توارى النهار واضمحل النور ولمت الشمس وشاحها عن الافق تاركة المجال لذلك القرص الصغير الذي انسكبت اشعّته على بياض الاعمدة الرخامية الممتدة على كامل الممرّ...
كان الهدوء في تلك الساعة, سيّد المكان,بالكاد تسمع اصوات محتفلي الليل الذين يعزفون الالحان كل ليلة,مختبئين وسط تلك الحديقة الغنّاء التي كساها رداء من الحشائش الخضراء تتوسطها بحيرة صغيرة يلمع مائها مثل الفضة تحت نور القمر,ترقص على ألحانهم زهور البنفسج والقرنفل والياسمين...
لكن شيئا من ذلك السحر استطاع التأثير في اللذين كانا يجرّان الحقائب منهكين وقد اقترب النعاس يداعب حواسهمها ويتعب اجفانهما من اشباح اليقظة...فقد كانا يمشيين في ذلك الممر يكرران مجموعة من الأرقام حتى قال الفتى"ها هي رقم 27, فلندخل"
دلفا الى الداخل ببطء شديد ثم طفقا يجولان بأبصارهما في ارجاء الجناح الى ان حطّت الفتاة ببصرها على سلال كبيرة ملأت بسكويتا وشكلاطة أنستها الإعياء التي هي فيه فركضت في اتجاهها وبدأت تأكل بشراهة شاردة اللّب او بالأحرى عائدتا الى ماضيها متذكرتا كيف كانت تجلسها امها على منضدة المطبخ بقربها وتعد لها البسكويت بكل حبّ,فرغم تواجد الخدم والطباخين إلا ان الملكة تفضل اعداد البسكويت بنفسها صحبة ابنتها الرقيقة التي قد تنسى كل شيء من حولها حين التقائها بعشقها "البسكويت"
عديدة هي الكوارث التي تسببت بها تلك الشقية في المطبخ,حطّمت آلات,هجمت على خدم وطباخين...ولعلّ أقلها اهمية هي عندما تسببت في اتلاف عجينة كعك اعدت لحفل سيضمّ 2000 شخص...كيف ذلك? كانت الملكة تحاول باستمرار ان تجعل من ابنتها فتاة نشيطة مبادرة تحب المساعدة لكنها لم تحسب حساب انقلاب ذلك عليها يوما,فتلك الشقية لم تكن لتستوعب متى بامكانها المساعدة ومتى لا او ربما لم تستوعب فكرة رفض احدهم لمساعدتها له, كلمة "لا" او "لن تستطيعي فعلها" هي محفّز كافٍ بالنسبة لها لتقلب المكان رأسها على عقب وهذا ما حصل للعجينة,فقد ارادت المساعدة شريطة أخذها بعض الكعك لنفسها لكن الطباخ رفض ذلك مرارا وانتهى به الامر يعد شطائر سريعة للضيوف....
"ماين!ماين!" تكرر النداء باسمها بصوت ضعيف وكأنّه يصلها من قاع البئر,حتى ضرب زلزال عنيف المكان....
أنت تقرأ
مخلّفات ماضٍ
Fantasyنعود بأفكارنا لزماننا ونفتش بين ثنايا الضحكات عن سعادتنا، وتأخذنا الأحاسيس إلى أحلامنا، ونرى الثواني تمضي من أمامنا، ولا تزال نفس المشاعر فينا، ودفاترنا لا زالت مملوءة برسم طفولتنا ومقاعدنا لازالت تحوي دفء حكاياتنا. لكن شيئا لا يبقى على حاله...يرون...