أخي ..

420 37 2
                                    


  ولدتُ في عائلة فقيرة من أم و أب و أخ أكبر معاق ! لم يكن معاشهم يكفي لاثنين مع ذلك ولدت ..
أخي الأكبر كان محور الكون عندهما .. لا يهتمان إلا به ! لا يران غيره ! لا يعرفان حتى بوجود أحد غيره ! ستبرر تصرفهما فقط لأنه معاق و غير قادر على الإعتناء بنفسه ! لكن أنا لم أقبل ذلك التبرير ..
كنت طفلاً نابغة بصحة جيدة و أفكار مبدعة .. لكن قدر ما حاولت جذب إنتباه أهلي لم ينتبهوا إلا له .. كنت الأول على صفي في المدرسة ، و أحصل على العلامات الأعلى دائماً ، كانت المدرسة فقيرة و بسبب ذكائي قررت الحكومة تدريسي على حسابها ..
لكن كنت أعلم أن السبب الرئيسي هو أخي المعاق فأهلي يصرفون عليه كل أموالهم و أيضاً لا تستطيع الحكومة عدم الصرف على عائلة لديها طفل من "ذوي الإحتياجات الخاصة" !
كان زملائي يكررون عبارة :" لا تغتر بنفسك فقط لأن الأساتذة يشفقون عليك " .. أينما أكون يكون أخي محور كل شيء ...
استطعت الإنتقال إلى مدرسة خاصة في عمر مبكر بسبب ارتفاع مستواي الأكاديمي عن باقي طلبة الصف .. رغم أنني كنت مثال الطفل العبقري المعجزة إلا أنه لم يهتم أهلي قط ! ..
بعيداً عن المدرسة ، ما يحدث معي في البيت شيء آخر ، أدير أموري بنفسي ، أعتمد على نفسي في كل شيء ! و كأنني مجرد شبح في البيت ...
و أتذكر مرة عندما كنت أصغر أني حاولت اللعب مع أخي ، لكن جاءته ذبحة صدرية قوية .. مما جعل أهلي يهرعون إليه بسرعة و يحجزونه بعيداً عني ... هم قاموا فقط بدفعي عن طريقهم كما يفعلون دائماً ...
تخرجت بمعدل عالٍ .. و درست في الجامعة مجاناً بسبب المنح التي أحصل عليها كل فصل ... لكن لحظة ! لم أدع أي أحد يعلم أي شيء عن أخي و عن عائلتي .. شكلت ذاتي لوحدي بعيداً عن قريتي و عن أهلي و عن كل من يعرفني ... كنت في عيون زملائي ما أريد أن أكون ... عشت في مسكن طلابي بعيداً عن أهلي .. و كأنني تحررت من قيود حياتي تلك ..
كنت فرحاً جداً .. و بعدها استطعت الحصول على وظيفة فور تخرجي ... قطعت أخباري عن عائلتي .. لا أعلم ماذا يجري معهم و هم لا يعلمون ما الذي يجري معي .. كنت في حرية مطلقة و نجاح باهر .. أتلقى المدح أينما أذهب .. كانت حياة مثالية بكل تفاصيلها ! كنت أعشقها ...
رغم شعور صدري بالألم لأني منفي فقط عن أهلي ...
و أيضاً حدث شيء ..
جعل عائلتي تتذكر وجودي لبضع دقائق ... لكن تلك الدقائق كافية ...
اتصلوا علي في يوم " لقد توفي أخوك قبل يومين " ..
حسناً هم تذكرونني لكن بعد حدوث الفجع !
و أيضاً بعد يومين ! أي آخر يوم في العزاء !
أي كنت من البداية لا أعني شيئاً لهم ..
قررت الذهاب في اليوم التالي من اتصالهم ..
إلى قبر أخي فقط ..
وقفت أمام قبر أخي و ألقيت باقة زهور ..
ثم قلت :" أتعلم ؟ لقد كرهتك ! كرهتك أكثر مما كنت تظن ! كانت تزعجني ابتسامتك و يزعجني تفاؤلك و يزعجني كل شيء يخصك أو يدور حولك ... لكن هذا الكره لم يعد شيئاً يعتبر ... لأني فقط كونت نفسي بعيداً عنك .. "...
أسقطت بعض الدموع و لم أعد بعدها لزيارة قبره أبداً ..  

مجموعة قصص قصيرةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن