البارت 26

24.6K 323 15
                                    

عاد حازم بجسده المنهك و عقله المفتت إلي منزل حبيبته بعد رحلة بحث مضنيه دامت أكثر من خمسة عشر ساعه متواصله لليوم الثامن علي التوالي
دخل يتحسس طيفها و يعيش بين ذكراها , يزيد لقلبه المزيد من جرعات الشوق والحنين و الألم , وقف في المكان ذاته الذي كان أخر ذكري تجمع بينهم في ذلك المنزل ... قبل يوم اختفاءها بساعات.... عندما جاء لها ليلا يخبرها انه سيأتي صباحا يصطحبها لبدء عملهم بالشركة المشتركة
رغم أن صوته كان يبث حماسه إلا انها قابلته بالجمود و عينين غائبتين بين بحور حزن و تيه وردت عليه بالرفض ان تعمل معه بالشركة و انها تفضل البقاء هنا
سألها باستفهام / ليه
التفتت بوجهها و هي ترد بصوت منخفض / كده
وقف مصدوما منها , فليس هذا ما اتفقا عليه مسبقا , قال / ازاي يا حسناء , وانتي تعتبري صاحبة الشركة بالمناصفة تقريبا , وبعدين مينفعش حبستك دي
وقبل ان يكمل كلامه التفتت له بعصبيه تحاول التحكم بها و قالت بحده و صوتها يملأه بكاء مقبل / يبقي تعاملني كويس
ارتفع حاجبيه و اتسعت عينيه لا اراديا من مفاجأ ة طريقتها و كلامها , لحظتها تدارك مدي قسوته معها في الأونه الاخيرة , كاد يتكلم لولا مقاطعتها له ببعض الدموع الصامته و هي تخبأ عينيها خلف اصبعيها , انتظر دقائق إلي ان هدأت و قال لها بصوت دافئ حنون / حاضر يا حسناء , سامحيني اني كنت بتعصب عليكي..
قاطعته ثانيه / لا مش هسامحك
ابتسم من كلامها , شعر وقتها انها ليست حسناء ذات العقل الراجح و الحكمة في التعامل ملهمة افكاره , بل انها مدللته الصغيرة التي تحتاجه و لا تطيق تغافله او عصبيته
اقترب منها خطوه و ابتسامته تتزايد تدريجيا وقال لها بدلال مشابهه / عوزاني اروح النار , اخص يا حسناء
اختطفت نظره سريعه نحوه بعنيها الباكيتين و هي تمسح دموعها و تحاول ان تخبأ ابتسامتها عنه
ظل يتأملها و هو يبتسم أكثر ثم قال لها / تعالي معايا
قالت و هي مازالت مكانها / لا انا عاوزة انام
فبدل طبقة صوته للعصبيه لإخافتها واعاد كلامه ثانية / بقولك تعالي معايا
تبعته بملامح متذمره , خرجا من الحديقه و اتجه حازم نحو أحد المحلات القريبه و هي تتبعه , ظلت هي بالخارج تنتظره حتي عاد يحمل كيسا صغير بيده , ثم عادا ادراجهم للمنزل ثانية , وبعد ان وصلا فتح حازم الكيس وهو يحاول كتم ابتسامته , مد يده لها بمثلجات
نظرت له بتعجب مبالغ بشكل افقده السيطره وبدأ يضحك بصوت عالي
قالت له / ومين قالك اني عاوزة ايس كريم
قال لها / جايز تسامحيني و مدخلش النار
ابتسمت و قالت له / واشمعني الايس كريم , حتي الجو بدأ يبرد,
قال لها بمزاح / علشان تناسبنا
نظرت مستفهمه فرد علي نظرتها / دي تناسب اللي هيروحوا النار تخفف الحر عنهم شويه
زادت نظرتها تعجبا فقال وهو يبتسم و ينظر لها لإغاظتها / أه , هو انتي فاكره اني هروح النار و هسيبك , انتي عهده في رقبتي , معايا مكان ما أروح
تركته و انصرفت نحو الداخل و هي تضحك علي مزاحه , لحق بها و هو يقول / خدي بس يا أم قلب اسود
توقفت و هي تمسح دموع بزغت من عيونها من كثرة الضحك و تناولتها منه وهي تبتسم
كان يتذكر الموقف وهو يجلس علي درج منزلها كالشحاذين , يستند بضعف علي السياج و دموعه تنساب مع كل لحظة يتذكرها , قال لطيفها الواقف أمامه / وحشتيني يا حسناء , وحشتني ضحكتك و صوتك و كل حاجه فيكي , ارجوكي اظهي و متسبنيش أموت من حسرتي عليكي و تأنيب ضميري لقسوتني معاكي , صدقيني هعوضك عن كل لحظة كنت قاسسي معاكي فيها , بموت من غيرك يا حسناء
سمع صوت هاتفه , وجد ابراهيم المتصل
رد بضعف / السلام عليكم
ابراهيم / وعليكم السلام , انتي فين يا حازم
حازم / خير في ايه
ابراهيم / انت فين بس
حازم / انا في بيت حسناء
ابراهيم / طيب كويس
ثم اغلق الخط , تعجب حازم من عدم فهمه لمقصد ابراهيم و لكنه في الحال سمع بوق سيارته أمام بوابه الفيلا
قام بوهن و اتجه يفتح له
فوجئ بالجميع بصحبته , سناء و نرمين و نور
دخلوا يتبعونه , جلسوا في ريسيبشن منزل حسناء
جلسوا ملتفين حول بعضهم و كانت أول من تحدث هي سناء و بكاءها يشارك كلماتها المتوسله لأبنها الوحيد / وبعدين يا حازم , انت بقالك 8 أيام بتلف في الشوارع , زي اللي بتدور علي ابرة في كومة قش , ولا أكل ولا نوم , انت هضيع نفسك ياابني
حازم والوهن بادي عليه بشدة / ماما قلتلك مش هعرف اعرتاح و لا اكل اللا لما ألاقيها
نرمين / يا حازم لازم تفكر يعقلانيه مش قاعد ترجي يمين و شما من غير أكل , قلة أكلك و بهدلتك في نفسك مش هتساعدك انك تلاقيها , بالعكس مش هتقدر تواصل
حازم وبدأت اعصابه تتفلت / بقول مش قادر اكل , معدتي زي مايكون فيها جرح
ابراهيم / يبقي أخدك حالا و تكشف وتاخد علاج , مش سايب التعب يزيد
حازم / ولا رايح ولا جاي , ولا هشوف حالي الا لما ألاقيها دي عهده قدام ربنا في رقبتي
سناء وبدأ تتعصب هي الاخري/ حازم , مش شوقي قالك انها مشت بمزاجها و بتقولك عفتك من العهد , يبقي خلاص , سيبها براحتها , واجبنا بس نطمن عليها و نتابعها ان احتاجت حاجه مش نجبرها علي انها تفضل معانا
دارت عيون حازم بين وجوههم و كلأنه يريد ان يفترس أحدهم بدلأ عن والدته التي اثارته بأكثر الكلمات حده و لكن تبقي والدته التي يجب احترامها
وجد الجميع ينظرون نحوه بنظرات توحي بموافقتهم علي كلامها , ثم تابع ابراهيم / كلام طنط صح يا حازم
نور / حتي يا حازم لو عاوز تحاول ترجعها يبقي مش بالعصبية و البهدله دي
سناء و هي تبكي / انت خلصت يا حازم , معدتش ابني حازم اللي عارف مصلحته و مستقبله و بيوازن الامور علي حسب المصلحه و الصح
شعر بهم يدورون حوله و هم جالسون علي مقاعدهم , بل كل شئ يدور حوله
خبأ وجهه بين كفيه , وكأنه يحاول ان يحجب عن انظارهم ملامحه التي تفضح مدي احساسه المتضاعف بالشعور بالقهرو التيه و العجز و قلة الحيلة
وقف فجأه و هتف ببعض القوة التي تبقت داخلة / بصوا من غير جدال , مش هيرتاحلي بال الا لما الاقيها و لو كنت بتصرف غلط و معنتش زي زمان , اعتبروني مش حازم انا واحد تاني لا يعرف مصلحه و لاغيره
.......................
أمسكت حسناء بغلاف علبة دواء و اعطتها لحارس دار الايتام و طلبت منه ان يحضرها لها من احدي الصيدليات شبيهتها
خرج الحارس وبقيت هي جالسه بالحديقه مقابل البواب بإنتظاره , لم تكن وحدها بل كانت ذكرياتها البائسة ترافقها كالمعتاد , ذكريات غشيت أيامها بغيمة سوداء تهطل عليها بالحزن , كانت تجلس محطمة يائسة , بقلبها المعتصر مع كل لحظة تمر عليها
تذكرت حازم و حبها له , حاولت ان تمنع نفسها من التذكر و قالت لنفسها بحزم / خلاص يا حسناء , دي أيام وعدت , وعادي بكره هنسي كل حاجه
ولكن قلبها صرخ بها لاااا لاااا كفاكي ظلم ايتها العنيدة , كيف لي ان انساه و أنا احيا بذكراه , لقد مات جزء مني بسبب موت أحلامي معه , لم يتبقي بي غير بعض الفتات الذي يعيش بسبب تذكري له , ارجوكي لا تبددي تلك البقايا بمنعك لي بتذكره
ضغطت علي ملامحها بقسوة , مخافة من ذلك الحديث الذي يصدر من داخلها , وقتها ايقنت ان حياتها بدونه ماهي إلا موت بمذاق أخر
شعرت برغبه شديده في الاستسلام رغبه في ان تغيب عن الوجود الذي يفتقده , رغبه في السير حيث يقذفها التيار إلي ان ينتهي بها داخل احشاء بحر او ربما تحت اطار سيارة ...
شعرت ان لا يوجد مكان بالحياه يناسبها , مكانها ليس علي الارض لربما ستجد لها مكان داخلها , ام ان الحزن سيرافقها بالاسفل و ستلفظها الارض خارجا و لن تمنحها مكان لها كما فعلت الحياه
حقاً ما اقسي الحياه حين تخطف من أعز من نملك و تتركنا نتذوق الموت و نحن أحياء
.......................
خرج محمد من صلاة العشاء و هو يردد اذكار ختم الصلاه , وجد تامر جاره يمد له يده يصافحه و التوتر يملأ وجهه
صافحه محمد وسار معهم في اتجاههم للعماره التي يقطنون بها
بدأوا يتناولون بعض اطراف الحديث حتي قال تامر/ انا كنت عاوز أكلمك في طلب
محمد / اتفضل
تامر / هي البنت اللي جاتل من اسبوع تسأل عليك الساعه 6 الصبح عاوزة اعرف ظروفها
انقبضت ملامح محمد يحاول استيعاب كلامه فتابع يوضح مقصده مخافة ان يكون فهم محمد مقصده خطأ / مش قصدي حاجه بس انا حاسس انها محترمة و لبسه محترم وكمان بتدور انها تشتغل في حاجه خيريه و انا كنت بدور علي عروسه فلو ...
تدارك محمد محمد عن من يتحدث تامر فقال بلهفه / انت تعرف هي راحت فين
ارتد تامر برأسه بعض السنتيمترات بتعجب و قال / اه , ما هي لقيت شغل في دار .... , انا فضلت ادور كعاها 3 ساعات لحد ما لقينا شغل فاضي فيها
أخرج محمد هاتفه بسرعه و قال له / لحظة واحده
اتصل علي حازم و انتظر رده و لكن لم يأته رد , كان وقتها يصيح بهم في منزلها فأتصل مسرعا علي نور
خرجت نور للحديقه ترد عليه / السلام عليكم
محمد / وعليكم السلام نور حازم فين
نور / هنا
محمد / اعطهوني , عرفت مكان حسناء
هرولت نور للداخل و قالت لحازم / حازم كلم محمد
حازم وهو ينفض يده بغضب/ مش قادر اكلم حد
نور وهي تضحك/ خلاص يا سيدي انت حر , بس هو عرف مكان حسناء
شعر حازم ان عقله لم يستوعب الكلمة او لربما عجز عن ترجمتها من شدة مفاجأته لحظات ساكن ثم قفز فجأه و خطف الهاتف من يد نور
حازم بلهفه/ ايوا يا محمد
محمد / في واحد جارنا , معاه تاكسي بيقول انه وصل حسناء دار أيتام و كانت رايحة تشتغل فيها
حازم / اسمها ايه و فين
محمد/ دار........ وعنوانها.........
أعطي حازم الهاتف و هرول للخارج وهو يقول / ابقوا حصلوني انتوا
سناء / هو احنا نعرف انت رايح فين ؟
حازم / اسألوا محمد
و تركهم بعد ان قفز في سيارته و انطلق بها , وقتها نسي خوفه من القيادة بسرعه و طار لحبيبته و هو يتمني لو كان بحوذته صاروخ ينطلق به بدلا من السيارة
واثناء سيره اتصل علي شوقي ليخبره بالأمر
وصل في وقت قياسي و قف بالسيارة أمام بوابه الدار , كانت حسناء مازالت جالسه بعقلها الغارق في ظلمة الذكريات القاسيه
عندما سمعت صوت سيارته تقف تعرفت عليها , وكيف لا تتعرف علي صوت شئ كانت تنتظر مرور الساعات والدقائق و الثواني تطوقا لسماعها
شعرت بقلبها يقفز فجأ , لا تعرف فرحا أم خوفا ,فرغم فرحتها العارمة التي حدثت داخلها تضاعف خوفها منه و كأنه والي أمرها الذي سيعاقبها علي هروبا
وقفت تبحلق أمامها بدهشه كصنم جامد , رأته يقبل نحوي وهو يجري فلم تتحرك و لم تبدي اي ردة فعل
وقف أمامها مباشرة , يلهث بشدة وانفاسه متقطعه مضطربه , لم يقوي علي الكلام و لا النطق , و الدموع تتجمع تدرجيا داخل عينيه , كاد شوقه يغلبه ويجذبها داخل ضلوعه , نظر ليدها المخبأه داخل الجبيرة , تحسسها بأنامل مرتعشه فارتدت خطوة للخلف و هي مازلت متيبسه الملامح
اعتصر عينيه بشدة كي تزول غمامة الدموع ليستطيع الرؤية , نظر لوجهها الذي افتقده بشدة ,
نظرتهي الاخري داخل عينيه , تلك العينين التي اشتاقت هي الاخري لهم , رأتهم مليئتين بنار شوق مستعره , تضخ نحوها دفعات من كلمات صامته ومشاعر فياضه , تلك العينين مليئتين بعلامات ارهاق شديد ملطختين بلون الدماء ربما ارهاقا او اثر لبكاء دام ليالي طوال , تلك العينين تنساب منها قطرات دمع متتاليه
قال لها حازم بألم شديد و بصوت هامس / ليه كده يا حسناء
كادت تنسي نفسها و تخضع لصوته الذي سحرها ولكن واقعها صفعها علي وجهها بشده , كيف ان تنسي واقعها الأليم و حقيقة حازم ومن يكون و ماذا تتوقع ان يفعله بها ان اكتشف ما اكتشفته هي
دوت صفارات الانذار متتاليه داخل رأسها , وقف عقلها يهتف بأعلي صوته كي تفيق و لا تترك لقلبها الغرق في خيالات ستزول في يوم ما

حبيسه قصر الوحشحيث تعيش القصص. اكتشف الآن