مهماُ كان نوعُها- ، طلبت كوب كابتشينو كبير الحجم لنفسي، رشفت منه بعضاً ثمّ غادرت المقهى، مشيت بضع خطوات أين تواجدت مخبزة العمّ سرحان، طلبت القليل من فطائر الزنجبيل، و مثلها من كعك الباجلز، ثمّ عدْت أدراجي .

فتحت باب المنزل فوجدْت ألمى جالسة لوحدها على الأريكة في غرفة المعيشة، كانت تمسك برأسها بين ركبتيها، و تُحرّك صدغها بأصابعها لتقلّل من حدّة الصداع على ما يبدو، عندما أغلقت الباب رفعت رأسها لتبادلني النظرات فبادرت بالقول :

"صباح الخير" فردّت بالمثل ثمّ سألتها إن كانت على ما يرام و أنا أضع أكواب اللاتيه و الشوكولا على المنضدة الصغيرة أمامها .

"لست كذلك .." ردّت بصوت ضعيف ثمّ أرفقت "هل هذه شوكولا ساخنة؟" أبعدت أصابعها من صدغها متسائلة بحماس .

أوراق الشتاءحيث تعيش القصص. اكتشف الآن