اشواك الورد

11.6K 550 343
                                    

سقطت دمعةً ثقيلةً على خدّها فتركتها تنساب ببُطء مُتلذّذة بحفر اخدودٍ من الألم غير آبِهة بتلك الخدوش الدامية التي تصُبّ عليها ملوحتها، يتسلّلُ نحيبٌ خافِتٌ من بين شفتيها تزامُناً مع افكار عقلِها المُتعب، ها هي وحيدةً حزينةً كما عهِدت نفسها، ضعيفة ونكِرة في عالمٍ لا يراها فيه احد، تذكّرت ما حدث قبل ذلك الحادث.

لقد هربت من الجميع ظنّاً مِنها ان الراحة بالإبتِعاد إلاّ انّها بعد ساعةٍ واحدة ادركت حجم ما اقترفتهُ من جنون، دبّ الرُعبُ بقلبِها وهي تجوب شوارِعاً مُظلِمة لم تعهد رؤيتها من قبل.

همست حينها بأسم ادهم، الوحيد الذي قد يفقِدها والذي سيحرقُ الدُنيا لأجلها، بكت كثيراً وهي تهذي برجاء وجوده إلاّ انّ كلماتها المُتلعثِمة يرتدّ صداها كسياطٍ لاسِعة تجلد روحها الانانيّة، وقد ادركت مدى حقارتها بحُبّ كريم بينما ترجوا الامن من ادهم الذي لم ولن يبخل عليها بحياته، ولكن في تلك اللحظة تذكّرت انها تركتهُ هرباً منه لتجِدهُ يختلِطُ بمسامات روحها الهشّة.

رفعت بصرها فجأةً مُستفيقة من ذكرى ما حدث بعد ذلك حيثُ انحرفت سيّارتها عن المسار الاسفلتيّ وقد فقدت السيطرة على مكابحها ولولا تلك الشجرة العتيقة التي وقفت سدّاً بينها وبين الموت لكانت الآن في عالمٍ آخر.

إنتفض قلبها بوجع وهي تلمحهُ يقِفُ امام باب الغُرفة، مُشعّث الهيأة، مُتعب الملامح،وجههُ ذُو القسمات المليحة ينبِضُ بالوجع، بينما عيناهُ ذات البريق العابِث غدت لوحةً من الضياع وقد تخضّب بياضهُما بإحمِرارٍ قانٍ شوّه إخضِرارهُما القاتِم، ذلك اللون الذي يحمِلُ بريق اصوله الريفيّة، والذي لنيل نظرة منهُ تذوبُ النِساء كأعواد كبريتٍ مُشتعِل، كم هي سيئة وقاسية لجعل مارِد الملوك طفلاً حزيناً خائفا.

وضعت كفّها على فمِها تكتُمُ نحيباً غادِراً افلت من بين شفتيها كتغريد طائرٍ سجين، ولأوّل مرّة بحياتِها لم تشعُر بالخوف منه، بل تمنّت ان يضرِبها كما الماضي علّها تستفيق، إلاّ انهُ خيّب ظنونها جالِساً بجانِبها بصمتٍ مُخيفٍ يشوبهُ حسيس انفاسه المُتصاعِدة، إرتفعت يدهُ لوجهِها المكدوم فأغمضت عيناها بشدّة وهي تشعُرُ بيداهُ المُرتعِشة تمُرّ على وجنتيها بنعومة وزفيرهُ الساخِن يُلهِبُ وجهها كلفحة بُركانٍ على وشك الإنفجار.

فتحت عيناها بعد مُدّةٍ من الزمن ليزداد نحيبها وعُمق نظراته يخترِقُ قلبها كشوكةٍ سامّة فهتفت بإسمه بلوعة ليبتعِد عنها مُخبِئاً وجهه المُتعب بين كفيه و إرتجافٌ خائنٌ سرى بسائر جسده وتلك الزفرات المُتسارِعة تُحشرِجُ مجرى تنفُسه راغِبة في الهروب بعينيه فيكبحها مِراراً الى ان شعر بكفّها الصغير يُربّتُ على ظهره فإنتفض واقِفاً ليجوب ارجاء الغُرفة بشراسةِ نمِرٍ جريح، وقد صلاهُ نحيبها المُختنِق فغادر مُسرِعاً ورغبة القتل تتنامى بقلبه بصورةٍ مؤذية.

سُكّر غامِقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن