#ثقب..

25 3 1
                                    

على يقضةٍ من أمري وقفتُ بجوار النافذة ، أنظر بصمت للمارةُ في الشارع وأسرفُ بالغناء..

أتلصص النظر للضجيجُ المتخفي خلف عبايةُ الليل ومن حنين فؤادي أصنعُ من خيالي كوخاً في الريف يحوي عاشقان يرتبان أحاديثهما لبعضيهما غزلا ، ومن ثم أداعبُ سحر النجوم بنظرات الوله ، وأغازل القمر بغمز العين ..

أتجولُ برفقة طيفُ إيمان على قارعة ذاكرتي  بهيئةِ حلم ، وعلى جانب الحلم الأيسر أعانقُ كل الأمنيات..

-وفجأة تهمسُ إيمان في أذني قائلة : فريد ماذا لو حدث وفرقتنا الأيام وأصبح لكل منا موطنا أخر بعيدين منا كل البعد عن بعضينا !
وما الذي سنفعلهُ لو لم يوافق والدي عليك ، وعارض فكرة تزويجي لك بحجةِ أنك لست فرداً من العائلة..!
فكيف سنتصرف حيال الأمر..

-حاولتُ أن أتدارك الموقف بسرعة كبيرة لأنني أكره مجرد التفكير في ذلك حتى لو كان الأمر لا يكثرُ عن مجرد تفكير ، حاولت بتملصٍ شديد تجاهل سؤالها كما لو أنني أصم ، ومحاولة تذكريها بأول لقاء لنا وشعورنا بدفء بعضينا الأزلي الذي شعرنا بهِ  في أول عناق ..

تعمدتُ أن أكثر بالحديث وأصبح ثرثاراً على غير عادتي ،حتى لا أسمح لها بالحديث عن  نقاشٍ جميع تفاصيلهُ مشوشةٌ الرؤية ، وأسئلةٍ فيها جميع الإجابات مثقوبة ، علها تنسى فقط ، وترك كل تلك التساؤلات للأيامِ فهي كيفلة بحلها ، إذ أننا لا نملك في أيدينا أنصاف حيل .

ولكن الكارثةُ الكبرى أنها لم تنسى قط ، وما بين ثرثرتي وصمتيَ الذي يحل بينما أحاول إسترجاع  نفسي بشهيق ، تكرر لي نفس الفاجعة..

الى أن أدركت أن لا مفر من الهروب أكثر من نقاشٍ لابد منهِ مهما تزايدت بنا ندوب الهزائم..

-قلت لها حسناً ، وما السبب الذي دعاكِ إذاً لقول هكذا أمر ،والتفكير أن أبيكِ لن يوافق عليَ بهذا الإلحاح المقيت..
أخبريني !

-قالت لن أخفي عليك أن مسألة خوفي من حدوث هذا الشرخ أكبر من حجم الألم الذي ينتهي بحالِ مفارق .
-لماذا إذاً !
-لأن قد حدث مثل ذلك من قبل مع أختي الكبرى تماماً وشعرتُ حينها بكمية الأسى الذي كانت تشعرُ بهِ ، والنظرة التي كانوا ينظرون لها كامل العائلة ، ب إستثناء أمي التي كانت تتفهم مشاعر وشعور إبنتها جيدا تلك اللحظة..

فوالدي رجلا عصبيا للغاية ،رغم أن الشاب الذي كانت تحبهُ تقدم لطلب يدها كثيراً ، وحينما أعترضت أختي عليهم من رفضهم له والأسباب التي تجعلهم يفكرون  بذاك الحجم من العتمة ،أصابوها الجميع بسهام نظراتهم من دون مبرر ،وصبوا عليها جام غضبهم وكراهيتهم فجأة لكأنها أرتكبت بحديثها ذاك فسقاً..
حتى إن أبي أقدم على قتلها لو لم تتدخل أمي في الوقت المناسب وأخذت الجنبية من يدِ أبي ..
وزوجها بغضون أسبوع فقط على أحد أفراد العائلة ، وكم محاولة إنتحارٍ أقدمت عليها جراء ذلك..

-كنتُ أستمع لها بذهول شديد ، بنظراتٍ منتصبةٍ ، وأتساؤل بحرقة ،كيف ب إستطاعةِ الأباء أن يفعلوا مثل هكذا أمر ببناتهم ، كيف ينظرون لأنفسهم حينما يرون بناتهم تُعساء ،لا فرحة فيهن ولا سعادة ،ولا شيء يختزل أعينهن سوى قطرات الدمع المحدثةُ في أعينهن وأخاديدهن فجوات..

وأنظر لعينين إيمان وهما في قمة الإحمرار ، قائلا لها متى سيحين لهذا المجتمع الذي نعيش فيهِ التغيير..!
متى سيدركون أن العالم الهائل هذا ضيقاً بحجم نظراتهم..
متى سيكون للحب منبراً من شمع وليس خندقاً من نار ،فيهِ يُقذفُ كل من وجد الحياةُ بقلبهِ حباً يعيش وليس جهل..

- وختاماً قلتُ إيمان : تُرى هل سنكون لبعضينا أم على قلبينا الشهيدانِ أنفاً كل السلام..؟

بعثرة حرف~حيث تعيش القصص. اكتشف الآن