الأساطير تتحقق

316 62 62
                                    

_بعد ان اخبرتنا يوتا بالأسطورة شعرنا بالغموض و الحيرة وسألناها عن علاقة القصة بالمدرسة. فأجابت " أمس...سمعتُ صوت آلة القيثارة  فذهبت الى القاعة ولم اجد أحدا! " فزعنا جميعنا فقررت يوتا أن نتفحص المكان قبل أن نغادر المدرسة....
_وماذا حدث بعد ؟
_في الواقع...إختبأنا في حمامات المدرسة لأنها كانت أقرب مكان، ثم ، وبعد ان تأكدنا من خلو الممر وإغلاق المدرسة، خرجنا. بدا أن يوتا قد جهزت للأمر مسبقا فقد كانت تحمل ثلاثة مصابيح يدوية ، مضينا الى قاعة الموسيقى ، وقبل أت ندخل ، وقفنا عند الباب وأخذنا نسترق السمع لنتأكد من خلو القاعة. دخلنا الى القاعة، ثم مررنا بمصابيحنا في المكان. اتجهنا الى آلة القيثارة وبقينا نحدق فيها . مكثنا هناك بضع دقائق ثم عندما اطمأننا ، خرجت أنا و كايا ولكن يوتا بقيت في القاعة وهي غير متأكدة. وعندما همت ّـبالخروج،رأيناها
_رأيتموها؟
_ اجل...رأينا ظل تلك الأميرة
_حقا؟ ولم يكن هناك غيركم في المكان؟!
_أجل، كنا وحدنا...شعرنا بالفزع عندما رأينا ظل تلك الأميرة قرب الآلة ، حاولنا الهروب ولكن المصابيح اليدوية فرغت بطارياتها. جلست كايا تبكي وأنا ٱحاول تهدئتها بالرغم من فزعي...ولكن يوتا لم تستسلم ، فدخلت للقاعة مجددا وصرخت "من هناك؟ وماذا تريد؟"  وبالطبع ، لم يردّ أحد عليها. 
    نظرت آن الى رينا بغموض ، وضعت يدها على ذقنها كهولمز تماماً. فكرت لوهلة ثم سألت:
_كم عدد النوافذ في القاعة؟
_نافذتان، واحدة قرب البيانو الكبير ، والأخرى بجانب الة القيثارة...
_مفتوحة ام مغلقة؟
_اذكر انها مفتوحة من الاسفل لترك الغرفة " تتنفس" كما كانوا يخبروننا
وعلى اي جهة تطل هذه القاعة من الخارج؟
_على احدى الشوارع على ما اظن، فهي آخر جزء من المدرسة ، وتقع في الجهة الخلفية حتى لاتصدر الآلات ضجيجا ، خاصة وأن الجدران ليست عازلة للصوت
فكرت آن قليلا، ثم  انفجرت تضحك بسخرية وهي تضع يدها اليسرى في جيبها والاخرى ترفعها وتنقر على وجه رينا الذي احمر خجلا او حتى غضبا.
_آن...ما الذي يضحكك؟
_ق..قلت للتو انكم فزعتم لرؤية ظل الشبح!
انزعجت رينا بشدة وسألت آن عن المضحك فيما تقوله، خاصة وانهما في مكان يستدعي القلق لا الضحك ، فتابعت آن..
_لا تنزعجي، سأخبرك عن الأمر...اظن انك تعرفين ما أقصد ، خاصة بعد ان سألتك عن مواضع النوافذ...
_افهيمينا يا بطلة!
_لقد بقيتم في المدرسة حتى وقت متأخر، قاعة الموسيقى  كانت مظلمة بالرغم من وجود نوافذ اذن الوقت هو الليل، وبما أن الليل قد حل، والقاعة تشرف على الشارع فإن السيارات ستبدأ بإشعال الأضواء الامامية او الخلفية او كلاهما...ومن هنا نستنتج ثلاثة اشياء...
استغربت رينا من تحليل آن بالرغم من عدم تواجدها معهم ، ولكن مالفت انتباهها هو عبارة "ثلاثة اشياء"، فكيف ان تستنتج كل هذه الاشياء من مجرد وصف لحادثة قد مضت؟  بقيت صامتة بينما الإبتسامة الباردة التي تظهر اثناء تحقيقها عادة ، لاتفارق وجهها المتحمس وهي تتكلم...
_نعم ثلاثة اشياء ! اولا...الشبح الذي رأيتموه هو مجرد ضوء لاحدى السيارات دخل من خلال النافذة قرب القيثارة وبسبب تركيزكم الشديد على اسطورة. الاميرة ، خُيل لكم ان الظل هو شبحها ...ثانيا: لا وجود للأشباح.
ثالثا : لقد كنتن حمقاوات حقا بتصديقكن لأسطورة سخيفة كهذه. انا امزح وحسب...
  حدقت رينا في وجه آن بذهول ، وقالت..
_ أ أنت متأكدة من أنك لم تكوني هناك؟ ماقتله للتو مشابه لما قاله...
_من ؟
_لا تكترثي ...
_اخبريني!
_انسي ماقلته ، مجرد ذكرى عابثة...
لاحظت آن أن وجه رينا مبتسم ابتسامة خجولة تخفي حزنا خفيفا جعل آن في حيرة من أمرها...فلم تبتسم؟ وما سر حزنها ؟
تابعتا المشي  في أحضان الغابة ...التفتت رينا خلفها بقلق، لم يعد الشارع الذي حضرتا منه يظهر...فقط غابة. ..الأشجار عالية فارعة الطول، تهتز وتتراقص على نغمات السمفونية التي تعزفها الرياح العابرة ، السماء ملبدة ، يبدو أن الغيوم تجهز نفسها لتبكي . صمت مخيف يطغى على الأجواء، فقط نسمات الرياح العابرة ، و صوت الأ حراش والأخشاب التي تتكسر وتتهشم  عندما تدوس عليها قدما آن ورينا ،هي من يقطع هذا الصمت.
الغابة مكان جميل حقا، من وجهة نظر آن التي تمشي مبتسمة ابتسامة تحدي، ولكن في  نظر رينا ، هي مكان مناسب لفيلم رعب . الصمت يخيفها حقا، انها تمشي وعيناها تتحركان تارة يمينا وتارة شمالا...تتساءل عما يجعل آن واثقة من نفسها وصامدة امام معزوفة الرعب المهدِّدة  التي تعزفها الرياح في الغابة ، بينما هي تكاد تنوح كالثكلى في داخلها...
آن تجول بناظريها في الغابة ، هي لم تستمتع منذ مدة ولا تريد أن تضيع فرصة تواجدها هنا. وفجأة ، شيئ ما يعكر صفوة ابتسامتها المطمئنة، توقفت عن الحركة وبقيت تحاول استعادة رباطة جأشها... لاحظت رينا ذلك فتوقفت قربها ...
_علينا أن نسرع يا رينا...شيئ ما ، وهو ليس بالشيئ الجيد ، قادم نحونا! 
لم تفهم رينا شيئا مما تفوهت به آن للتو ، فقد قالت كل شيئ بالإنجليزية عن غير قصد على ما يبدو...
_آن؟ هلا اعدت ماقلته؟ فأنا لم أفهم غير إسمي ...يبدو انك متوترة ، فقد قلت ذلك بالانجليزية ، اي لغتك الام وهذا عن غير قصد، اذن انت متوترة ، وبشدة...
_هااه؟ لا شيئ محددا... علينا ان نسرع وحسب ، اشعر شعورا  غريبا ، هيا فلنسرع ...
_لن اتحرك مادمت لن أفهم ما يحدث..
رأت آن نفسها مجبرة على ان تشرح مايحدث معها لرينا ..
_اسمعي! بقد مر بي للتو ..قط أسود، وقد نظر في عيني مباشرة لبضع ثوان ، ثم غادر...اتعرفين مايعني هذا؟
انفجرت رينا ضاحكة وهي تقول:
_لا تخبريني انك...انك تصدقين خرافة  لعنة القط الأسود! ظننت انك اكبر من هذا ! وانت من كان يخبرني الا اصدق الاساطير قبل قليل؟!
  شعرت آن بالخجل ولكن سؤعان ما تفوهت بشيئ ما غير وجهة نظر رينا...
_اعلم انك ستسخرين مني، ولهذا اخبرتك بها...اذكر ،قبل يومين من  اجتيازي  لامتحان قبول الثانوية، مررت بقط أسود ، وقد حدق فيّ...كنت قد سمعت بالخرافة من قبل، ولكني لم اصدقها، كنت ذاهبة مع بعض الرفاق في المدرسة الى غابة قرب احدى البحيرات، لنستمتع قبل ان نفترق حسب ماقالته من اقترحت الفكرة ، اجبروني على الذهاب رغم اني لم ٱرد ذلك فانتهي بي المطاف أن اقبل لانها صديقتي منذ ايام الابتدائية. كنا فتاتان وصبيان في ذلك اليوم.  ذهبنا الى الغابة ، وافترقنا لفريقين، الاول  لجمع الحطب و  الثاني  المنطقة، وبالطبع ، ذهبت الى فريق الاستكشاف انا وصديقتي وحسب لان الاثنان الباقيان كانا جبانين وقررا جمع الحطب. افترقنا وذهبنا انا وهي لنكتشف المنطقة. تابعنا المشي واقترحت ان نضع بعضا من الطلاء  الاحمر الذي جلبته معي، على الأشجار كي لا نظل طريق العودة الى المكان الذي نصبنا فيه الخيمتين اللتان احضرناهما معنا. وصلنا الى بحيرة كبيرة تحيط بها اشجار عارية تصدر اغصانها صوتا مخيفا، فتكون منظر كئيب يخرج القلب من الصدر.  لمحت مصباحا يدويا فابطحت لاحمله.اتعلمين ماحدث بعدها؟
  شعرت رينا بكل شعرة تتحرك في جسدها ازاء القشعريرة التي تسبب بها خوفها وهي تقول:
_ ماذا حدث؟
_زلت قدمي عندما انبطحت ووقعت في البحيرة !
_مستحييييل!
_بل حقيقي! حاولت السباحة والخروج ولكن قدمي علقت بصخرة من صخور البحيرة العميقة . بقيت اقاوم واقاوم بينما ذهبت رفيقتي لطلب النجدة . قاومت وقاومت وقاومت الى ان استسلم جسدي لمياه البحيرة الباردة برود ثلاجات الموتى.
_ث..ثلاجة الموتى؟!
اجل ، ثلاجة الموتى! ، بدأت افقد السيطرة على اصغر اجزاء جسمي، نظرت بعيني من حولي وانا لا اقدر على الحركة، فقط عيناي من تتحركان فلمحت نفس القط الإسود الذي رأيته قبلاً، شعرت بالاستغراب، فكيف لقط ان يدخل هذه الغابة ؟ وبصعوبة بالغة، استطعت سرقة نفس أخير من الهواء ، قبل ان استسلم وأغوص بجسدي الهامد الى اعماق البحيرة..."انا هالكة لا محالة" ...ولم تمض بضع ثوان من اختفائي ، حتى رأيت جسدي يرتفع ويرتفع الى أن وصل الى السطح، وأخيرا ابصرت الضوء! انقذني احد الصبية الذين اتيت معهم  فورا بعد ان غاص الى البحيرة ليجدني . لم اتحرك لدقيقتين بعد اخراجي ، فقادوني الى المخيم ،ووضعني امام النار...لم استيقظ الا وانا نائمة على الارض ، لمحت النار بجانبي...كان هذا دافئا! ولكنه لم يكن سبب دفئي الوحيد...لم استطع الحركة حتى بعد استيقاظي..شيئ ما كان يغطي فمي! دافئ! شيئ دافئ...استيقظت فجأة وبدأت بالسعال كما لم افعل من قبل!
أمسكت صدري بقوة وجلست وانا التهم الهواء بشراهة... التفت حولي ، فوجدت رفاقي يحيطون بي ، جيني و  كلارك و لايت.كانت جيني  تبكي اما فرحا واما خوفا، نظرت اليها فإذا بها تقفز فوقي وتعانقني لدرجة خانقة.  حاولت النهوض ولكنهم منعوني بشدة، فرحت اصرخ بهم وانا لا اقوى على الصروخ ان كانوا يريدون رؤيتي اغير ملابسي امامهم ، فاحمروا خجلا ثم ساعدوني على الذهاب الى الخيمة حيث غيرت ملابسي وخرجت . لم اكن احمل سوى ملابس صيفية لأن الوقت كان صيفا ، فارتديتها وخرجت اليهم . جلست الى النار ، ثم حدقوا بي وانا ارتعد بردا.
_خذي وارتدي!  قال الفتى لايت وهو يعطيني قميصه . لم ينظر في وجهي حتى! فقط اعطاني القميص وهو يضع يده الاخرى في جيبه وينظر في الاتجاه الآخر .. لطالما كان عنيدا وبارد أعصاب ، إلا انه ذو ذكاء حاد . لم اعلم كيف قبل الحضور معنا فهو انطوائي.
_وماذا عنك؟ الجو بارد.
_أنت الباردة هنا! 
_كيف عرفت اني باردة يا ذكي بالرغم من ان جسدي دافئ تماما ؟
_ه..هذا...لا تهتمي، لاتريدين القميص؟ سآخذه اذن..
_مهلا ، هاته!
اخذته وارتديته فوق ملابسي السابقة...وبعدها...

سألت رينا آن بتوتر :
_وبعدها؟...
                                                                 ************************************************

  

 02 : ميراث الحمقىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن