الخامس من فبراير

206 42 10
                                    

كان المطر يهطل بغزارة حين نزلت من السيارة ودفعت الأجر للسائق ثم طرقت الباب بقوة لعل أبي يسرع خطاه قليلا قبل أن أبتل ، وبعد ثوان قليلة فتح أبي الباب لأدخل مسرعا و أنا أرتعد فقال مستهزءا :
- فقط القطط من تخاف المطر .
- لا أحب مزاحك الثقيل يا أبي ..

قلت هذا وأخذت منشفة ورحت أجفف وجهي ثم شعري فجلس أبي بالقرب مني وسأل :
- اذن لما تأخرت عن العشاء ؟
- لقد كنت أعيد الكتاب للسيد جافيير ..
ثم صمتت قبل أن أقول مجددا :
- ولقد حدثني عن الحرب الأولى قليلا ..
وحملقت في عيناه حين ابتسم وقال :
- لقد كانت نصرا تاريخيا ، بالرغم من أننا قد فقدنا من أعزائنا الكثير .
- هذا صحيح ولكن انظر إلى هذه ..
ووضعت النجمة على الطاولة وقبل أن أعلق عليها قال أبي مندهشا :
- من أين حصلت عليها ؟
- أخبرني أولا ، ما الذي تعنيه هذه الشارة ؟
- انها شارة إحدى رتب الجيش الألماني .
ثم رمقني بنظرة غريبة وقال :
- أجبني الآن ..
لأبتسم بخبث واضيف :
- كانت مع ليونيد .

تفاجئ أبي من ذلك و أطرق مفكرا لبعض الوقت ،فرحت أكمل :
- ظننتك تعرف هذا .
- لا ، لم أكن قد اطلعت على أغراضه من قبل .
فصمتت بعدها فيما قلبت الأفكار في ذهني ثم
التفتت نحو أبي الذي راح يتأمل النجمة في ضيق فتسائلت فورا :
- ما بالك يا أبي ؟
- لا شيء ، إني فقد أحقد على الألمانيين وأمقت أن أرى ما يذكرني بهم !
أومأت برأسي متفهما ثم أضفت :
- أنت محق ..

ثم رفعت كتفي بغير اكتراث وقلت :
- دعك من هذا الآن ، وأخبرني لما برأيك قد يحوز ليونيد على هذه النجمة ؟
فوضع أبي النجمة جانبا وأردف:
- لعله يعرف أحد العجائز الألمانيين ..
فضحكت قليلا ورحت أقول بسخرية :
- وكأنك تلقي على نفسك الشتيمة يا أبي
فابتسم بهدوء بينما وقف وقال :
- أجل ، إن أباك يكاد يكون عجوزا ..

ثم أشار بخفة نحو ساعة الحائط و أضاف :
- وأيضا عليه النوم باكرا ، لذا تصبح على خير يا عزيزي ..
- وأنت بخير أبي .

***
فتحت عيناي ببطء ألتمس نور الشمس ،الذي اتخذ طريقه نحو مقلتاي ، ورحت أحاول التعرف على المكان الذي أنا فيه و لم ألبث طويلا حتى أدركت بأني نمت في غرفة المعيشة بالأمس وقد فسر لي هذا آلام الظهر التي عانيت منها اليوم .

تناولت الافطار مع أبي الذي راح يلقي النكات المضحكة ويسرد بعضا من مواقفه الكوميدية ، طبعا لم أكن من عشاق الهزل ولكني كنت أبتسم لمزاحه وقد احتلت بعض الخواطر ذهني حينها وكان أهمها هو أن أبي متقلب المزاج فعلا  ..

مر الصباح بهدوء في المنزل ، ولكن المساء كان صاخبا قليلا ، فقد جلست أنا وأبي نتذكر الماضي و نحيي ذكرياتنا القديمة وبعد مدة قصيرة من أحاديثنا ، طُرق الباب فسارع أبي لفتحه ، ثم سمعت دردشة ترحيبية وتلاها صوت أبي المرتفع قائلا :
- إن أرنست هنا ..
وما ان سمعت ذلك حتى تركت ما كان بيدي و قفزت إلى الباب للترحيب به ولكنه لم يكن لوحده ، فروسينا حضرت أيضا وبالطبع كان هذا متوقعا حسب الاتفاق .

قاتل بدون هوية - A murderer without an identityحيث تعيش القصص. اكتشف الآن