عودة الى الوراء

546 76 91
                                    

مضى اسبوع كامل منذ مجيئ آن الى اليابان...قضية واحدة قامت بحلها في تلك الفترة، و من ثم انقطعت الاخبار المشوقة والمثيرة. الايام اصبحت تمضي بشكل بطيئ وممل، خاصة وانها لم تغادر فندق Golden Bird Hôtel منذ يومين... بقيت محبوسة في تلك الغرفة الكبيرة ، وفوضى عارمة تغطي المكان...كتب وروايات هنا وهناك ، النافذة مغلقة لدرجة ان الغرفة معتمة بشدة رغم ان الساعة لت تتجاوز التاسعة صباحا. اتصل بها والدها ليلة امس كما اعتادا فعله من قبل، وكالعادة ، ردت آن بان المكان جميل ورائع ، وهي تستمتع.و و و و ...ولكن الحقيقة ان الملل كان يقتلها ويخترق عقلها وقلبها في الصميم...

_تبا! ماالذي يحدث لي؟ اشعر بالملل والضجر . لم تحدث قضية جديدة منذ ثلاثة او اربعة ايام...وانقطع اتصالي برينا لأن والدها في رحلة عمل الى اوساكا كما اخبرني هو. " للعلم، رينا لا تحبذ الخروج في عدم وجودي .انها تمضي اغلب وقتها في المنزل ولا تخرج الا نادرا ، لا اعلم السبب ولكنها اخبرتني انها تكره الخروج من دون مرافق لها...لذا، لا تنزعجي ان لم تأت اليك ..." هذا ماقاله العم...ماذا كان اسمه؟ آاجل العم تويتشي....تبا، علي إيجاد ما افعله...
كانت آن تشعر بملل قاتل، لم تشعر به من قبل ابدا. شغلت التلفاز، وراحت تقلب بين القنوات بسرعة ، الى ان توقفت عند إحدى القنوات...
توجه كل اهتمامها الى ماكانت تنشره تلك القناة ، ثم ذهلت لرؤ ية نفسها على التلفاز، ليست في مقابلة ، انما المذيعة تتكلم وتظهر صورتها في الخلفية ، وهم يتحدثون عنها...
_ماااذا؟! انا على التلفاز ؟ انهم يتحدثون عن قضية الدمى...
ذهلت لوهلة ثم قهقهت بغرور . لم يكن من المدهش ظهرورها على التلفاز ، لانها اعتادت هذا في لندن بعد حلها لكل قضية، ولكن المدهش كان ظهورها على التلفاز في اليابان! رفعت مستوى الصوت قليلا ، ثم راحت تستمع الى صوت المذيعة...
" ...في قضية اخرى، تمكنت الشرطة من القبض على المجرم ، بعد ان قام بقتل والدته التي يسكن معها هو واخته فيةمنزل واحد، تفاصيل اكثر مع الشرطي كوروبا من قسم شرطة المدينة..."
حدقت آن الى الرجل ، فتذكرت انه نفس الشرطي الذي كان يشرف على القضية...
رحبت المذيعة بالشرطي ، ثم طلبت منه ان يقص تفاصيل القبض على المجرم:
_"في الواقع يا آنسة ، كان القبض عليه سهلا، "
_حقا؟ ولكن يا سيدي، سمعنا اشاعات أن فتاة من لندن ، هي من حلت القضية! فهل هذا صحيح؟
_م..ماذا؟ آااه ، تقصدين آن شيرلي؟ ، تلك الفتاة من لندن وني في 16 وقد تدخلت فجأة في القضية مدعية انها متحرية، صراحة، لقد ساعدتنا بعض الشيئ . كانت بارعة في ايجاد التفاصيل الغريبة يا آنسة ، وكانت سريعة البديهة وباردة الاعصاب قليلا . صحيح انها جيدة ولكنها ليست في مستوى براعتي.
_ . يبدو ان هولمز آخر قد ظهر فجأة اذن! كانت معكم المذيعة ساكورا والضيف كوروبا في نشرة اخبار التاسعة"
انتهى البرنامج وقالت آن و هي تتمتم بغرور:

مذهل! لم اتوقع ان تلك القضية ستظهرني في التلفاز حقا! اذن اصبحت هولمز اليابان؟!
ولكنها سرعان ما عادت الى حالتها السابقة ، "الملل المملّ!" استلقت على السرير ، لتسمع احدهم يطرق الباب.
فتحت الباب فتفاجأت بأن الطارق هو ...رينا! ادخلتها الغرفة وهي مذهولة...
_ رينا؟ ما الذي اتى بك الى هنا؟ الست تخشين الخروج بمفردك؟
كانت رينا كالعادة مبتسمة ابتسامتها الخجولة . ترتدي فستانا قصيرا اخضر اللون ، وتربط شعرها الى الخلف على شكل ذيل حصان. نظرت الى آن ، ثم قالت:
_وهل ازعجك قدومي؟ اردت ان ازورك فحسب ، لاني لم ارك منذ اربعة ايام، فحبذت الزيارة
دهشت آن ثم ادخلتها الى غرفتها الفوضوية برغبة من رينا... ثم جلست هي على سريرها .
_م..ماهذا؟ منذ متى نظفت غرفتك لآخر مرة؟ او ليس لديهم خدم هنا؟
_لقد نظفوها بالامس فقط.
اسرعت رينا تفتح الستائر وتنظف الغرفة ولكن آن حاولت منعها:
_لا رينا لا تفتحي الستائر! آاااخ عيني! اشعة الشمس تحرقني!
_ان لم تنظفي المكان فدعيني افعل ذلك نيابة عنك!
_لاتفعلي ، سأفعل ذلك لاحقا! تعلمين، دعيني اساعدك لاني اعلم اني سأاجله ايضا....عذرا على جعلك تقومين بتنظيف شقتي في وقت زيارتك!
_لا داعي للشكر ايتها الفوضوية! اعتدت ذلك...
عندما انتهوا من تنظيف المكان، طلبت آن شايا و بعض الكعكات الصغيرة بنكهة الفراولة والشكولا من احد الخدم في الفندق ، واثناء تناوله، كانت الفتاتان تستمتعان بالحديث عن هذا وذاك، وبقيت آن مستمتعة بذلك ، وبطريقة ما ، استطاعت رينا ان توقف هذه المسرحية الهزلية ، ثم حدقت في عيني آن وقالت بجدية:
_ما خطبك؟ لست على غير العادة.
استطاعت آن الرد بعفوية :
_ما الذي تعنينه؟
_كفى تمثيلا علي...اخبريني ما الذي يحدث معك؟
ولما لم تستطع آن الصمت اكثر ، بدأت شفتاها تتحركان تلقائيا :
_لا شيئ محددا، فقط اشعر بالضجر! وهذا يزعجني...اعني، انا لم اخرج من الشقة منذ 48 ساعة...ولم اقابل احدا سوى الخدم الذين ياتون الي للتنظيف.
_حقا؟ لقد افزعتني! ظننت انك مريضة...لمَ لم تخبريني؟
أومأت آن رأسها وكأنها تطلب من رينا ان تجد حلا .
_لدي فكرة! شعرين بالملل صحيح؟ انا اعرف مكانا جيدا لنزعه .
احتارت آن من هذا، فكيف لها ان توافق على الذهاب الى مكان لا تعرفه؟ او بالاحرى ، السؤال الذي كان يطغى على تفكيرها...هل كانت رينا تخطط للخروج مسبقا؟
_رينا؟ اكنت تخططين للخروج مسبقا؟
_م..ماذا؟ كلا. القد خطرت في بالي فكرة الخروج للتو.
_أحقا ما اقولينه؟ كفى ادعاءا، ان اردت ان تخرجي فاخبريني وحسب .
_ك..كيف علمت ذلك؟
_اذن صدق ما قلته! انت ترتدين هذا الزي وكأنك تخططين للخروج ، اضافة الى حقيبة ظهرك الصغيرة التي تخفينها خلف الكرسي، لا داعي لكل هذا!
_ح...حسنا، اعتذر عن هذا، ابي غادر منذ يومين وانا مللت البقاء في المنزل ، ولا انفك اتوقف عن التفكير بك..
اشارت آن الى رينا ان تخبرها عن المكان الذي يودان الذهاب اليه، فأخرجت رينا من حقيبتها الصغيرة خريطة جديدة . امسكتها ومن ثم أشارت بإصبعها:
_هنا!
_اين؟
_تشعرين بالملل صحيح؟ وتريدين مغامرة شيقة... اذن هذا المكان هو الانسب
و فجأة ، تسمرت آن مكانها ، واخذت عيناها تتوسعان في حيرة...
_رينا ...اتعرفين هذا المكان؟
_اجل، بالطبع! انه مدينة الملاهي!
_كلا، مدينة الملاهي تقع شمال هذا المكان...
_اذن ما هذا؟
_هل شاهدت نشرة الاخبار ليلة أمس؟ على الساعة العاشرة مساءا؟
_تقصدين تلك الاخبار عن المنزل الذي يسمع منه ضوضاء من وسط الغابة بدون مبرر؟
_اجل تماما....هذا سيكون المكان الأنسب...
ارتعبت رينا وراحت تسحب آن التي اسرعت تبحث عن ملابس جيدة ترتديها...
_كلا كلا كلا ...لن نذهب ..!
_الم تقولي انك تريدين تسليتي ؟ اذن وجدت المكان الافضل! ان كنت تفضلين البقاء هنا فافعلي ما تشائين ..انا ذاهبة .
جهزت آن حقيبة صغيرة بها مصباحان يدويان ، بطاريات ، حبل، وخنجر صغير وبعض الضمادات.
ذهبت للحظات الى الغرفة المجاورة ، ثم عادت وهي ترتدي زيا اشبه بزي الكشافة . سروال قصير بني اللون ، و سترة ذهبية ذات ياقة بيضاء يتدلى من فوقها شعرها البني الطويل اللامع الذي ابقت كالعادة : خصلتان معقودتان الى الخلف بينما الباقي مسرح ومسترسل جيدا حتى ظهرها... وضعت ساعتها الفضية ، ثم خرجت مسرعة .
نظرت رينا الى آن وهي تخرج مسرعة ، ثم التفتت من حولها لتقول بسخط:
_تبا لتلك المغامرة المتهورة...لا بد من انها تركت شيئا كي احضره لها بحجة اني اتبعها واذهب معها،. وها هي حقيبتها الصغيرة قد نسيتها او تركتها عمدا فوق الطاولة! انتظرييي!
،ثم خرجت مسرعة من الفندق. حدقت من حولها في ااشارع وقد اكتسحت السيارات المكان...شعرت باحدهم يلمس كتفها فاستدارت لتجد آن تبتسم بخبث..
_اذن أتيت؟
_أتيت فقط لاعيد اليك حقيبتك التي نسيتها .
_ولكنك هنا الآن ، لذا فلنذهب...
_م..مهلا، انتظري...
ولكن آن لم تأبه بمناداة رينا ، بل راحت تنادي سيارة تاكسي ثم اشارت لها ان تركب وهي مبتسمة بحماس فائق...
_"انها متحمسة اكثر من وقت رأيتها فيه، لن افسد ذلك! اتمنى فقط ان يمضي الامر على خير...." قالت رينا في نفشها وهي تركب السيارة.

**************************************
(اعلم اني تأخرا عن النشر ، ولكني سأنشر فصلا او فصلين في الاسبوع من الآن..)

 02 : ميراث الحمقىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن