في نهاية اليوم و قبل المساء مر جو لاصطحابها..
جو اثناء سيرهما معا:" ها ايه؟ النظام؟"
شهد:" لا تمام.. و حنان دي طيبة و جدعة اوي"
جو:" انتي هتحكيلي عن حنان؟! محدش استفاد من جدعنتها قدي"
شهد فجأة:" هو مفيش فعلا اخبار عن عدوي؟"
جو باستياء وملل:" ارحميني يا شهد..مش كل تفة زوزو تتفها.. تعملي منها قصة"
شهد:" اصل بيقولوا انه مستحلفلنا... و.."
قاطعها بعصبية وامسك بذراعها :" مين اللي بيقولوا؟ انتي شفتي مين ؟!!"
تراجعت برأسها للوراء وقالت:" والله ماشفت حد.. دي زوزو الي قالت..جات امبارح.. سيب ايدي!"
ترك ذراعها و صاح بصبر نافذ:" يعني امنعك كمان انك تقابلي زوزو؟!ولا اعمل ايه؟"
شهد محاولة ان تخرج صوتها الذي هرب فزعا :" طب افرض كلامها طلع صح؟"
جو:" يبقي احسن! انا مستنية عشان اموته بقي المرة دي.. ارتحتي كده! اتهدي بأة و سيرة اي زفت مش عايزة اسمعها!"
قالها و مد في خطوته يسبقها في عصبية.. فذهبت ورائه سارحة تفكر..
***
كان جو يستعد للخروج و شهد تتابعه في قلق...
كان يشعر بنظراتها تتابعه و كانها ترغب في قول شيئا ما..
التفت اليها وقال:" مالك يا بت مش علي بعضك؟"
شهد و هي تقضم اظافرها في توتر:" لا.. مفيش.. انت هتغيب؟"
جو:" زي كل ليلة؟ من امتي بتسألي؟"
شهد:" لا ..عادي"
جو:" لا مفيش.. لا عادي؟! مالك عاملة زي الستات المأموصين من اجوازاتهم كده؟؟! الا تكوني مأومصة من حاجة؟"
شهد ببرود:" هتقمص من ايه يعني؟؟.. ولا انت اصلا جوزي؟؟.."
فاقترب منها وقال بنبرة حانية:" امال مالك؟"
شهد:" اقولك و ما تزعقش؟!
ابتسم و هز رأسه بنعم
شهد:" بصراحة خايفة.. خايفة اعد لوحدي"
جو وقد تراجع للخلف وبدي عليه الغيظ:" وطبعا عايزة حدي يعد معاكي يونسك... و يا حبذا لو حمادة.. "
شهد بعد ان فكرت لوهلة:" هو انا مجاش في بالي انا كنت هقولك خدني معاك ..بس كده فكرة احسن"
جو:" انتي اصلا هتنامي دلوقتي.. بذمتك مش تعبانة؟؟..دانتي شغالة من الصبح و صاحية بدري"
شهد بعيون راجية:" النوم طار من الخوف.. "
اخذ جو نفس عميقا.. ونفثه.. لكي يتمكن من السيطرة علي نفسه.. كان احتوائها بين احضانه الان هو امر حتمي و قد جاهد نفسه بقوة لكي لا يفعل..
لا يمكن ان يتركها تخاف او تخشي شيئا.. لا مفر من حمادة الكلب..
اتصل به و اخبره ان يأتي ، و اصابه الغل حين وجد رد فعل حمادة السعيد جدا..
قبل ان يصل حمادة .. قال جو:" اشمعني الليلة يعني خايفة؟"
شهد ووهي متوجسة بعيون حزينة:" هتعتبرني جبانه لو قلتك من عدوي؟ انا اه جامدة و بدافع عن نفسي.. وعدوي بذات اكتر واحد اذيته في حياتي.. بس برضه خايفة.. خايفة من يوم ما يرجع"
وضع جو يده خلف رأسها و ربت عليها و قال:"اولا انتي مش جبانة انت اشجع بت شفتها في حياتي.. بس انا مش عايزك تخافي ابدا.. طول مانا معاكي متخفيش.. دانا حتي اهه جيت علي نفسي و بعت جبتلك الزفت حماده عشان محتسيش انك لوحدك"
تسائلت شهد:" جيت علي نفسك؟؟!"
ادرك جو انه استطرد في كلام لا يُقال..
قام من مكانه وتظاهر بعمل شيء لا معني له بادراج الملابس..
اخيرا وصل حماده ..وقبل ان تطأ قدمه للداخل..دفعه جو للخارج بقوة للتحدث بعيدا عن شهد..
حمادة:" ايه المقابلة العنيفة دي؟"
جو:" اسمع يا له.. انت تعد محترم.. دورك تخلي بالك منها بس! مش جايبك تسليها .. "
حمادة بغباء: " يعني ايه؟"
جو:" يعني ياروح خالتك مش عايز هزار و مرقعة... و ورحمة ابويا و امي لو مبطلتش مزة و قمر و ضحكتِك معرفش ايه.. والكلام الهابط بتاعك ده.. لكون مكدرك و موريك معاملة زي وشك"
ابتسم حمادة ابتسامة عريضة تحولت الي ضحكة و هو يحدق بعيون جو اثناء حديثه وقال:"خلاص يا حج.. المعلومة و صلت..في ناس بتغير..فهمنا"
جومعترضا:" بغير ايه يا بغل انت؟ انتوا ركبكوا عفريت كلكوا اسمه بغير؟؟! انا مبحبش قلة الادب بس"
حمادة:" انا جيبت سيرتك؟!.. انا قلت فيه ناس.. خدتها علي نفسك ليه؟؟.. عموما متقلقش علي المزة معايا"
قالها و ابتعد عن مرمي يد جو و هو يضحك..
فقال جو بغل ممزج بسخرية:" انا عارف هاجي الاقيها مغمي عليها من الضحك و مسخسخة.. حكم اصلك طِعِم اوي.. ولذيذ خالص" كان يتصنع الرقة مقلدا الفتيات في اخر كلمتين..
دخلا معا..فاقتربت شهد مبتسمة لتحيي حمادة..
شهد:" ازيك يا واد؟"
فقال حمادة بطريقة جادة مقتضبة ومخفضا بصره للارض في محاولة للسخرية من جو:" اهلا يا انسة شهد"
عقدت شهد حاجبيها و التفت الي جو و قالت مشيرة الي حمادة:" مين ده؟"
فقال جو:" ده حمادة المؤدب.. متعدل لسة ..لو قال حاجة غير الكلمتين دول الليلة بلغيني.."
ضحكت شهد ضحكة جملية مما جعل كليهما يبتسمان في سعادة لانهما السبب في تلك الضحكة..
وبعد توصيات عديدة ذهب جو متأخرا الي عمله وهو يسب و يلعن في اللي كان السبب..
***
امضي جو وقته اثناء العمل في عدم تركيز تام.. اكثر ما كان يسيطر علي فكره هو ماذا تفعل شهد مع حمادة الان؟؟.. كانت الكلمات تتردد في رأسه بصوت اصحابها..
شهد:" اصل انا ميدخلش قلبي قد الناس اللي تعرف تضحكني"
حنان:" لما تيجي فيوم تقولك بحب و احد.. و لا واحد بيحبها يطلبها منك.."
حمادة:" طب متبيعهالي !"
كيف فعل هذا بمحض ارادته و اتي بحمادة ليمضي الليلة جالسا معها؟!! ماذا اصابه ليسمح بامر كهذا؟؟!!!
كاد ان يجن من التفكير.. وبدا عليه انه مشتت الذهن..
"جو حبيب قلبي!"
كان هذا صوت احد الاصدقاء، افاق عليه جو من شروده..
جو:"اهلا.."
الصديق:" ازيك كده؟ واحشني يا واد"
جو:" انا مرزوع هنا كل ليلة.. انت اللي فين؟"
الصديق:"انت عارفني بذهق بسرعة و احب اغير الاماكن.. اخبار المزة ايه؟ اهي دي الحاجة الوحيدة اللي كانت بتجيبني هنا كل ليلة.. بصراحة كانت حركة تغيير من عطا في الجون.. انت مبتجيبهاش معاك ليه؟"
اخذ جو نفسا عميقا.. استعدادا لحوار حارق للدم مع هذا الصديق ، قال ببرود يخفي إنصهار:" واجيبها ليه؟ ماهي عندي في البيت.. هتبقي في البيت و في الشغل؟"
الصديق وقد احس بنبرة عدائية من جو فقال متراجعا كي لا يغضب صديقه:"لا حقك .. حقك يا راجل.. دانت خدتها بالدم.. كفاية الواد عدوي اللي انضرب بالنار.."
ضم جو شفتيه في ملل..
فاكمل الصديق:" بس حرص بقي عليها و علي نفسك.. بيقولوا انه اتجنن و مبيفكرش في حاجة غير يقوم و يموتكوا"
ابتسم جو ساخرا:" ياريت يقوم و يوريني نفسه.. و ابقي وصل الكلام ده للي ماشيين بيقولوا دول اللي انا مش عارف همة مين.. بس والنبي قلهم يمكن يقولوله.."
ربت الصديق في حماس علي كتف جو قائلا:" قدها و قدود يا جو.."
ابتسم له جو ابتسامة صفراء.. تحمل كل معاني الضجر و عدم الاحتمال و قرب لحظة الانفجار..
انصرف عنه ذلك الصديق بعد ان شعر ان وجوده غير مرغوب فيه الان ، تاركا جو سارحا.. الان يشعر ان و جود حمادة مع شهد لهو امر غاية في الاهمية.. بعكس ما كان يفكر قبل لحظات!! تجمد عن التفكير للحظة قبل ان يدرك ان وجود شهد نفسها في حياته لهو امر مثير للجنون.. لقد اصابت عدوي بالجنون و علي وشك ان تصيبه هو بدوره!!
***
عاد الي المنزل يجر قدميه.. لا يرغب في مواجهة مشهدا بين حمادة و شهد قد يصيبه بازمة قلبية.. لم يكن في مزاج لتحطيم رأس حمادة..
اقبل علي البيت متوقعا ان يجدهما جالسين في الخارج مع شيشته يتضاحكان.. و لكنه لم يجد احدا.. لسبب ما لم يسعده الامر.. بل مد مسرعا ليري ما سبب ان اضاءة المنزل خافتة و الباب مغلق و لا صوت واحد لضحكة او حتي كلام.. كانت ظنونه كلها تتجه اتجاها نهايته ستكون جثة حمادة، ودماءا علي يده هو..
دفع الباب و دخل في عنف و انار النورموجها بصره الي السرير، ليجد الغرفة خالية تماما..
وقف لبرهة لا يدري ان كان سعيدا لان كل ظنونه قد تبخرت.. ام انه قلقا بشدة لاختفائهما..
امسك هاتفه واتصل بهاتف حمادة و ما ان سمع صوته حتي هتف قلقا:"انتوا فين يا حمادة؟!!! "
وما ان جاءه الرد حتا انفجر صياحا:" بتهبب ايه بيها عندك الساعة دي؟!! مين اساسا اذنلك؟!! بتفسح يا روح امك معاها؟!! متاخدها بيتك احسن! تتوِجدوا قدامي حالا!.. دانت هتشوف ايام سودة !"
جلس علي عتبة الباب في انتظارهما.. كان انفعاله لا يهدأ.. اخيرا لمحهما قادمين عن بعد.. بدا عليهما التوتر ..كانا يمشيان مسرعين.. لفت نظره ان حمادة يمسك ذراع شهد بيده ليسرع من خطوتها.. و بدا علي وجه شهد الذعر .. حسنا لقد كانت المكالمة ذات تأثير مرغوب فيه.. احسن!..
اقبلا عليه يلهثان..ووقفا امامه كطفلين مذنبين في ترقب العقاب..
قال حمادة مبررا:" كنا جاعنين.. خدتها معايا نجيب عشا..وبعدين قلنا نعد ناكل.. يعني كنت اسيبها لوحدها وتيجي بعد كده تقولي سبتها ليه؟"
شهد وقد اصفر وجهها وقالت تستسمحه:" مجراش حاجة ياجو.."
كان جو ينظر اليهما مستمعا و علامات الغضب علي وجهه.. كان صامتا ..
حمادة ومازال يبرردون يسأله جو :" انت عندك حق.. كان لازم ابلغك بالتليفون عشان متجيش تلاقينا مش في البيت.. بس مجاش في دماغي ساعتها"
وضعت شهد يدها علي صدر حمادة وربتت عليه قائلة لجو:" و الله ده كتر خيره.. انا كنت واقعة من الجوع"
رفع جو حاجبه معترضا وهي يركز بصره علي يد شهد الموضوعة علي صدر حمادة.. كان يرغب ان يحرقهما بنظره..كما احرقت تلك الحركة قلبه..
ازاح حمادة بسرعة يد شهد بسرعة عنه.. كان يقراء افكار صديقه من خلال نظراته..
نطق جو اخيرا موجها حديثه لشهد:" من امتي يعني بيهمك الجوع.. مانا لساني بيتدلل عشان تطفحي اي حاجة و مبترضيش؟! ثم انا قلت مفيش خروج.. هتكسري كلامي هكسر دماغك!"
شهد بابتسامة خائفة و ظانة انها في محاولة لتهدئة الجو:" مانا.. مانا قلت انت لما تلاقيني خارجة مع اخوك و حبيبك حمادة.. مش هتزعل.. و بعدين مش انت عايزني اكل؟.. ادي حمادة اهو فتح نفسي علي الاكل.."
كانت مع ذكر اسم حمادة في كل مرة تضع يدها علي كتفه او ظهره في اشارة اليه.. و كان حمادة ينظر الي جو في توجس و يزداد ارتباكا..
ادرك جو ان حمادة بالفعل يشعر بالذنب.. بدي عليه الامر.. كما انه يدرك تمام الادراك ان الامر فات علي حمادة و لم يتعمد ان يذهب بشهد للسوق دون علمه.. ولكنه مازال غاضبا.. مازالت رؤية شهد و هي تلمس حمادة "بتكهربه".. وقول شهد للتو عن ان حمادة "يفتح نفسها" جعله يريد ان يفتح رأسيهما..
اغمض عينية ورفع حاجبية في استياء واخذ نفسا عميق ليهدأ ،ثم نهض قالبا شفتيه في امتعاض وتوجه للدخل تاركا كليهما ..القي نظرة احتقارلهما قبل ان يدخل و يصفق الباب..
قال حمادة بصوت خفيض لشهد:" ادخلي انت بقي.. انا همشي"
امسك شهد بذراعه و قالت بذعر:" هتسيبني؟! ده هيموتني لو دخلت وراه"
انزل حمادة يدها من علي ذراعه و قال:" متخفيش.. قلبه مش هيطاوعه.. و بعدين ابوس رجلك.. خفي ايدك دي.. الواد مش مستحمل.."
حدقت به شهد فاتحة فمها في غباء..
فعاد ليقول:" جو مبيحبش لاتلمسي حد و لا حد يلمسك.. حتي لو انا.. واضحة كده؟! خشي بقي شوفي هتعملي معاه ايه؟ ربنا معاكي.."
وهرب مبتعدا.. فقالت شهد:" اه يا ندل.."
وفتحت الباب برفق و دلفت الي البيت في قلق و توجس..
وجدت جو قد اتخذ وضعه المعتاد في السرير.. مستلقي وظهره لها..
فكرت لوهلة ان تحاول مصالحته.. و لكن ما ان اعادت ما حدث للتو في رأسها حتي احست بشعور لطيف ، برغم التوتر الشديد الذي مرت به..كانت في النهاية مستمتعة الي حد ما.. لاحظت ان رد فعله بدا مختلفا لم ينهرها، لم يكسر راسها كما قال.. بل غضب و نام "مقموصا" .. و ما قاله للتو حمادة عن ضيق جو من قصة التلامس هذه.. لقد اعجبها الامر.. تذكرت شعورها هي و هي تري زوزو تقترب منه و تضع يديها عليه باستمرار.. ان كان هذا شعورك يا جو.. فلتنم مستمتعا به.. كما امتعتني من قبل!
استلقت علي فرشتها شاعرة بالرضا و الانتصار ..
اما جو فلم يغمض له جفن.. شعر بها و هتدخل سمع اصوات استلقائها علي الارض.. تمني ان تحدثه و لو كلمة.. تخبره ان حمادة لا يعني لها شيئا.. انها لا تقض معه افضل لحظات حياتها.. ان ابتساماتها له مجاملة.. وان يديها لن تلمسه مرة اخري..
كان يدرك انه تصرف بطريقة مختلفة الليلة.. ظلل يردد لنفسه ان الامر ليس ضعفا، بل قمة القوة.. فلو انه ترك نفسه لطبيعته.. لكان ندم اشد الندم صباحا علي جرائم القتل الشنعاء..