الحلقة الأولى " إنّي اقترفتُكِ".

17K 364 137
                                    

#إنّي_اقترفتُكِ

[[الفصل الأول]]

_ شآبيب _

-------------------------------------------------------

إنه الخامس والعشرين من سبتمبر الخريفي لـ سنة 2015، قاربت عقارب الساعة على السادسة مساءً أيّ لحظة غروب شمس هذا اليوم العصيب .. كانت ليلة مشمولة ذات برودة مُعتدلة .. رست السُفن في الحال، فامتلأ الميناءُ بالبحارةِ والعابرين .. شآبيبُ المطرِ داهمت الفضاء من حولهم وبدأ السحابُ يبتلع الشمسَ إلى جوفهِ وبرز قوس قزح في الأفق بشكل آخاذ .. منظرٌ يستحق المُشاهدة وعون للتأمل والتدبر في حكمة الله على أرضه.

جلست هذه صاحبة القلب المُتألم إلى صخرة، تبعد مسافات كافية عن ضجة السُفن .. لمعت العَبرات في مُقلتيها العسليتين حُزنًا على ما آلت إليه الأمور بها .. فهي "آسيا ثابت الأسواني" ابنة مدينة المنصورة عن أبٍ يعمل كمعلمٍ لغة عربية وأم شاغلها الأكبر تعليمها والعناية بها وشقيقها التوأم. ظلفت على السابع والعشرين من عُمرها ولم تُقرر الزواج بعد، لأنها أعتقدت دائمًا بأن الزواج قرارًا مصيريًا يأتي عن اقتناع تام بالطرف الآخر وهي حتى الآن لم تقتنع بأحدهم كعونٍ لها. تخرجت من كُلية "التمريض العسكري" بعد دراسة دامت خمسة أعوام برتبة "مُلازم أول احتياط" .. أثبتت ذاتها وأصبحت ذات شأن معروف ومتميز من بين قريناتها. لم تكتفِ والدتها بتأنيبها بصدد هذا الموضوع بل صاحت بها صباح هذا اليوم تُخبرها بأنها أصبحت ضمن طاقم العنوسة الذي فاته القِطار.

يُقال أن مع التجانُسِ التآنسُ؛ هكذا امتازت علاقتهما فقد عشقها شقيقها التؤام الذي أنهى دراسته في إطار الهندسة المعمارية، لم تمنعه وظيفتهُ من البقاء دومًا إلى جوارها وخاصةً في أوقات ضعفها، فقد تآنسا بالوجدٍ الخالدٍ فوق كُل شيء.

وقف "آصف" إلى جوارها، يراقبها بنظرة حانية بينما تجلس هي في شرود تام، ورغم حالة الصمت الرهيبة التي احتلت الأجواء بينهما، تمكن هذا المشهد من تشتيت انتباهها، فتشخصت أبصارهما له .. مجموعة من الرجال بزيّ موحدٍ من اللون الأسود وسيارات تصطف بالقُرب من شاطيء النيل وهناك سيارة مُزينة بالورود الرقيقة تقف في زاوية مـا وسرعان ما نزلت عروس منها تتأبط ذراع زوجها وابتسامة كبيرة زينت ثغرها ثم اتجه الجميع خلفهما حتى إحدى البواخر الفخمة .. كانت الصحافة تملأ الشاطيء .. يبدو بأن حفل العُرس ينتمي لشخصٍ مهم للغاية .. ابتسمت في خفة  من حلاوة المشهد أمامها وما أن انتقلت هذه الزحمة إلى داخل الباخرة حتى تنهد "آصف" تنهيدًا ممدودًا بعُمقٍ ثم جلس إلى الصخرة بجوارها وبنبرة هادئة قال:

_ " هتفضلي ساكتة كتير؟!"

تشكلت على ثغرها، ابتسامة واهية لم تصل إلى عينيها .. أراحت خدها على راحتها ثم نظرت إليه في شيء من التماسك وقالت:

إنّي اقترفتُكِحيث تعيش القصص. اكتشف الآن