التاسع والعشرون من يناير

332 55 30
                                    

رمق أبي ليونيد بنظرة مطالبا فيها تفسيرا لما كنا نراه ، فقال الأخير :
- انها بعض خربشات والدي التي لم يتممها ولست أعلم لما تستغربون ما يحدث .
فتنحنح المفتش جيرلد و أردف قائلا :
- ليونيد ، سأجيبك عن تساؤلك هذا بعد أن تعطيني رأيك بهذه اللوحة .
ثم اخرج اللوحة من حقيبته و كشف عنها ثم قدمها لليونيد الذي أمسكها بيدين مرتعشتين وتمعن فيها ثم تحولت نظراته بيننا و تراجع خطوتين ثم قال بارتباك :
- إنها مزيفة ..

فأومأ المفتش موافقا ثم سأل :
- أليس هذا رسم والدك ؟
فأومأ نافيا ثم قال وهو يتلعثم :
- ليس برسمه ولكن يعتريني شعور غريب حولها ولا ادري ما تفسيره .
فقلت محاولا اغتنام الفرصة قبل أن يفسدها احدهما :
- شعورك في محله ليونيد ، إنها مزيفة فعلا ولكن هذا الجزء قد رسمه والدك فعلا -مشيرا للجزء الأيسر-
تعجب أبي و المفتش مما كنت أقوله فهما يعلمان بأن الجانب الايسر هو المزيف وليس الأصلي ولكني غمزت لهما بينما كان ليونيد يدقق النظر في ذلك الجزء ، كنت أريد أن اعرف ما ان كان دقيق الملاحظة أم انه يصدق ما يسمعه فقط ، وبعد برهة رفع رأسه مندهشا ثم قال بتردد :
- أنت محق ..

ثم أضاف وهو يحك شعره ويتأمل الرسم مرة أخرى :
- لست أدري فعلا من قد يفعل هذا ..
ثم قطعت حديثه في حين انتزعت اللوحة من بين يديه وأردفت:
- هذا ما نحن هنا من أجله
ثم أشار أبي نحو اللوحات غير المكتملة و واصل :
- لهذا كنا متشككين مما رأيناه ، و نود منك أن تتصل بوالدك لنتأكد من كلامك .

فأومأ موافقا و توجه نحو الهاتف ووضع الارقام بشكل خاطئ عدة مرات قبل أن ينجح اخيرا ثم حمل السماعة وأشار للمفتش جيرلد الذي تقدم وأمسكها ثم راح يتكلم ، في هذا الوقت كنت أحلل ما يحدث :
ليونيد هو مجرد فتى يعاني من خطب ما في تصرفاته ، او ربما يصطنع ذلك من يدري ، هو يمكنه الوصول إلى انصاف الرسوم هذه وفي حال كان يمثل علينا فمن الطبيعي أن يتظاهر بأنه يصدق ما قلناه عن اللوحة ، وان لم يكن كذلك فهو بالتأكيد مضطرب نفسيا .

و تسائلت فيما كنت اراقبه وهو يقضم اظافره عن ما فاتني في كل ما حدث ، عندها أتم المفتش مكالمته التفت إلى أبي وقال :
- لقد أكد لي لامونت بنفسه بأنه لم يبع أية لوحة لدان توسفير منذ سنة ، كما أنني وصفت له اللوحة فرد بأنه لا يذكر بأنه رسم شيئا كهذا .
اومأ أبي متفهما ثم قال:
- أظننا إنتهينا من هنا .
- ليس بعد !
هتف المفتش جيرلد معترضا ثم التفت لليونيد و أضاف :
- ليونيد ، هل تعيش هنا لوحدك ؟
- أ أجل ..
- حسنا ، شكرا لضيافتك لنا ، أتمنى لك ليلة طيبة .
قال هذا ورمق الشاب بنظرة متحدية فيما ارتبك الآخر واشاح بنظره بعيدا .

****
غادرنا المكان في وقت متأخر كانت فيه الامطار تهطل بغزارة ، بقيت أتأمل المنظر من السيارة وأنا غارق في أفكاري وفجأة تكلم أبي مخاطبا المفتش :
- سيدي ، ما رأيك فيما رأيت؟
- لا أعلم ولكنني اظنه يخفي شيئا ما عنا ، أعني أليس من الغريب انعزاله عن الناس في سنه المبكرة هذه؟
- نعم ، من جهتي أعتقد بأنه على علاقة مع القاتلة ..
التفتت عندها نحو أبي وقلت:
- أتفق معك ، وجود اللوحات تلك دليل على هذا فهو الوحيد القادر على الوصول إليها .

قاتل بدون هوية - A murderer without an identityحيث تعيش القصص. اكتشف الآن