حسناً سأبدأ بالتعريف عن نفسي .. رغم أن هذا ليس ضرورياً .. و على الأغلب ما تريدون معرفته فقط هو أني ما زلت على قيد الحياة .. بصعوبة ...
أدعى جاد ، طالب علم فلك مهووس ، اشتركت ببرنامج التبادل الطلابي ، و أنا الآن في أحد أرياف بريطانيا ، لسبب أو لآخر دخلت مع دفعتي في مشروع لمراقبة السماء لشهر كامل ، لذا فنحن في مسكن طلابي بجانب غابة كبيرة ، محمية طبيعية إن جاز التعبير ، نذهب كل ليلة و ننصب الخيام و نضع الدراسات ...
كان الأمر مثيراً في البداية ، فمهووس مثلي يعشق كل تفصيل صغير كهذا ، لكن في ليلة قررنا التحدث عن السحر الأسود ! نعم كنا نشعر بالملل لهذه الدرجة ، و بسبب وجود عدة طلاب من بيئات مختلفة و ثقافات عديدة كل شخص تحدث بما يعرفه من ثقافته ، أنا تحدثت عن الجن فقط لأني لا أعرف سواها بهذا الخصوص ، و اختلفنا بعدها في التسميات و اتفقنا في النهاية على أن كل تلك المخلوقات الشريرة تدعى :
"Demons "
فقررنا المقارنة بينها و كان التشابه كبيراً في أغلب الثقافات ..
كان زميلي مايك أحد أشد المعجبين بهذه القصص ، و كنت أعشق صحبته ، كان منفتح التفكير و أيضاً واسع الخيال ، لعل فكرة أننا وحدنا من قدمنا من الريف من كل دفعتنا شددت الأواصر بيننا ، فسكان المدن لم يتعمقوا في قصص مشابهة ..
بعد تلك الليلة المشؤومة ...
اختفى مايك من السكن ... و على إثر هذا قامت ضجة كبيرة .. جاء رجال الشرطة و فتشوا جميع الغرف خوفاً من احتمال جريمة قتل .. لكن الغرفة الوحيدة التي أثارت الفزع هي غرفة مايك نفسه ! وجد رجال الشرطة العديد من أنواع البودرة محرمة البيع .. و الكثير الكثير من قصاصات الورق التي رسم عليها رموز غريبة ..
تم الارجاح على أنه كان يحاول فعل شيء ..
أسبوع كامل من البحث في الغابة و لم تجد الشرطة أي أثر له ..
مشكلته بحد ذاتها سببت الفزع للطلاب ، و ماذا إن قلت أيضاً أن بعد إختفائه بدأت حوادث غريبة .. فخمسة من الطلاب ادعوا رؤيتهم لظلال سوداء ، منهم من قال أنها تراقبهم من الشبابيك كل ليلة ، و أنها تتبعهم أينما ذهبوا .. و منهم من قال أنهم لمحوها تطير حولنا فقط و نحو السقف ..
بعيداً عن الخمسة هؤلاء ، وقع نفس الحادث لثلاث طلاب خرجوا فزعين من الحمام و أيديهم مليئة بالدماء ، و قالوا فقط أن الدماء خرجت من الصنبور بدل من المياه ...
قرروا تجميع أكبر عدد من الطلاب في نفس المكان ، و عدم السماح لأحد بالتواجد وحده ، تم تجميعنا في خمس غرف متجاورة ...
و في الليلة الثامنة من اختفاء مايك ، لم أستطع النوم ، فقد بقي حلقي جافاً ، لا يهم عدد المرات التي ذهبت فيها للمطبخ لترطيبه ، سيبقى جافاً ... حركتي المستمرة للمطبخ وضعت بعض الشكوك حولي ، حتى أن معظهم أبعد فراشه عني ! لم أفهم لِمَ ؟ لكن أخيراً صرخ أحدهم :" الريفيون دائماً يسببون المشاكل ! " .. أزعجتني عبارته و بدأنا بالمشاجرة ..
خسرت فيها طبعاً ..
فقد لكمني بقوة ، مما تسبب بنزيف ، هلعت لتنظيف الدماء من فمي ..
لكن لحظي لا يوجد .. فتحت كل الصنابير لكن بلا فائدة ... لذا قررت المخاطرة ..
و الخروج من السكن و أخذ بعض المياه من الخزانات الخارجية ..
رجال الشرطة كانوا يحيطون بالمكان لذا لم أخف ، لكني تسللت خوفاً من المساءلة عن ما حدث لأسناني ..
وجدت دلواً فيه ماء فأسرعت بتنظيفها .. كنت على وشك الرجوع لغرفتي إلى أن سمعت صوت مايك يناديني ..
ارتعدت ... لكني تحركت لا تلقائياً تجاه الصوت ...
عثر على مصباح يدوي في طريقي .. يبدو أنه كان مع مايك قبل اختفاءه ، لحسن الحظ كان يعمل ، كأنه وضعه من تلقاء نفسه لا أسقطه ..؟
سيري لم يكن موفقاً .. فقد كنت أرتدي بيجامة .. كل غصن يعيق حركتي ...
سمعت صوت شيء يتبعني .. تجمدت في مكاني .. حاولت النظر خلفي .. لكن الصوت صار بجانب أذني .. تنفس ببطء .. أحسست بقشعريرة .. كأن شيئاً سال على كتفي ... لم أستطع التحمل لذا هلعت راكضاً للأمام من دون علم لأين وجهتي ...
و حدث ما لم يكن في الحسبان .. تعثرت بجذر شجرة ، و سقطت في حفرة مظلمة .. لكن السقطة لم تكن بالقوة التي توقعتها .. و كأنني سقطت على شيء مبطن ... تحسست باحثاً عن المصباح لكن شيء جرح يدي .. وجدت المصباح أخيراً ...
شغلته ، و انعكس ضوه على قطع زجاج محطم ، كان الزجاج يملأ الحفرة ... انتصب كتفاي رعباً .. إذا كانت الحفرة مليئة بالزجاج فما الذي سقطت عليه ؟!
ليتني لم أسأل ... وجهت الضوء لأسفل مني ، و رأيت ما جعلني أريد تقيؤ كل شيء أكلته ...
كانت جثة مايك .. وجهه متحلل قليلاً ... و كانت أشياء خضراء تغطيه .. لا أريد معرفة ما هي ..
و كان على صدره كيس صغير ، مخيط يدوياً .. التقطت الكيس و كانت رائحته كالبارود .. سمعت صوتاً من كل مكان " اقتله ! "
قلت و لا أعلم لمن :" لكنه ميت بالفعل ! "
زجرني الصوت :" كلا ! ما زال حياً اطعنه في صدره ! "
ترددت في التفيذ ، لكن الصوت ارتفع و زمجر بقوة ، لدرجة أنني ظننت أن رأسي سينفجر ...
أرجعت الكيس الغريب مكانه ... و أمسكت إحدى قطع الزجاجقبضت على القطعة بكلا اليدين .. تقطعت أصابعي لكني لم أهتم بسبب الرعب الذي حل بي .. فإن لم أنفذ ما يقوله الصوت فحتماً سيكون مصيري مشابهاً لزميلي ...
رفعت يدي عالياً و ضربت صدر مايك بأقوى ما عندي .. انفجر صدره و أخرج غازاً قوياً .. و كأني سمعت صرخة من صدره ...
قال الصوت :" أحسنت أحسنت " و بعدها تلاشى بضحكة غريبة ...
أصابعي تقطع و فقدت احساسي فيها ..
رجعت مرعوباً و فاقد الأحاسيس إلى المسكن ...
أخبرت الشرطة أني وجدت جثته ..
لكن لم أخبرهم عن الصوت أو الطعنة أو أي شيء ..
لعل هذا سبب اضطرابي حالياً ..
فأنا أموت بسبب الصراع في رأسي ... أحاول الانتحار .. لكن لن يسمحوا أبداً .. فهم في كل مكان .. ينظرون إلي .. يتبعونني .. يتربصون بي .. مزعجون بحق .. لكن لا أستطيع التخلص منهم و من شرورهم .. فهم يتبعونني من بعد كسري للختم الذي كان يأسرهم ...
لن يكون موتي سهلاً أبداً ...