وجع القلوب

11.4K 602 273
                                    

رائحة السجائر تفوحُ في الارجاء مُختلِطة برائحة العرق الرجولي والكحوليّات .. اصوات الجميع تتعالى بهُتافاتٍ مُشجّعة بينما يقبعُ هو بمُنتصف حلبة المُصارعة امام احد خصومه الذين يفوقونهُ عُمراً وحجماً الاّ ان معرفته بأصول اللعب تجعلهُ يستطيع الفوز على خصمه دون بذل جُهدٍ يُذكر فالاهم ان يُسدّد الضربة الموجِعة بالوقت المُناسِب .

القى به الرجُل ذو القامة العاتية بلكمةٍ اردتهُ طريح الارض الاّ انهُ نهض ليبتسِم بهدوء وسيل الدم ينهمِرُ من انفه وجانب فمه .. صدره العاري يتصبّبُ عرقاً بينما يداهُ الملفوفتين بقُماشٍ اسود مُحكمتان بشدّة وعيناهُ تنظُرُ بحدّة لنُقطةٍ خلف الرجُل حيثُ رأى كُلّ من جوان وريفال .

إصطكّت اسنانهُ بغضب قبل ان يُسدّد لكمة مدروسة بمُنتصف صدر الخصم الذي تهاوى جسدهُ الضخم ارضاً فأتبعهُ بقبضةٍ قويّة على احد كتفيه بينما يدهُ الاُخرى تُطبِقُ على جانب عُنقه مُحكِماً بخيوط فوزه بكُلّ قوّة الى ان اعلن الحكم انتهاء الجولة بفوز اوس لتتعالى هُتافات الجماهير ويبدأ المسؤولون عن النِزال توزيع اموال المُراهنة .. فتلك الحلبة القابِعة بالجانب الغربيّ للحارة مشهورة بنزالات المُراهنات التي تُكسِب الكثيرين اموالاً مُضاعفة .

همس اوس للحكم ببضعة كلمات قبل ان يترجّل متوجِها اليهما لتعقِد ريفال حاجبيها بألم من مظهره المُزري فوجهه مُغطى بكدمات كثيرة إضافةً الى الإنهاك البادي على ملامحه الاّ انها آثرت الصمت الى ان توقّف امامها بقامته التي تفوقها طولاً وهمس بغضب
- عودا للمنزل ، ولنا نِقاشٌ آخر بعد عودتي .

رمقتهُ بنظرةٍ بارِدة تنبِضُ بالألم فها هو يخذُلها مُجدّداً بعد ان عاهدها على عدم المُشاركة بتلك النِزالات التي يُباعُ فيها الجسد مُقابل بعض المال والهُتافات .. تلك الحلبة الناريّة التي يُقاتِلُ من يدخُلها للفوز فكُلّ رجال الحارات المُجاوِرة يأتون لمُشاهدة تلك العروض المُربِحة .
نظرت اليه بلوم الاّ انّ نظرتها القويّة الحادّة لم تُخفّف من إحتراقه فزفر بضيق قبل ان يهمِس من بين اسنانه
- من الافضل ان لا تُريني وجهكِ .. خاصّة بهذه اللحظة فأنا ارغبُ بشدّة بسحق رأسكِ الصلب هذا .

إبتسمت بمرارة وإلتفتت ساحِبة جوان خلفها لتتحرك الاخِرى بطاعة بالرغم من إلتفاتها خلفاً حيث اوس المكدوم .. اشار اوس لزيد بتوصيلهما للمنزل الاّ انّ ريفال اعادت نظراتها لزيد هاتِفة بنبرة خالية مِن المشاعر
- كُن برفقة صديقك فعندما يقتُلهُ احدهُم لن يجد من يحمِل جُثّته .
قهقه اوس دون مرح هاتِفاً بنبرة بتّارة
- على الاقل حينها قد تترُكي لعِب دور الضحيّة لأجلنا .

إنغرس سهمٌ من الالم بمُنتصف قلبها لتتشبّث بكتف جوان خوفاً من الإنهيار وتسائلت بداخلها بصدمة " هل لكلمةٍ ان تُلقي بالروح صريعة ؟ وهل حديثها برفقة كنان يوجِعهُ كوجعها هذا ؟ .. " شحب لونها بينما تثاقلت انفاسها بوجع الندم ورُغماً عنها تمنّت الاّ تجرحهُ بهذا القدر ؛ فبالنهاية سيظلّ انسان مهما حاولت ضمّه لمجموعة اهله عديمي الرحمة .

سُكّر غامِقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن