الخامس والعشرون من يناير

1.4K 101 89
                                    

لقد بدأ الأمر في يوم الخامس والعشرون من يناير , لقد كنت كعادتي أتمشى على الطريق الرئيسي لمدينة "مولبر" , ولما كانت نرجسيتي ككاتب مشهور تجعلني أنحرف على إحدى الأزقة المتصلة بالشارع الرئيسي لأصل إلى دار النشر في المدينة والتي كانت تحمل لافتة كبيرة كتب عليها "دار مولبر للنشر " لم يكن الاسم يروق لي كثيرا إلى اني كنت اتجاوز الامر فكله يهون عندما أرى صندوق الروايات المرفوضة او ما أحب ان أسميه "صندوق الفَشلة " .

لقد كانت الغيوم تتكدس في السماء وكان الجو مضطربا وبدأت المحلات تُغلَق , ولكن رغم ذلك لم أكن لأفوت هذه المتعة الخاصة ..

انحنيت على الصندوق المرمي بين حاويات القمامة وبدأت اقلب محتوياته بسخرية وأنا اقرأ ما كتب عليها من عبارات رجاء وتوسل و رسميات اخرى ولما هممت بالوقوف شدني ذلك المجلد البالي ذو الاوراق القليلة و قد كتب على واجهته بالبند العريض "انشرها و إلا قتلتك " وقلت في نفسي مطلقا ضحكة ساخرة :
- ما هذا السخف؟ يبدو أنها دعابة لطيفة من هاوي صغير .

ولأكون صادقا لم استطع منع نفسي من أن أحمله لأقرأ ما كتب فيه ، ولكن صوت السيد جافير استوقفني قائلا:
- ما الذي تفعله يا ابرو؟ اننا على وشك الاغلاق .

كان السيد جافير مدير دار النشر وكان صديق ابي عندما كانا في الجيش ,لقد كان رجلا محنكا ذا قوة و نظرة ثاقبة ووقفة ثابتة ويبدو لك في الوهلة الاولى انه ضابط شرطة متزن .

وقفت بسرعة لألقي عليه التحية ولا انكر اني بدوت كالأبله و أنا اخفي ذلك المجلد خلف معطفي , فنظر لي نظرة فاحصة وقال :
- هل انت هنا من اجل نشر روايتك الجديدة ؟
- لا أنا فقط تعثرت بين حاويات القمامة ثم اني كنت انوي الدخول لإلقاء التحية عليكم , كيف حال الجميع؟
- اه , انهم بخير و يعملون بكل نشاط رغم هذا الجو الكئيب ... كيف حال أباك؟
- انه بخير , عمله في التحقيق جعله منشغلا عن القيام ببعض الجولات مع أصدقائه القدامى
- لا بأس بذلك انه يبلي حسنا
- اجل اجل انه كذلك , ورفعت قبعتي قائلا : تصبح على خير سيد جافير
واستدرت مسرعا قبل ان اسمع كلماته : وانت بخير ابرو ، أوصل تحياتي إلى ستيف.

كانت السماء تمطر بغزارة حين وصلت إلى المنزل كان ابي قد أعد العشاء وينتظرني ان التحق به وما ان دخلت حتى قال :
- ابرو , اين كنت كل هذه المدة لقد قلقت عليك , ثم ان الجو مخيف في الخارج .
- اسف ابي ، كان علي ان اقوم ببعض الأعمال , اه وبالمناسبة لقد إلتقيت صديقك السابق السيد جافير و هو يلقي عليك التحية .
- جافير لقد اشتقت اليه فعلا

قال هذا و قدم لي صحنا من صلصة الخضروات ثم جلسنا للطعام وكنا نتحدث عن ما حدث لنا في هذا اليوم وفجأة قال ابي :
- هذا الجو يذكرني بما حدث قبل ثلاث سنوات
بدا عليه الحزن فعلا وهو يقول هذا ولكنه ابتسم واضاف :
- لكنها لا تزال موجودة معنا هنا اليس كذلك يا ابرو؟
جعلتني كلماته هذه انظر الى الكرسي المقابل ، لقد أصبح فارغا الان خاليا من المشاعر فقد كان في ما مضى مليئا بالحب والعطف ..
وقلت له في هدوء :
- أعتقد هذا ..

قاتل بدون هوية - A murderer without an identityحيث تعيش القصص. اكتشف الآن