بداخل غُرفةٍ يغلبُ عليها لون القهوة يستلقي كريم على الفِراش وعيناهُ الدعجاء تتأملّ السقف بشرود، يغرقُ ببُطء في بحرٍ من السواد، يشعُرُ كأنّهُ طفلٌ صغيرٌ يُخلقُ مِن جديد، صفحة خالية من ايّ كتابة، لا يدري عن نفسه شيئًا سوى ما قالوهُ له، اسمهُ كريم جواد رضوان، في السادس والعشرون من العُمر، أحد أحفاد رضوان فؤاد أكبر، الرجُل الأكثر غِنىً بالبلاد أجمعها.
العديد من المعلومات التي انهالت عليه بلحظةٍ واحدة لتُربِك حواسه وتُلعثِم طفولة حياته الجديدة، صُداعٌ عنيفٌ يجتاحُ رأسه كُلّما حاول التفكير بالماضي وكأنّهُ قد تلاشى خلف اللاعودة، تنهّد بأسى ليقطع سكون شروده طرقات خجولة على باب غرفته:
- تفضّل.همس بصوته ذو النبرة التي لا يذكُرها لتدلِف تالين هامِسةً بإبتِسامةٍ حزينة:
- مرحبًا كريم، كيف حالك اليوم.
نهض مُعتدلًا بجلسته وعينيه تتفحّصانها بدقّة في مُحاولة لتذكُر أيّ لمحةٍ من الماضي عنها ولكن بِلا فائدة، تبدوا فتاةً رقيقة للغاية بذلك الوجه الدائريّ المُشِعّ بالبراءةِ كطفلٍ صغير، عيناها واسِعتان للغاية بلونهما الازرق الداكن المُلفِت للنظر، تأمّل ثوبها الابيض -المُزيّن بورودٍ زهريةٍ صغيرة- وقد التصق ببطنها المُمتلِئة بخجلٍ لا يليقُ بأشهُر حملِها الخمس، كان على وشك سؤالها عن لون شعرها المُنسدِل على كتِفها الأيمن بعفوية ولكنّهُ تراجع هامِسًا بتلعثُم:
- مرحبًا تالين، انا بخير، ماذا عنكِ، اعني هل انتِ والجنين بخير؟.بقي واقِفًا مكانه لتقترِب منهُ وقلبها يخفِقُ بسُرعةٍ غريبة زادت من حركة الجنين بداخلها، فهمست بحُبّ عظيم:
- نحنُ بخير بوجودك.
ارتسمت بسمةً صغيرةً على شفتيه وهو يواجه نظرتها المُشتاقة، فزلّت عيناهُ على معدتها لتهمِس وغصّة الدمع تتكونُّ بحلقِها:
- إنّهُ يتحرّك، أترغبُ بلمسه.بدى التردُّد جليًا على ملامحه الشفّافة غير قادِرٍ على التأقلُم مع حقيقة زواجه وابوّته عمّا قريب، تراجعت تالين مُجاهِدةً لإخفاء دموعها وقالت بخفوتٍ حزين:
- لا بأس، انا فقط جِئتُ لأُخبِركَ بأنّ العشاء جاهِز، ينتظِرونك بالأسفل.
خرجت دون ان تسمع ردّه ليمسح على جبينه بإنزِعاج وشعورٌ مريرٌ يجتاح قلبه بينما سارت هي بضع خطوات لتدلِف لغُرفتها وتجلِسُ على فِراشها لينساب الدمعُ حارًّا على وجنتيها.بكت بصمتٍ وهي تُربّتُ على معِدتها بألم، علها تخفف من ذلك الوجع الذي تعيشهُ منذُ أشهُرٍ طويلة، فغيبوبته أهلكت روحها ليأتي فُقدان ذاكرته ليُجهِز على بقايا قلبها المُتعب، هو لا يذكُرُ أيّ شيءٍ عنها او عن عائلته، حتّى أُمّه لم يستطِع تذكُّرها، نسي كُلّ ما عاشاهُ من سعادةٍ ولم يذكُر ما أهداهُ لمن حوله من أوجاع، كيف ستستطيعُ إخبارهُ بأنّها كانت على وشك الإنفصال عنه؟ وكيف سيُطاوِعها قلبها على ان تُعدّد خطاياه.
أنت تقرأ
سُكّر غامِق
Romanceذات العينان الغائمتان تحمِلُ قلباً نقيّاً بروحٍ مُشوّهة وقد ظنّت انّ الحُبّ ابعدُ ما يكون عن قلبها المُرتعِد ولسذاجة ذاك القلب الحزين لم يجِد سوى طريق الالم المُعبّد بأشواك الماضي ليمشي فيه حافياً من كُلّ كُره و حقد .. هل سيستطيعُ القلب المعطوب الس...