لم يستطع حازم تمالك اعصابه اكثر و هجم علي نور و رفع يده في الهواء و انزلها علي وجه (حسناء)
فقد اسرعت تقف حاجز بين نور وحازم فكان من نصيبها تلك الصفعه المدويه التي خرجت من بين تشنجات حازم و افرغ بها كل غضبه
رفع يده بعيدا بسرعه , وقبض كفه بفزع و ظل يحدق بصدمه داخل عيني حسناء والتي قبضت ملامح وجهها بشدة و وضعت كفها مكان الصفعه ,
كل العيون مصوبه تجاه حازم بدهشه , متيبسين و كأن علي رؤوسهم الطير , تصلب من هول المفاجأه , بل و تجمد كل شئ حوله , خيم الصمت المكان, لم يكن يسمع سوي صوت xxxxب الساعه المنتظة تك تك تك
كانت سناء اول من فكت قيود صدمتها و اسرعت نحو نور تجرها من ذراعها و ادخلتها غرفة و اغلقت خلفة الباب بسرعه حتي لا يزيد الأمر سوءاً بسبب تزايدها في إلقاء الاتهام لأخيها بالبخل و عدم حبه لفرحتها و انه يزعم فقط انه بضيقه كي لا يهدر المال علي سعادتها و سناء تزيدها تعنيفا علي كلامها و اتهماتها الباطله و انانيتها في كل مواقفها
ولحسن حظها ان حازم لم يسمع اي كلمه من كلماتها الجارحه و الا كان عمرها و صل منتهاه في تلك الساعه
فقد كان حازم مازال أسير لتلك العيون التي تقف قريبا منه جدا تحدق بداخل عينيه لتزيب جليد تماسكه و تسحر عقله ببريقها الأزرق الخلاب و تبعث به لعالم روحاني لم يعيشه من قبل
كانت حسناء هي الأخري تسبح داخل عيونه لا تشعر بأي شئ حولها , شعرت بأنفاسه تلفح وجهها و هو يلهث بشدة من صدمته
ابتعدا عن بعضهما للخلف خطوتين , ثم التفتت حازم و اتجه نحو الخارج تحت عيني حسناء
خرج و تراكها وحدها , تلفتت حولها فلم تجد حولها سوي مكان فارغ من البشر
يصلها صوت نورو هي مازالت تمارس موهبتها في التوبيخ و عدم احترام اخيها الكبير و سناء تحاول ان توقفها دون جدوي
وقفت دقائق لا تعلم ما يجب عليها ان تفعل , اتجلس مكانها و تنتظر , ام ماذا ؟
وقبل ان تجلس قالت بنفسها : المفروض حازم ميجيش هنا دلوقتي علشان ميسمعهاش و يزيد الأمر سوء, انا هشوف لو بره هخليه يروحني البيت , وجودي اصلا هيزيد الغضب لأنه زمانه محروج من كلامها قدامي
اتجهت نحو المكان الذي اتجه اليه حازم من دقيقه , خرجت للحديقة فوجدته يجلس علي احد المقاعد بوجوم و يحدق للارض بملامح منقبضة بشدة و علامات الغضب تملأ وجهه بشكل مريب
دنت منه بخطوات مرتابه , نظرت نحوه فوجدته مازال شاردا في الارض و لم يلحظ قدومها نحوه , وجدت يدها ترفع لا اراديا و تتحسس وجنتها الملتهبه مما حل بها منذ قليل
وقفت علي بعد خطوات منه و قالت بصوت ضعيف و ربما بتردد مخافة من ثورته : بعد اذنك عاوزة ارجع البيت
مجرد ان سمع طلبها حتي هم واقفا و اتجه نحو سيارته التي علي بعد مترات قليله دون ان ينظر لها او يوجه نحوها ولا كلمة و صعد السياره و جلس ينتظرها
ظلت مكانها لدقيقه , لاتعرف اهذا رفض لطلبها ام موافقه و لكنها خمنت ان يكون موافقه و اتجهت نحوه تجرب ظنها و عواقبه
فتحت الباب و جلست بجواره , بدأت السياره تتحرك بهم ,
كان الصمت هو الحديث القائم بينهم طوال الطريق , سوي من بعض تنهيدات حازم النارية التي توضح مدي ثورته الداخليه و غضبه من الموقف الذي حدث
وصلوا لطريق تسير به السيارات مثل السلحفاه بسبب ازدحامة خاصة في ذلك الوقت من النهار , كانت حسناء تجلس بجوار حازم منكمشه علي نفسها , قلبها يدق بخوف طفلة الروضه , وزاد خوفها بعدما صدر منه تنهيدة قويه تبعها بضربه خفيفه من قبضته لعجله القياده , لمحها تخطف نظره سريعه نحوه , ثم تفلتت منها بسمة لا اراديا
نظر لها بغيظ فلم تلتفت له و ظلت محتفظة بوجتها للطريق امامها ولكن زادت بسمتها
قال لها بلهجة مخيفه : بتضحكي علي ايه؟
زادت بسمتها اكثر و اكثر و صدر لها صوت ضحكة خفيف ولكنها لم تجيب
اعاد سؤاله بغيظ فردت و هي تضحك و تضع يدها علي خدها : لا مش مستغنيه عن نفسي
عندما و جدها تضع يدها علي وجهها ففهم مقصدها فنظر أمامه و ابتسم من بين تجاعيد غضبه التي تملأ وجهه , فتشجعت حسناء عندما رأته يبتسم و قالت : بصراحة , ايدك تقيلة قوي
فزادت ابتسامته ولكنه لم يتكلم و أكمل تركيزه في القيادة
فقالت حسناء : علي فكرة انت اللي غلطان
نظر لها شذرا و قال لها بغضب : تقريبا عاوزة تعلمي علي خدك التاني كمان مش صح ؟ , اومال لو مكنتيش فاهمة وضعي و ظروفي كنتي قلتي ايه
حسناء: ماشي موافقاك الكلام لكن المفروض مكنتش صدمتها كده و ضيعت فرحتها , يعني واحده واحده و بتفاهم
وقف حازم بالسياره علي جانب الطريق حتي يستطيع التحدث و قال ببعض الغضب : نور معندهاش تفاهم , نور اهم حاجه عندها مزاجها و بس , ولو اللي قدامها يموت المهم انها تستمتع و تتمنظر قدام الناس , غير انها دايما ناكرة للجميل , نور انا اللي مربيها و معلمها و عمري مأخرتلها طلب و لو حتي رفاهي و ككل من صحتي و تعبي ة و قلة راحتي و مع ذلك عمرها ما شافت اني كويس و ان من حقي انها تقدرني او تشكرمي او تعترف ان ليا فضل عليه , نور أنانيه جدا
كانت كلماته منبعثه من داخل نقطة ظلماء داخل قلبه , تحمل بين طياتها حزن دفين متراكم من سنين , استشعرته حسناء بشدة , دخلت كلماته لتهز غلاف قلبها الخارجي , رقت لحاله , تألمت لإحساسه , ودت لو تستطيع ان تمد أناملها داخل قلبه و تخرج تلك الاحزان منه , انه حبيبها , مصدر سعادتها في الحياه , فكيف تتحمل رؤيته حزين , مثقل بصدر ملئ بالهموم اضافة لمتاعب تحدياته لتحقيق احلامه بالحياه , عزمت علي الفور علي مساعدته و لن تسمح لنفسها ان تعيش و هي تراه هكذا
حسناء : طيب خليني اساعدك
حازم : انا مش هاخد من اي حد فلوس علشان شويه مناظر
حسناء : مش فلوس , بس ممكن افصلها الفستان بدل ما تشتريه و ممكن نـ...
قاطعها حازم بعصبيه و هو يعود قيادة السيارة : حسناء , مش علشان عملتيلي طقمين عيال صغيرة يبقي هتقدري تفصلي فستان , فوقي من الاوهام دي , انا كلمتي هتمشي , شبكة علي الضيق و لو مش عاجبها تخبط راسها في الحيط
كلماته ضربت رأسها لتحدث داخله صدع عميق , أهذه وجه نظره عنها , لا لقد تهاوت احلامها امامها فجأه , ألهذه الدرجه هي قليلة بنظره
حسناء : ايا كان , واجب تفرح في شبكتها و 00
حازم و بدأ صوته يعلو : حسناء متعصبنيش
كانت لهجة حازم و طريقته كافية لكتم صوت حسناء داخلها حتي نهاية الطريق , ولكن ذلك لم يمنعها بالتحدث داخل نفسها و اتفاقها مع نفسها علي اتخاذ بعض القرارات
..................................
فتحت نور باب الغرفة التي تحتبس بها هو ووالدتها و اسرعت الخطي نحو غرفتها بعدما أصرت لوالدتها علي رأيها في عدم اتمام خطبيتها بسبب اهدار حازم لفرحتها و عدم اهتمامه بما تريده
اغلقت باب غرفتها خلفها بعنف و بدأت في اكمال نوبة بكائها , وبعدما هدأت قامت و مسكت بهاتفها ثم فتحت رسالة اسامة و التي وعدها بالزواج بها
ظلت تمرر عينيها علي حروفها المتتاليه و عينيها تتزايد في نزف دموع حسرة مع كل حرف تقرأه
ارجعت رأسها للخلف تستند بها علي ظهر السرير و هي تغمض عينيها بألم روحي و يهتز جسدها بسبب بكاءها التي تحاول ان تكتمه داخلها
قالت من بين دموعها : انت فين يا نسرين تنقذيني من اللي انا فيه
اتصلت بها علي الفور و كالعادة في الفترة الاخيرة لم تجد منها ردا , فأعادت المحاوله مرات و مرات حتي أتاها صوت صديقتها الناعس و الذي يخرج من بين الأغطيه : ازيك يا نور
نور ببكاء: قومي يا نسرين كلميني , محتجاكي
نسرين بقلق : خير يا نور في ايه
نور: فوقي كده و كلميني عوزاكي ضرورري
نسرين : طيب بس اهدي كده و قوليلي مالك , انا فايقة اهو
نور : عوزاكي تكلميلي اسامة ضروري ضروري و تقوليله الرساله...
قاطعتها نسرين بحنق و تحذير : لا يا نور , فوقي بقي , اسامة مش بيحبك , انا و مي و هبه شيفينه بعنينا قاعد مع بنت ولازق فيها و حاطط دراعه في كتفها , اسامة كان بيعمل ده كله مش علشان تسمعي كلامه و لا علشان زعلان منك , اسامة طلع بيلعب بيكي و لما زهق راح شاف غيرك
كانت كلمات نسرين كرصاصات ناريه تخترق قلب نور بلا رحمة , تفجر منها الدماء تميتها مرارا و مرارا في اللحظة الواحدة
شعرت ان جميع اطرافها سحبت منها الدماء و جسدها بدأ يشعر ببروده شديده , بدأت دموعها هي الاخري تتجمد من أثر صدمة ما تسمعه , وظلت تقارن بين ما تسمعه و بين ما كان يوهمها به اسامة الفترة الماضيه و كيف كان يريد ان يتقابلا , ألهذه الدرجه وصلت دناءته , وما يؤكد كلام نسرين هو تجاهله لها عندما اخبرته بأن يأتي لخطبتها من المنزل مباشرة دون مقابلة
انتهت نسرين من حديثها و انتظرت اجابه من نور و لكن لم تسمع شئ
قالت : نور انت معايا علي الخط
نور وعلامات الصدمة تؤثر علي صوتها : اه
نسرين بشفقه : معلش يا نور , عارفه اني كلامي صعب , بس مش عاوزاكي تفضلي عايشه الوهم و مصدقاه و هو بيلعب عليكي , معلشي متزعليش
نور بلا مبالاه : لا مش زعلانه ولا حاجه
نسرين : ويلا سيبيني بقي انام احسن انا نايمة الساعه 9 الصبح وهبقي اكلمك لما اصحي
نور : ماشي يا نسرين مع السلامة
نسرين : سلام
..............................
خرجت حسناء من منزلها بعد انصراف حازم بنصف ساعه , فتحت البوابه الخارجيه للحديقه و قلبها يدق بشدة من خوفها , فتلك المره الاولي التي تخرج بها وحدها منذ فتره طويله و لكن الحب يفعل الافاعيل و يصنع المعجزات
خرجت من أجل من اصبح يتحكم بتوجهات قلبها و ايضا عقلها , خرجت من أجل ان تثبت ذاتها له , من أجل ان تصنع من نفسها الفتاه التي يريدها , من اجل ان تشفي نار قلبها المشتعل بحبه , خرجت لإسعاف روحها الجريحه بسبب حلمها من اجل الحصول عليه , خرجت لإعادة بناء ابراج احلامها التي تهدمت بعدما سمعت كلماته من قليل
اغلقت البوابه و سارت بخطي متخبطه تتلفت حولها و كأن أحد الاشرار يراقبها كي يستغل الفرصه و يهجم عليها ليفترسها
رأت سياره اجره تقترب , نظرت للسائق فوجدته رجل في العقد الخامس من عمره تظهر عليه هيبة شيبه , ويبدو عليه الاحترام
لوحت له ليتوقف لها ففعل , فإنطلقت لوجهتها لتحاول من جديد لكسب قلب حبيبها و انقاذ قلبها
.................................................. .
مر حازم علي شركته الجديده و تابع سير الامور بشكل جيد , ثم اتجه لشركته القديمة و دخل مباشرة لغرفته و اغلق الباب علي نفسه
جلس خلف المكتب , وضع مرفقيه علي المكتب و قبضتيه علي جبهته
كانت الافكار تتضارب داخل عقله , كلها أفكار غاضبه هائجه , هاهي نور تصر علي عدم شكرها ابدا له و عدم مراعاتها لكل ما يقدمه لها , و اهتمامها فقط بما يمتعها و رفاهيتها , ونهاية ترفض شخص لا يعوض بسببه و سيكون هو المجرم الآن امام الجميع
ثم جاء بخاطره حسناء و اسلوبه الفظ الغليظ معها , قال بنبره تحمل الكثير من الهم : اوف و أدي حسناء هي كمان عاوزة اللي يصالحها ... انا معدش عندي بال
ظل علي وضعه بعض الوقت , تستعر الهموم بداخله مع مررور الوقت
شعر بالاختاق , قام من مكتبه و اتجه للخارج , لا يعرف له وجهة محدده و لكنه كان يريد الاختلاء بنفسه
ركب سيارته و بدأ يسير بهدوء, وجد سيارته تقوده تجاه من ملكت قلبه , لربما اصيبت سيارته هي الاخري بحبها
دخل البوابه الخارجيه و اوقف السياره مقابل منزل حسناء حتي تعلم انه من دخل الفيلا وليس احد غريب
ترجل منها , ثم دخل إلي الفيلا التي لم تكتمل بعد , ظل يطوف في حجراتها و التي تحتاج القليل من التشطيبات و بعض الاثاث لتكون مهيأة للعيش الآدمي
وقف عند الحجره الواسعه , المكونه من عدة حجرات متحده و حمام كبير و شرفة واسعه مطله علي الحديقه , ستكون في المستقبل غرفته المخصصه لنومه هو وشريكة حياته
دائما ما كان يأتي لتلك الغرفه خصيصا و يتخيل بها فتاه احلامه , ترتدي الفستان الابيض , كانت ملامحها مبهمه بالنسبه له , ولكنه لم يحاول تخيلها من قبل , فليس وجهها ما يهمه و يشغل تفكيره , ولكن عقلها ثم قلبها , يريدها سند له في الحياه , تعينه علي اعباء يومه , تساعده علي اتمام مسيرة نجاحه , تخفف عنه أتعاب مجهوده , تربت علي ظهره وقت ضيقه , تكون له الحياه بأثرها داخل منزله عندما يلجأ طالبا راحة لجسده بعد يوم مرهق , واخيرا تكون له دعما روحيا تشهد له بنجاحاته , تقدر مجهود تعذر تقصيره....
وقف علي باب الغرفه شامخا برأسه , وضع يديه في جيب بنطاله , تذكره ايامه الخوالي عندما كان يأتي هنا و يتخيلها تأتي نحوه بلهفه و شوق لكي يستريح في كنفها
تلك المره أيضا تخيلها تأتي نحوه و بنفس اللهفه و نفس الشوق و لكن تلك المرة كان بها شئ مختلفا عن كل مره , وهي ملامحها ... ملامحها تلك المره واضحه بشدة , ترتسم بدقه أمام عينيه , كانت ملامحه تسحر قلبه , تأثر عقله , تجذب روحه , تحول عالمه كله , تقلب توازنه رأس علي عقب , شعر بحبها يسير عبر ذرات جسده تحدث شلل في تفكيره في اي سوي طيفها القادم نحوه
تقدم بخطوات لا اراديه يستقبلها بلهفه , تلاقوا في منتصف الغرفه , غلف وجهها بكفيه , نظر للشرفتين الزرقاوتين بهيام , شرفتان تطلعانه علي عالم أخر , عالم نقي مختلف , عالم سامي صافي , تتعانق به القلوب و تتحد به الارواح و تلتحم به الأحاسيس المشتركة لتغذي من يعيشها بمذاق الحياه الحلو و يمحي كل سئ في هذه الدنيا لتحول حياته لجنه مليئة بالنعيم الحقيقي , قال لها و هو يضم يديها بشدة علي صدره و يغلفها بكفيه و يهمس لتلك الملامح التي دائمة ما تسحره : انتي اللي غيرتي معني الحياه بعيني , كنت محتاجك سند و عقل , دلوقتي محتجك قلب وروح و احساس , محتاجك حضن دافي يضمني ليه , حضن ينسني الدنيا بقربك , حضن اعيش بوجوده , اموت ببعده
كنت منتظرك تكملي معايا مشوار نجاحي , لكن دلوقتي عاوزك تكملي قلبي , تغذي احساسي بالوجود , ترسمي الجزء الملون في حياتي , الجزء اللي افتقدته طول حياتي في وسط زحمة الشغل و الاعباء و نسيت ان من حقي استمتع بيه زي اي انسان , لحد ما تحولت من انسان بشري لانساني ألي , اشبع رغبات غيري , و اشبع إحساسي اني انسان في وسط الناس , لكن نسيت اني محتاج اني اكون انسان لنفسي , انسان بمعني الكلمة ... كنت فاهم الحياه غلط , لكن بوجودك بدأت اعرف معني الحياه الحقيقيه , اعرف ان الدنيا ليها مذاق حلو بوجودك , وان مش كل .....
افاق من شروده علي صوت صرير البوابه الخارجية
انتفض ذعرا , وقال بقلق : مين بيفتح البوابه
اسرع مهرولا للشرفه ليستطلع من القادم , اتسعت مقلتيه و هو يري حسناء تدلف من البوابه و بيدها الكثير من الاكياس المنتفخه , ثم اغلقت البوابه خلفها , التفتت لتتجه للداخل , ولكنها وقفت مصدومه و وضعت يدها علي فمها و تركت مابيدها يسقط ارضا عندما رأت أمامها سيارة حازم
وقفت تتلفتت تبحث عنه و قلبها يعلو صوته خوفا منه , وعندما لم تراه أسرعت تحمل الاكياس لتدخل قبل ان يراها , ولكنها لم تخطو الا خطوتين حتي سمعت صوته من خلفها , صوته ملبدا بكل غيوم الغضب منذر بقرب عاصفه حارقه شديدة : حسناء
تصلبت مكانها , ولم تستطع ان تلفت له او ترد عليه , يابسه , ساكنه , جامدة و لا يتحرك بها سوي العضو القابع داخل صدرها و الذي بدأ يعمل بعنف و اضطراب شديد
اقترب منها هو , ووقف أمامها مباشرة و قال لها بعنف : كنت فين؟
ابتلعت الغصه الغليظة المعلقه بحلقها وقالت بصوت مهزو : كنت بشتري بشويه طلبات
زادت نبرته حده : وليه مقولتليش قبل ما تروحي , ولا طلبتي اوديكي
حاولت ان ترد ولكن نبرته ألجمت لسانها داخل فمها فتابع هو الحديث : ازاي تخرجي من غير استئذان , انتي ازاي تخرجي من غير ما تعرفيني
لم تكن يتحرك بها ساكن , تقف بخوف تهتز من الرياح الخفيفه للأمام و الخلف بشكل بسيط
تابع ثانيه بنبره غريبه : انتي بتخرجي كتير من غير ماتعرفيني , انا غلطان اني سبت المفاح معاكي
انتفضت حسناء من ذلك السؤال و قالت بصدمه : انا عمري ما خرجت من غير ما عرفك , دي أول مره اخرج
لم يرد عليها و لكن نظر لها نظرة مرعبه فعادت تدافع عن نفسها و لكن تلك المره دموعها شاركتها الدفاع : والله عمري ما خرجت ابدا , انا هخرج اروح فين اساسا , ...
قاطعها بنبره حازم و هو يشير بسبابته و كامل ذراعه لمنزلها : طيب ادخلي
حاولت ان تعيد كلامها ولكنه قال بصوت اشبه للصراخ الغليظ : ادخلي جوة من غير ولا كلمة .
قالت ببكاء شديد : حازم والله..
اعاد كلامه ثانيه : ادخلي يا حسناء دلوقتي متعصبنش
ثم حمل الاكياس عنها و سبقها علي منزلها بخطوات و اسعه عنيفه و قال لها : ورايا
تبعته حسناء و دموعها تنساب بغزاره علي وجنيها , دموع مختلطه برجاء شديد لذلك الوحش الحبيب الذي يعد لها حياتها بأثرها , والذي لم يستمع اليها و لا لعذرها ليتركها يتألم وسط غليان قلقها مخافة من ان تفقده او ان يتخلي عنها , او.... الا يكون لها و تتحطم كل احلامها معه
فتحت حسناء الباب بمفتاحها فأدخل لها الاكياس للداخل خطوتين فقط ثم تركهم و خرج
كانت مازالت تقف أمام الباب ترتجف بجسدها النحيف من شدة البكاء , قال دون ان ينظر لها : هاتي المفتاح و ادخلي
اعطته المفتاح و صوت بائها يتزايد
دخلت النزل , فأغلق هو الباب عليها بالمفتاح و انصرف
ارتمت بثقل جسدها علي الباب و كأنها تحاول اللحاق به من خلف الباب , استدارت و هي مازالت ملاصقه للباب و تركت جسدها ينساب تدريجا علي الأرض
ظلت مكانها ملقاه علي الارض تبكي بحرقه , علي حظها التعش , الذي كلما خلقت لنفسها بصيص أمل ضعيف لشئ حلو يعطي معني لحياتها يأتي ذلك الحظ ليسد عنها اي شعاع لضوء الأمل و يترك قلبها يتألم في عتمة الأحزان و خيبة الأمل
اتجه حازم وهي لا يشعر بلا شئ و جلس داخل سيارته , كان يشعر بأن رأسه سيطير من شدة غضبه , حقاً ان غضبه عمي قلبه في تلك اللحظة , او لربما غيرته الشديده عليها و خوفه عليها من ذلك العالم المتوحش , سابقا استشاط غضبا من اجل ان رجل نظر لها عدة مرات , وضحي من اجل الحفاظ عليها و بدأ في قيادة السيارة و تحامل علي نفسه متغافل خوفه من القيادة فكيف يتخيلها الآن تخرج و تسير و تركب سيارة مع رجل اجنبي و تتعامل مع اخرون وحدها
ضرب عجله القياه بقبضة يده بعنف و قال موبخا نفسه علي زلة لسانه القبيحة و ردة فعله الوحشي معها : ايا كان متوصلش اني اتهما و اشك فيها بالشكل ده
نظر علي باب منزلها ثم أعاد النظر علي الشرفه التي كان يقف بها من دقائق , تخيل طيفها معه داخل تلك الحجره مندقائق
شعر بخنجر سام يدس داخل قلبه , وهو يتذكر كلمته لها و تعنيفه لها بهمجيه , قال بصوت محشرج : لا لا لايمكن تكوني كده يا حسناء , انتي انقي و اطهر انسان في الوجود كله , انا يتقطع لساني لو قلت كلمة زي دي تاني ليكي , اسف يا حسناء
رنت بأذنه صوتها و هي توقل له برجاء شديد " حازم , ارجوك و الله...."
كانت تلك المره الأولي التي يسمع اسمه يخرج من فمها , فدائما ما كانت تتحاشي ذكر اسمه اثناء حديثها و ان اضطرت فإنها تناديها برسمية " يا بشمهندس"
ذبذبات صوتها و هي تنطق بإسمه لم تذهب نحو اذنه بل استقبلها قلبه مباشرة ليترجمها علي شكل نبضات قويه تغذي شرايين جسده , تشعل حبها بقطرات دمه و تفجر حنينه لها داخل خلاياه
شعر بدموعه تتدفق لعنينه بشدة , وضع كفه علي عينيه يخبأ دموعه من نفسه , فما اصعب دموع الرجل , انها اصعب من نزف دماءه , لا تزرف إلا لعزيز غالي صاحب مكانه خاصة جدا في القلب , مكانه لا يصل لها سوي شخص واحد لا يتكرر
مسح دموعه و تنهد بشده ثم خرج من اسياره و اتجه نحو المنزل و لا يعلم تلك العيون التي تراقبه من خلف النافذه الخشبيه بصمت
أدخل المفتاح من تحت باب المنزل , وبعدها عاد أدراجه للسياه و هي يعبث بأنامله في شاشه هاتفه يكتب رساله ثم أرسالها لـ .. حسناء