الفصل السابع عشر

10.9K 274 2
                                    


دخل جو على حنان في سرعة، وجهه باهتا و عيناه زائغتان.. لم يكن يعرف اين عليه ان يتوجه .. لذا ذهب الي حنان لكي يستفهم عن تفاصيل الامر .. و يفكر بهدوء في ما يمكن فعله.. ذلك الامر لم يكن في الخطة تماما..
لم يكن تماما..
كانت تبكي و حالها حال.. بدي علي وجهها اثار لكمة في العين..
يوسف بهدوء محاولا ابقاء عقله في رأسه حتي يمكنه استخدامه في التفكير:
"اوصفي بالظبط يا حنان اللي حصل.. بكل تفصيلة!"
حنان بارتباك:" كانوا اتنين.. واحد فيهم اسمه سليم.. شهد فضلت تشتم فيه و همة بيجرجوها... بس هي يا حبيبتي قاومت جامد اوي.. و اول لما التاني الرفيع ده اداني في وشي عشان بحاول اخلصها.. ز ي ميكون ركبها عفريت و فضلت تشوط و تلطش.. لحد برة في الشارع سامعة صوتها هي بتصرخ و تشتم.. اااه ه ه يا حبيبتي يا شهد" وانفجرت في البكاء..
جو متماسكا يمنع نفسه من العويل هو الاخر :" طب بس اهدي شوية... فهميني .. كان معاهم ناس تانية؟؟ وتعرفي توصفي الرفيع ده اكتر شوية.."
حنان:" كان معاهم عربية و فيها سواق وراجل تالت قاعد قدام جنبه... شفتهم من الشباك.. و الحيوان الرفيع اللي ضربني ده.. قلة كده.. بس ايده جامدة اوي.. هو كده لابس غيرهم.. بدلة كده شياكة اوي.. اه .. ووشه شكله مخبوط"
جو:" مخبوط زاي؟"
حنان:" مبقع ازرق واحمر كده .. كانه وقع او اتخبط في وشه.."
جو سارحا:" او انضرب!.. " ثم اكمل وهو مازال سارحا مفكرا:" سليم و عصام.. ايه الي لم الشامي عالمغربي؟؟"
حنان:" طب اشركني معاك.. يمكن افيدك.."
***
وقف الخواجة يشرب من كأسا وهو يتفحص شهد في مخزن صغير مليء بالمهملات و الصناديق..
كان معصميها مربوطان الي الخلف.. بدأت تتوجس حين رأت الخواجة.. لقد ظنت في باديء الامر ان قصة الاختطاف هذا لها علاقة بالمعلم مرعي حين رأت سليم.. ظنت انه مجرد استرجاع لها.. لذا لم تشعر بالتهديد الشديد فهي تعلم قدرها عند المعلم مرعي و تدري انه في النهاية مصلحته في الابقاء عليها.. حتي وان اذاها قليلا.. كما انها تعرفه جيدا صارت لا تخشاه وتعرف اخره..
ولكن الان مع وجود الخواجة.. الامر غير مفهوم تماما!
هل له علاقة بجو؟؟ لم يهتم بها الخواجة؟؟ و يطلب من سليم (رجل مرعي) و عصام (رجل الريس عبود) جلبها اليه بهذه الطريقة؟؟ مالذي يجمع كل هؤلاء؟؟
ادركت ان ما يجمع بين سليم و عصام هو حقدهما علي جو... هل يتم استخدامها كطعم لإذلال جو؟؟ ولكن ما دخل الخواجة بالامر؟؟ كانت غير فاهمة .. خائفة.. الان هي خائفة! ليس علي نفسها .. و لكنها ما ان شعرت أن الامر قد يمس جو.. بدأ الخوف يتسرب اليها.. تذكرت الكابوس حيث مات جو بين ذراعيها..
الخواجة باسلوبه البارد :" شهد.. انا سمعت اسمك الفترة اللي فاتت اكتر ما سمعت اسمي!"
شهد وقد قررت اللعب علي الهادي :" ده شرف ليا يا ريس ان اسمي يتقال في حضرتك.. هو في ايه؟؟"
الخواجة:" احنا عيازين نسألك كام سؤال كده.."
شهد:" انت تؤمر يا ريس..انت لو كنت شاورتلي بس و قلت بت يا شهد.. كنت جيتلك جري من نفسي .. مكانش ليها لازمة البهدلة دي.."
تجاهها الخواجة وسأل بهدوء:" رحتوا انتي و جو للشيخ فريج تعملوا ايه؟؟ "
شهد بحماس:" بتاع الساحل؟! دي كانت شورة مهببة يا باشا.. قال جو قالي تعالي اما افسحك في ارض الساحل الي عندي.. وحنا راجعين تهنا.. قام رجالة الشيخ قفشونا.. و الشيخ فريج ده .. خسارة في امه الاسم.. طلع عينه زايغة .. وانت سيد الفاهمين يا ريس...ده ولا شيخ و لا نيلة.. قمنا سيبنهاله مخضرة و مشينا.. اه يا باشا ده كله الا الشرف.. "
كسر الخواجة الكأس (الكريسال ) الذي كان في يده قرب قدم شهد.. اجفلت هي فقد كان سريعا و مفاجئا..
نظرت الي الكأس المكسورة علي الارض ثم الي الخواجة و قالت متصنعة البلاهة:" هو الشيخ فريج ده قريبك؟!! قصدي سعادة البيه الشيخ فريج!.."
اقترب منها الخواجة و امسك بخصلة كبيرة من شعرها وجذبها بهدوء و لكن بقوة مما الم شهد بشدة و قال ببرود:" مبحبش الكذب! موتي و سمي الاستعباط!!"
شهد متألمة :"ان شالله اعدم عنيا .. كل اللي قلته حقيقي.."
الخواجة بنصف ابتسامة:" هتعدميهم .. متقلقيش!"
ترك شعرها و عاد يسأل:" مشاويركم للسفارة ... ليه؟ لأ خليني اسأل سؤال اوضح.. هتسافروا ليه؟؟ لمين؟؟ "
شهد:" والنبي يا ريس انا زيي زيك.. معرفش.. جو بيسحبني زي – اسم الله علي مقامك- البهيمة يقولي تعالي هنا ..اروح.. ابصمي هنا .. ببصم، اصلي لامؤاخذة مخدتش نحو الامية.. حتي الابصر ايه البتاع اللي اسمه .. البابازور.. و للا.. البازابور.. قالي ده اللي هخيلينا نسافر البلد دي اللي اسمها (---).. لكن نسافر ليه؟؟ علمي علمك.."

الخواجة بقليل من الانفعال وقد لاحت نبرة غضب في صوته :" يعني مش عارفة ان (--) دي اكبر بلد بيوصلنا منها سلاح متهرب!! انطقي يا بت و قولي بتعملوا شغل من ورايا مع معين؟؟ و لا بتعملوا لحسابكم؟؟ جو باع الاراضي عشان يمول شغله؟؟!! بيقرطسني و يشتغل من و رايا؟؟!!!"
شهد مذهولة:" سلاح؟!! يا ساتر يا رب .. لأ .. سلاح ايه؟! و النبي يا باشا معرف حاجة عن حكاية السلاح دي"

صفعها الخواجة صفعة عنيفة و قال غاضبا:" قلت مبحبش الكذب!"

تلقت شهد الصفعة.. و البقية متوقعة.. وكأنها الزر الذي يحولها لوحش الركلات.. ولولا ان ذراعيها مكبلان لانقضت عليه و خنقته بيديها.. انهالت عليه ركلا و هي تصرخ بغل..
قالت:" وانا مبحبش حد يمد ايده عليا يا (مجموعة متنوعة و مُشَكلة من الالفاظ)"
ولأن الخواجة لم يشتبك في عراكا منذ فترة طويلة جدا..فهو لديه من يشتبك له.. وبما انه كان معها منفردا.. فقد احتاج ان يتراجع بسرعة مناديا رجاله الواقفين بعيدا مما لا يليق مع هيبته تماما..
امسك بها مرة اخري عصام بمعاونة سليم..
***
رن هاتف جو قبل ان يخرج من المنزل مباشرة..
رد جو :"ايوة"
اتاه صوت الخواجة:" صاحبتك معايا.. "
جو:" مستواك انحدر اوي يا ريس.. بتخطف حريم دلوقتي؟!! "
الخواجة:" انا مش واخدها رهينة و الاسلايب الرخيصة دي.. انا بس بديك درس! اسمه (جزاء الخيانة).. و زي ما جبتها هجيبك.. متفتكرش ان في حد بيزعل الخواجة و بيفلت!"
وقبل ان يفتح جو فمه ليرد عليه متوعدا متلفظا.. كان الخواجة اغلق الخط.. اعاد جو الاتصال به.. لم يصل الي شيء..
جن جنونه و صارح يخبط و يحطم الاشياء..
خرجت حنان من حجرتها مذعورة.. امسكت به و حاولت تهدئته..ضمته اليها و هي ترجوه ان يهدأ.. قال بصوت اقرب للبكاء:"الخواجة.. طلعت عند الخواجة!"
حنان:" مش فارقة يا جو.. مش فارقة .. هنجيبها لو عند مين!"
***
جلست حنان في سيارتها في ذلك المكان خارج المدينة.. كانت متوترة تعبث بأصابعها في ساعة يدها.. تنهدت في قلق و هي تنظر فيها للمرة الف خلال ثلاث دقائق..
هاهي السيارة الفارهة تقترب منها.. ولاح ظله بداخلها.. الظل الذي تعرفه جيدا وتحفظه عن ظهر قلب.. اوقف سيارته بجانبها و ترجل منها متجها اليها..
تسارعت دقات قلبها.. و تلاحقت انفاسها بينما شعرت بتلك الفراشات تتطاير داخل بطنها..
لم يتغير بتاتا.. كما هو.. وسيم .. بابتسامة هادئة و نظرات مُحبة..
اقترب من شباكها و انحني برأسه ليراها..
قال مبتسما:" ازيك يا حنان.."
يالـ جمال صوته.. مازالت تلك القشعريرة تسري في جسدها كلما نطق..
قات بخفوت تخفي توترها و ارتباكها:" انا تمام"
قال:" اخير رفعتي سماعة عليا التليفون.."
حنان:" لولا الشديد القوي يا عمر.. لولا الشديد القوي مكنتش كلمتك و لا قابلتك!"
لامت حنان نفسها بشدة لأنها انجرفت مع مشاعرها الجياشة ، و نسيت المهمة التي اتت من جلها..
عمر:" انتي لسة زعلانة مني.."
حنان:" مفيش بنا اصلا زعل.. الزعل ده لما يكون في اصلا عشم.. و انت عارف كويس انت اخر و احد ممكن اتعشم فيه!"
دار عمر حول السيارة و ركب الي جوارها..
قال بنظرات محبة تتفحص كل مليمتر في وجهها الذي افتقده بشدة:" انتي اللي بعتي يا حنان! انا عمري ما فكرت ابيع"
حنان بنبرة منفعلة قليلا:" وتبيع ليه؟ انت كنت عايز كل حاجة و مش عايز تتنازل عن أي حاجة.. انا و الشغل وكله.."
عمر:"ما كله كان عشانك! هو شغلي ده كان لمين؟ مش عشانك؟!! عشان نعيش و نترفع علي و شع الدنيا!.."
حنان :" اديك خسرتني و كسبت شغلك و اترفعت علي وش الدنيا!"
عمر:" و مين قالك اني مرتاح كده؟!"
حنان:" عموما انا مش جاية عشان نفتح اللي فات... في الاخر انا و انت قبينا علي و ش الدنيا واحنا بعاد عن بعض.. انا بالنضافة و انت بالوساخة.. عشان كده انت اللي مش مرتاح.. انا عن نفسي بعيش اسعد ايام حياتي وضميري مَرضي.."
عمر:" انا مش مرتاح عشان بعيد عنك!"
حنان بنبرة حازمة:" مش هنعيده تاني يا عمر.. انا جاية في طلب محدد!"
عمر بمنتهي الهيام:" أؤموريني.. كفاية عليا اني شفتك"
ارتعشت حنان داخليا لاسلوبه و كادت ان تلقي بنفسها بين ذراعيه وتبكي بحرقة.. و لكن لا مجال لهذا تماما..كما ان لديها ما تنجزه..
و بسرعة..
حنان:" عايزة اوصل لعمك!"
انزعج عمر من الطلب و تراجع للخلف مندهشا..
قال:" ليه؟"
حنان:"حياة اختي و اقفة عليه!"
عمر:" اختك؟!! انتي طلعلك اخوات ؟؟"
حنان بصبر نافذ:" اعتبرها اختي.. "
عمر:" لأ انا محتاج افهم.. انا كده اقلق عليكي.. عمي مش سهل وممكن تجيبلي لنفسك مصيبة.. فهميني الاول وانا هساعدك.. "
حنان:" لأ .. انت ملاكش امان!"
عمرمستنكرا:" انت هتصفي حساب معايا علي حساب اختك؟!! راجعي نفسك يا حنان.. انا عمري خذلتك؟! افتكري كل موقف ليا معاكي في حياتنا مع بعض.. "
نظرت له نظرة " والنبي ايه!"
عمر منفعلا:" انا مخذلتكيش يا حنان ! انت رفضتي تكملي معايا الا لو سبت كاري.. و انا مكنتش اقدر اسيب كاري و كار عيلتي.. وانت اللي مشيتي و مقدَرتيش الموقف الصعب اللي انا كنت فيه! وبعدين كنت اسيبه و أعادي عيلتي اللي انت عارفة قلبتهم عاملة ازاي ؟؟ افضل بأة هربان منهم و من غدرهم؟؟ وبعد كده ايه؟؟ نموت من الجوع ؟؟ ولا اسرحك و اكسب من و راكي؟؟ و لا استناكي لما تصرفي عليا؟؟... "
كانت حنان - رغم قولها و التي ارادت به ان تؤلمه ليس الا - تدرك جيدا ان عمر رجلا بمعني الكلمة.. مؤتمن بالفعل لم يكن معها سوي شخصا محبا متحملا للمسؤلية.. لا يعيبه سوي ما يعمل.. و هي لم تقبل هذا.. كانت تريد الاستقرار و الكسب الحلال..
اكمل عمر:" انتي فاكرة اني نسيتك لحظة؟! انا سبتك علي حريتك، لأن مكانش في حاجة بإيدي.. بس فضلت متابعك.. وعشان تبقي عارفة في حاجات كتير كنت بسهلهالك من غير ما تعرفي.. حاجات كتير كانت هتقف في طريقك و طريق مركز التجميل بتاعك.. كنت ببعدها من قبل حتي ما تعرفي بيها! انا مش بعايرك يا حنان بس عيب قوي لما تيجي وتقوليلي دلوقتي انت ملكش امان!"
حنان ببرود من وراء قلبها:" عارف انا هخليك تساعدني ليه؟؟ عشان الموضوع خطير و انت الفرصة الوحيدة اللي قدامنا"
عمر مستفهما:" انتوا؟؟!"
حنان:" انا و جو.. "
عمر بضيق:" جو؟!! جو تاني!! هو البني ادم ده لسة لازقلك برضه؟.. ده ولا لما تكوني امه اللي خلفته!!"
حنان محاولة اخفاء ابتسامتها السعيدة بغيرته :" منا امه فعلا.. عشان كده انا جيتلك.. مش هسيبه لوحده في الازمة اللي هو فيها دي.. و انت لازم تساعدني"
عمر:" دانا اساعد جو و اهله كلهم.. بس ترضي عني"
ابتسمت حنان و راحت تشرح له..
***
في بيت متهالك وقف السنهوري يرمق جو بنظرات حاقدة..
قال جو:" فاكرني؟.."
اقترب منه السنهوري و هو (يزك ) علي احدي قدميه.. وقال ساخرا:" وحد ينساك يا راجل.. ده لولا حركة افلام الاكشن اللي انت عملتها كان زماني قتلت الخواجة ريسك!"
جو:" لو تركز فيها تلاقي اني كده انقذت حياتك.. لو كنت لمست الخواجة كان زمانك انت و اهلك و كل اللي تعرفهم علي وجه الارض مقتولين.."
السنهوري ساخرا و لكن بمرارة:"كتر خيرك علي الحياة اللي انقذتها... بقيت و احد مش لاقي ياكل و عاجز!" واشار الي قدمه..
كان الامر و اضحا.. عندما تم ارساله الي الريس عبود بعد حادثة محل عطا اياها .. صنع منه الريس عبود عبرة لمن يعبر علي خيانته له.
رفع نظره اليه و قال:" وانت جاي ليه؟"
جو:" الخواجة اللي غدر بيك.. ولبسك الليلة لوحدك"
السنهوري:" طب منا عارف.. امال انا رحت وقتها عشان اموته ليه؟!!"
جو:" ايوة .. بس معرفتش تثبت انه هو كان ناوي يشتغل في العملية معاك من و را الريس عبود و لما ختلفتوا علي التقسيمة .. راح غدر بيك"
السنهوري:" و دي هثبتها ازاي؟؟"
جو:" انا شفت و سمعت كل حوراته معاك .. "
السنهوري:" مش فاهم.. وانت جاي قالب عليه ليه؟؟"
جو:" عشان هو كمان قلب عليا.. وانا محتاج مساعدة منك عشان هو دلوقتي حاطتني تحت درسه! لو ساعدتني انا ممكن اقف جنبك قدام الريس عبود ونقلبه علي الخواجة..وساعتها كل حاجة هترجعلك .."
السنهوري:" معنديش حاجة اساعدك بيها.. انا خلاص بقيت و لا حاجة"
جو:" لأ عندك.. الرجالة بتوعك! صحيح همة مبقوش بتوعك دلوقتي .. بس انا اعرف انهم لسا بيحبوك و عندهم وفاء.. و لولا انهم كانوا هيجوعوا جنبك مكانوش سابوك..وعارف انهم بيودوك لحد دلوقتي"
السنهوري مستهزئا بكلامه:" هتعمل بيهم ايه يعني؟؟ هتهجم علي الخواجة؟ كان غيرك اشطر.. منا حاولت قبليك بيهم.. و ادي النتيجة.."
قال جو بخبث:" بس المرة دي انا مش موجود معاه عشان احميه!"
***
جلس سليم ارضا بجوار شهد حيث تجلس مقيدة الايدي.. كان معه طبقا و معلقة يحاول اطعامها، و هي رافضة تماما..

سليم:" يا بت كلي.. هتموتي كده!"
شهد:" متعملش فيها قلبك عليا.. "
سليم:" انا عامل علي العشرة.. و يصعب عليا اشوفك ممقوتة كده"
شهد:" لا وحياة امك مايصعبش عليك غالي! اصلك عندك قلب اوي!"
دخل عصام وقد سمع الحوار قبل ان يدخل.. قال:" انت بتعمل ايه يا سليم؟؟! دي امثالها تسيبها كده مرمية زي الكلاب.. "
ودفعها دفعة بسيطة بقدمه في كتفها جعلتها تفقد توازنها حيث أن يداها مكبلتان و تسقط علي جانبها.. ولم تتمكن من الجلوس مرة اخري.. الا بعد محاولات صعبة و مساعدة سليم..
قالت:" طب فكني كده .. مفيش مرة مديت ايدك عليا غير وانا يا متكتفة يا مربوطة.. لو راجل تفكني و ساعتها هعرفك مقامك!"
ابتسم عصام بسخرية و نظر الي سليم قال:" هي معتوهة كده من زمان؟!"
تجاهل سليم سؤاله و قال:" هو انا امتي هاخدها للمعلم مرعي؟ ايه اصلا لازمة قعادنا هنا؟"
نظر اليه عصام و الغل يتساقط من عيناه:" لما البيه بتاعها يجي الاول واخد حقي منه.."
سليم متعجبا مستنكرا:" نعم؟؟ بقي احنا عاملين الليلة دي كلها عشانك انت؟؟ عشان نرجعلك حق ما انضربت؟؟"
رمقه عصام بنظرة شرسة حين قال "انضربت"
عصام منفعلا:" خدني علي خوانة الجبان .. لولا كده كان زماني قطعته.."
سليم بعدم اهتمام لقوله:" مليش انا في التفاصيل دي؟؟ احنا قاعدين بشهد هنا ليه؟؟ "
عصام باقتضاب :" معرفش! دي اوامر الخواجة.."
سليم:" واحنا بناخد اوامر من الخواجة ليه؟؟ انا معلمي قاللي هيساعدوك ترجعها.. و انت اصلا الخواجة ملوش امر عليك.. انت من رجالة الريس عبود..ماله هو يديك وامر؟؟"
سليم:" انا ماشي و را كلامه عشان اتفقنا اساعده في الليلة دي.. قصاد اني اخد حقي .. والادراة عليه"
صمت سليم و لم يعجبه الامر..
اما شهد فقد كانت صامتة تستمع علها تستفيد بأي معلومة قد تنقذها او تنقذ جو.. بدي واضحا امامها ان الخواجة قد جمع سليم مع عصام ..و قام بخطفها.. لتنفيذ خطة ما، فيها اذي لجو..
نجيه يا رب!
***
دخل عمر في ادب جم يتناسب مع هيبة المكان..
تنحنح في استحياء قبل ان يتحدث..
"عمي.. انا وصلتني معلومات وشايف انك لازم تعرفها.."
العم:" ازيك يا عمر.. اقعد يا ولد.. ايه اللي وصلك؟"
عمر:" الموضوع يخص الخواجة... و عصام ريس الحرس..."
نظر اليه العم منتظرا الايضاح..
استطرد عمر:"الخواجة بيعمل شغل من و راك يا ريسنا.. وواخد عصام تحت جناحه.. زي ما كان عايز ياخد السنهوري.. فاكره.. اللي الخواجة نفسه جه و فتنلك عليه.. هو غدر بيه عشان رفض .. انما عصام الندل ماشي تحت طوعه.. ده لدرجة انه بقي بينفذله عمليات خاصة بيه من غير ما يستأذنوك يا ريس.. لسة خاطفله بنت.. شوف يا عمي الوطيان و صل لدرجة ايه؟ رئيس حرس الريس عبود بيخطف بنات!! ولمين ؟؟ للخواجة..وكمان و اخدينها في مخزن من بتوعنا.. دي حتي مش كويسة لسمعة العيلة يا عمي.. لا كمان ايه.. بيربي زبون علي قفانا.. قال لما سمع ان الشيخ فريج زعلان قام اتنحرر و قاله هعملك تخفيض مخصوص علي مسؤليتي.. بيبقشش من جيب ابوه اصله! "
الريس عبود:" والكلام ده وصلك ازاي يا ولد؟ ايه مصادرك؟"
عمر:" من كذا مصدر يا عمي.. موضوع الشيخ فريج ده عرفته من بكر كبير رجالته.. انما بقي بقية الحدوتة جالي واحد وقع في عرضي مش هتصدق مين؟ "
الريس عبود:" مين يا واد؟"
عمر:" السنهوري نفسه.. جه بعد ما خلاص مش لاقي ياكل.. جايبلي اللي يثبتلي ان الخواجة بيلعب من ورانا ومعاه عصام.. اتفضل يا ريس"
واخرج من ظرف معه اوراقا عرضها امام الريس عبود.
"ادي ورق و باسبور الواد الجارد بتاع الخواجة و دراعه اليمين.. البيه مسافر (---) من غير علمنا.. رايح يتفقله علي صفقة من هناك.. والسنهوري كمان قالي اسأل حراس مكتب الخواجة عن عصام.. و لما سألت اتأكدت انه بيتردد عليه كل يوم!.."
القي الريس عبود نظرة علي الاوراق.. ولم يتحدث..
قال عمر:" هتسيبهم يا عمي؟؟ يعني حركات قلة و مش مقامنا و خطف بنات ..ماشي، بيخرب بيتنا و يخفض من دماغه في الصفقات .. ماشي، انما خيانة الثقة ؟!! لا يا ريس.. انا مقبلهاش.. والغلبان السنهوري اللي لبسهالوه قبل كده عشان مرضاش يخونك .. يعني كذاب و بيقرطسنا.. و النتيجة اننا خسرنا و احد مُخلص ،و خلينا واحد عينه فارغة و خاين و كمان دحلب معاه عصام.. ريس حراسك! يعني امانك يا عمي!.. طب انا اقعد مطمن علي حياتك ازاي وانت معاك الندل ده وهو اللي مفروض بيحميك؟! لو انت رضيت يا عمي انا و بقية العيلة مش هنرضي.. كله الا حياتك!"
صمت الريس عبود قليلا ثم قال بهدوء:" ابعتلي فاروق!"
لمعت عينا عمر بالانتصار..
فاروق هو رجل الريس عبود الاول للاعمال الخطيرة والقذرة..
الارسال في طلبه لا يعني سوي شيء واحد.. (استلقي و عدك يا خواجة)
لم يكن كل ما قاله عن الخواجة كذبا..
و لكن و ان كان.. كله فدي عيون ..حنان
***

كانت الاحداث متلاحقة و يوسف يتصرف بسرعة وينتقل من مكان لمكان.. لم يتسن له لحظة للجلوس مع نفسه و التفكير في شهد.. برغم ان كل ما كان يفعله في نهاية الامر هو من اجلها..
ولكن اخيرا جائت عليه تلك اللحظة..
عاد لمنزل حنان حيث يقيم هو وشهد.. لم تكن هناك..
و ليس ككل مرة ..ليس حائرا يضرب اخماس في اسداس
هذه المرة هو يعرف مكانها جيدا..
بل يعرف انها ليست بخير.. و انها مع من لا يرحمون..
ليته لم يعرف..
جلس منهكا واسند مرفقيه الي مائدة السفرة.. بدا شاردا متألما..
اسند وجهه علي كفيه.. و اغمض عينيه .. نزلت عبرة ساخنة من احدي عينيه.. و تلتها عبرات كثيرة من كلتا العينين..
صحيح انه رتب كل شيء.. ويأمل خيرا .. وان يسير كل شيء علي ما يرام .. ولكن الامر يحتاج الي وقته..
وهي مزالت بعيدة عن عنه..
هل مسوها بسوء؟!
هل بكت؟!
هل ترتجف خوفا الان؟!
سيمزعهم احياءا جميعا.. قبل ان يدق اعناقم!!
خبط بيده علي المائدة و خرج مندفعا من باب المنزل..
***

فتحت حنان باب شقتها بالمفتاح ودخلت اولا ثم قالت:"اتفضل يا عمر"
دلف عمر بعدها ..فاشارت له ليكي يدخل الصالون و يجلس..
فقال:" زوقك حلو.. البيت جميل ... زي صاحبته"
حنان:" تشرب ايه؟"
عمر:" شاي.. هو جو ده هيجلنا هنا.. هو عارف بيتك يعني؟"
حنان مبتسمة:" هو ساكن هنا.. جو قاعد معايا.."
انقلب وجه عمر وقال:" والله؟!"
حنان:" ممم استني اما ادخل اشوفه تلاقيه جه ونام.. حبيبي من ساعة اللي حصل و هو اعصابه منهارة"
وتركته جالسا و دخلت في ممر حيث الحجرات..
تمتم عمر بكلمات غاضبة..
بعدها خرجت حنان مندهشة وقالت:" ده مش هنا! مع اني مأكدة عليه يستنانا.. امال هنكلم في الخطوة الجاية زاي؟"
اتصلت به علي هاتفه و لم يرد..
***
كانت الخطة في البداية كما خطط لها يوسف.. كالاتي..

عندما احس جو بأن الخواجة (بيرقدله) قرر ان يضع خطة سريعة تجعله يختفي من الوجود و معه شهد..
كان يحتاج نقودا.. فباع ارض الساحل الشمالي لرجل اعمال كبير يملك الارض المجاورة له .. و كان مكسبه ضخما.. و كذلك باع منزله.. حتي يظهر الامر واضحا ويعرف من لم يعرف انه قرر الرحيل..
قرر ان يهرب بها بعيدا... فكانت مشاوير السفارة "احد الوسائل"!
كما انه باع ارض الصعيد.. للشاب صاحب تحقيق الشخصية المذكور فيه اسمه "عبد الله محمود سالم".. كان عقد البيع مذكور فيه ان المبلغ ليس بكثير.. فهي لم تكن ارضا كبيرة علي اي حال..
كان يوسف ينتظر ان يرتب اموره في مكان الهروب النهائي ثم يأخذ شهد و يختفيا..

ولكن الخواجة سبقه..

وبعد ما حدث.. تغيرت الخطة تماما.. بعد مباحثات مع حنان و حمادة تحولت الخطة للاتي..
ستطلب حنان مساعدة حبيبها السابق.. ابن اخ الريس عبود في الوصول اليه..
ثم اخبار الريس عبود عن غدر الخواجة .. و رجاءه ان يطلق سراح شهد..
سيطلب جو مساعدة السنهوري.. مرة في تأييد كلام جو عن خيانة الخواجة واثباتها للريس عبود..
و مرة بدعمه بالرجال في حالة ان فشلت محاولات الحوار مع الريس عبود ، و ساعتها (يا قاتل يا مقتول)

ولكن الخطة تغيرت للمرة الثالثة حين التقت حنان بعمر..

كان هو ادري بعمه .. كيفية اقتاعه و غرس الشكوك في صدره ناحية الخواجة و عصام.. لذا عندما صارحته حنان بالخطة الثانية.. اتهمهما بالغباء التام.. و اقترح هو الخطة الجديدة.. و التي سيكون دوره فيها اساسي من حيث التاثير علي عمه الريس عبود.. وقد اضاف جو لهما اوراق السفر والباسبور ليُستخدموا كسند لكلام عمر مع الريس عبود.. فيصير الخواجة مذنبا من و جه نظره، و يتم ازاحته من الطريق ..
فقط هنا يمكن التدخل – مع رجال السنهوري ان امكن- لجلب شهد بمنتهي السهولة.. كما انه اكد لهم انه في ظرف ساعتين سيعرف الي اين خذوها... و بالفعل اخبر حنان هاتفيا و التي بدورها اخبرت يوسف عن مكان شهد..
وبعد ان تحدث الريس عبود الي فاروق.. اتفقت حنان و يوسف مع عمر علي اللقاء في المنزل لمناقشة تفاصيل خطوة التدخل لجلب شهد..
ولكن ما لم يعرفوه ان هناك ما طرأ علي جو.. هناك ما جعله ينسي بأمر الخطة تماما.. ينسي التروي و التعقل..

اللصهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن