"يا معلم في حاجة مش صح! قعادنا هنا أنا و هي ملوش لازمة صدقني .. الناس دي بيخططوا لحاجة تانية.. حاجة احنا مش عارفينها.. شكلهم هيغدروا بينا يا يا معلم! ... طب فسرلي رميتنا هنا كل ده! مدونيش شهد وجيتلك بيها ليه حسب الاتفاق؟؟.. البت مش راضية تاكل و علي متيجيلك هتكون جثة.. انا شايف انك تدخل يا معلم في حاجة بتحصل من ورانا!"
كان هذا سليم محدثا المعلم مرعي هاتفيا.. بعد ان تأكد ان احدا لا يسمعه..
***
راقب جو عن بعد المخزن المهجور حيث شهد محتجزة.. لم يكن هناك حراسة تقريبا.. رجلين فقط علي الباب .. و قد رأي عصام يخرج اليهما و يعود للداخل..و بالخارج فقط سيارة و احدة.. لو اكتظت تلك السيارة - التي مؤكد نقلتهم الي هنا - بالرجال لن يزيد عددهم عن ستة.. ثلاثة رءآهم ، و ثلاثة بالداخل.. ذلك علي اكثر تقدير..
واضح انه كمينا لاستدارجه..
لم يعرف ماذا يفعل هنا الان ؟؟.. كل ما يعرفه انه يريد ان يراها للتو.. حتي وان كان يعني ذلك ان يتم احتجازه معها.. لم يعبأ بأن اهم ركائز الخطة و هي استبعاد الخواجة.. لم تتحقق بعد.. و لكنه لن يتحمل الانتظار.. لن يتحمل ان يتركها خائفة .. كان يريد ان يراها ليتأكد ان احدا لم يمسسها بسوء.. لكي يتطمئن قلبها.. و تشعر بقربه.. ليخبرها انه سيحميها ، ويقتل كل من عكر صفو ابتسامتها..
بعض التعقل يا يوسف.. ماذا سيفيدها ان قُتلت انت؟ من سيُخلصها؟!
ولكنه يجب ان يراها..
جائته فكرة..لا داعي اذن للاشتباك.. يمكنه التسلل ليراها فقط و -ان امكن- التحدث اليها .. ثم يعود ادراجه وينتظر تنفيذ الخطة..
لا داعي لذكر ان تلك الفكرة منافية تماما للتعقل الذي اراد تطبيقة في بداية القطعة اعلاه..
قام بارسال الرسالة التالية لهتف حنان.. و التي ظلت تطلبه طوال الطريق دون ان يرد عليها..
"انا كويس.. انا هطل طلة علي شهد عشان قلقان.. امشي انتي في ترتيبات الهجوم مع عمر عادي.. لو مرجعتش الليلة اعرفي اني يإما اتمسكت معاها يإما اتقتلت.. و ساعتها لازم تنفذوا الهجوم و تخلصوها.. اوعي تخلي بيها يا حنان.."
وضع الهاتف في جيبه بعد ان اغلقه تماما..
وتـأكد ان سلاحة معه..
وهكذا بدأ التسلل الفردي..
***
قرأت حنان الرسالة واصابها الهلع..
حنان:" لعمر..شفت ابن المجنونة.. مستعجل علي ايه؟؟! دي كانت خلاص محلولة!!!"
نهض عمر و اقفا وقال:" كده يبقي لازم انا اروح حالا لرجالة السنهوري اظبط معاهم "
حنان:" طب استني.. هاجي معاك!"
عمر:" طب يالا.."
حنان بتردد طب معلش.. استناني خمس دقايق!"
عمر:" ليه؟ مانتي جاهزة اهه.. احنا لسة داخلين!"
حنان:" معلش.. حاجة مستعجلة..اعد ارتاح.. اعد بس.. مش هتأخر"
وتركته ودخلت حيث الغرف..
انتظر عمر .. شعر ان الخمس دقائق طالت.. كما ان اسلوبها كان مريبا.. قرر ان يدخل ليري ماهية الامر..
وقف في بداية الممر ونادي اسمها.. لم يتلقي اي رد.. اعاد النداء.. نفس النتيجة..
اقترب اكثر من ما ظن انه حجرتها و قال:" انتي فين يا حنان؟.. بقالك كتير"
كان الباب مواربا.. تردد و لكن قلقه و عدم ردها جعله يطل براسه من الباب..
وجد شيئا ادهشه..
كانت حنان متسربلة بوشاح وردي كبير يغطيها كاملة ماعدا الوجه (عرف لاحقا ان اسمه اسدال) .. كانت تجلس علي سجادة .. وتتمم بخفوت.. انها تصلي!
تراجع للخارج ووقف مرتبكا مندهشا يسند ظهره للحائط..
ربما لم يري شخصا يصلي امامه من قبل سوي في المسلسلات و الافلام!
حنان من اولائك الذين يصلون؟! لم يبد عليها..
وكأن الامر (عجبة) .. وفي نفس الوقت كان يعجبه.. منظرها بذلك الوشاح كان اقرب للملائكة.. في وسط كل ما هما فيه من توتر و قلق و سرعة.. لم تنسي ان تصلي.. بل اصرت ان تؤجل كل شيء لما بعدها..
برغم من انه كان يرهب اولائك الذين يصلون..و لكنه لسبب ما كان منبهرا .. فخورا بها..
خرجت حنان و قالت بابتسامتها الصافية:" اتأخرت عليك معلش..يلا بينا "
قال عمر و هو ينظر اليها ملء عينيه:" انتي بتصلي؟"
حنان:" اه. الحمد لله بقالي فترة طويلة.. واحدة كانت بتشتغل عندي من فترة علمتني.. تصور.. علمتني مع ان هيا اصغر مني بكتير"
عمرحالما و مازال يغزو وجهها بعيناه:"دي حاجة كويسة اوي"
حنان:" انا مش عارفة كنت عايشة منغيرها ازاي.. برغم اني لوحدي في الدنيا.. عمري ما بقيت احس بكده من اول ما ابتديت اصلي.. "
قالتها و سبقته للباب و هي تقول علي إستحياء:" انا دعيتلك!"
ثم تحولت نبرتها للقلق للحزن:" ودعيت لابن المجنونة التاني هو البت شهد.. نجيهم يا رب"
كان مازال واقفا يتأملها عن بعد..
قالت:" مش يللا؟!"
كم يحبها.. مازالت حنونة .. بريئة.. محبة للجميع.. كيف تركها تتركه.. كيف تركها تذهب بعيدا عنه..
كم يخشي عليها..
تحرك ببطء و قال :" لأ انتي هتستني هنا.. هكون مطمن عليكي اكتر وانتي بعيد عن الي بيحصل.. وكمان عشان لما سي جو المجنون بتاعك يرجع تطمنيني .. او لو في اي اتصال مهم جه علي البيت"
حنان في احباط :"بس انا كنت عايزة اروح معاك.. اشوف الترتيبات بعيني.."
عمر و قد اقترب منها جدا و قال :"انت هنا مقر العمليات و الاتصلات.. اهم دور في الخطة.. خليكي احسن عشان ابقي مطمن.."
تركها و خرج.. برغم الوضع المُقلق ..لم تفارقها الابتسامة حتي بعد ان اغلق الباب..
***
انحني جو و زحف و (وتشقلب) و قفز .. وقدم كل المهرات التي تميز لاعبي الاكروبات او مقاتلي النينجا.. و في النهاية و صل لسطح المخزن..
بحث عن السلم فوجده.. نزل عليه بحرص و خفة.. كان يطل برأسه اولا قبل ان يتقدم خطوة.. صارت الان لديه رؤية واضحة للمكان من اعلي السلم..
كان مخزنا صغيرا بسقف عال.. مليء بالمهملات و الصناديق و قطع غيار خردة كبيرة مفككة من سيارت..
هاهي شهد تجلس مكبلة الايدي .. بدى عليها الارهاق.. لم يتمكن من التأكد ان كانت مصابة بضربات ام لا.. ولكنها بدت بخير في العموم..
و لم تكن تبكي.. هدأ نوعا ما حين رءآها هادئة..
مسح المكان بنظره .. هناك بالداخل عصام و سليم.. فقط!
فقط؟؟!! بأمكانه النيل منهم جميعا.. الامر سهل جدا.. غاية في السهولة..
لدرجة انه صار مشكوكا فيه..
ولكنه ظل يعيد النظر مرارا و تكرار.. بالفعل لا يوجد في المكان سوي اربعة رجال و شهد..
حتي ان الخواجة لا أثر له! لو كان الامر كذلك، فبإمكانه التغلب علي اربعتهم و الخروج بشهد سالمة..
صعد للسطح مرة اخري.. بحث عن قطع معدينة متوسطة الحجم.. وقف متواريا تماما فوق نقطة و قوف الرجلين الحراس علي باب المخزن.. قام بألقاء قطعة بعيدا بكل قوته.. عبرت القطعة مسافة كبيرة مخترقة الهواء لتهبط بعنف فوق كومة متكدسة من قطع الغيار المعدينة مصدرة صوت ارتطام عالي..
انتبه الرجلان للصوت..
قال احدهما:" ايه ده؟"
الثاني:" روح شوف.. ده عند الحديد اللي هناك..تلاقيها قطة.."
الاول:" لأ ده صوت حاجة خبطت جامد.. مش قطة.."
الثاني:" طب روح شوف!"
الاول :" و متروحش انت ليه؟؟ و لا انت عايز تتأمر و خلاص!"
كاد يوسف ان يلطم علي وجهه من كسل و غباء هذان الحارسان المملان! فليذهب احدكما بالله عليكما حتي يتخلص جو من الآخر!
فقام بقذف قطعة اخري و لكن باتجاه اخر.. و تواري بعدها مرهفا سمعه لرد فعلهما..
هنا قال الاول متوجسا:" لأ ده كده في حاجة بتتحرك حوالينا!"
نظر حوله ثم قال مشيرا بذراعه:" انت تروح من هنا و انا اروح من هنا.."
ضرب جو بيده علي وجهه .. هنا ادرك ان اغبياء كهذان لا يمكن ان يكونا سوي من رجال مرعي.. لقد تركا حراسة البوابة تماما و ذهبا بعيدا.. كان خطته ان يقضي عليهما و احد تلو الاخر بعد ان ينجح في تفريق مكنهما..
و لكن الان عليه ان يبدأ بهؤلاء من في الداخل اولا..
حسنا فليستغل فرصة عدم و جودهما .. وليعود لمن في الداخل..
تسلل نزولا مرة اخر من سلم السطح.. حذرا بطيئا.. كان الان يري شهد تتحدث وهي مقيدة .. الي ذلك الذي يسمي سليم.. كان يحمل معه شطيرة ..
شهد:" مش هاكل يا سليم.. منك انت بذات مش هاكل!"
سليم:" بلاش عند يا شهد! كلها كام ساعة و نرجع للمعلم مرعي.. انا كلمته و قاللي قاعدنا هنا مش هيطول"
شهد:" وانا ارجع للمعلم مرعي بتاع ايه؟!! انا دلوقتي ملك و احد تاني.. هو الوطيان وصل للدرجادي؟!!"
سليم بحدة:" انتي جرالك ايه؟ مكنتي راضية بعيشتك معانا.. ايه؟ استحليتي العيشة مع ابو عيون جريئة!"
شهد بهدوء:" قرب يا سليم عايزة اقولك حاجة في ودنك.."
تلفت سليم حوله ثم انحني ليقترب منها، فقالت شهد بصوت عالي في اذنه:" امك في العشة و لا طارت.."
كاد جو ان يضحك مصدرا صوتا.. دوما تبهره ! تلك الفتاة حقا مذهلة.. و لكنه خشي عليها من رد فعل سليم.. الا انه و جده يتراجع .. و قد بدا علي و جهه الغضب ثم قال:" مقبولة منك يا شهد.. بكرة نبقي سمن علي عسل زي زمان..لما ترجعي وسط اهلك!"
ادرك جو ان سليم يكن معزة ما لشهد.. فهو يأتي لها بالطعام و حتي لم يحتد عليها بعد ان اهانته .. واضح انه غير مؤذي.. كما واضح ان شهد لا تخشاه..
حسنا حان و قت التحرك.. سينزل..يفقد سليم الوعي..ثم يأتي بشهد ليصعدا السطح ..ومن هنا يحاولان الهروب.. الامر بسيط!
هم بالنزول و لكنه وجد عصام يخرج اليهم من باب جانبي..لابد انه الحمام ..
اقترب ببطء منهما و قال لشهد ساخرا:" صاحبك يظهر حلقلك و مش جاي.. بس تخافيش الخواجة بعت يجيبه.. و الشمل هيتلم!"
شهد:" و النبي الست الغلبانة صعبانة عليا.."
نظر لها عصام في غباء..
شهد موضحة:" اللي عاملة اشتمها من غير ذنب في الراحة و الجاية.. كل اما انت تفتح بقك تجيب لامك الشتيمة.. اتقي ربنا فيها واقفل بقك!.. صحيح العيل اللي زيك يجيب لاهله النعيلة!"
عصام و هو يتوجه اليها غاضبا يقول:" وانتي مبتشبعيش من الضرب؟! "
وقف سليم حائلا بينهما و هو علي اتم الاستعداد للاشتباك مع عصام..
اما جو فقد وصل اسفل السلم في ثانية بمجرد ان رأي عصام يقترب من شهد ، ينوي علي الفتك به..
ولكن تدخُل سليم جعله يتريث..
اقترب من مكانهم متواريا في ظلال اكوام قطع الخردة..
بينما انشغل عصام مع سليم و احتدا علي بعضهما..
شهد و جدت جو امامها.. تهللت اساريرها و لكنها كانت حريصة الا تلفت النظر اليه..
في اعماق خيالاتها كانت تتوقع هذا المشهد.. وهاهو بطلها قد اتي من اجلها..
كم يبدوا وسيما عن المعتاد.. بذقنة النابتة.. و عظام فكه العريضة التي تضغط علي اسنانه في غضب وتوتر.
سيقتُل من اجلها! هكذا رأت في عينيه..
منعت ابتسامتها واستعدت نفسيا و بدنيا للحظة المواجهة..
عصام بعصبية :" لو مخفيتش من و شي.. لكون ضاربك انت و هي!"
سليم محتدا:" طب وريني اخرك!"
وفجأة لاحظا ان شهد تقف علي قدميها و تجري مسرعة كالطلقة باتجاه كومة الخردة..
صاح عصام ملتفتا اليها :"رايحة فين يا بت!"
ودس يديه بحزامه ليأتي بسلاحه..
صوب باتجاها ليفاجأ بيوسف.. و قد ظهر في الضوء موجها سلاحه اليه.. بينما وقفت شهد خلفه تحتمي به..
قال جو ببرود:" كنت بتسأل عني يا عصام.. خير.. اؤمر؟!"
عصام ساخرا:" اخيرا جيت برجليك يا بطل.. مكنت تيجي من بدري.. بدل ما الخواجة يتمشور..و يمشور الناس معاه"
جو:"بقولك يا عصام..بالنسبة جمل الافلام و كده.. خف منها احسن انت قالش اوي!"
شهد:" اه والنبي احسن ده كان بيعذبني طول قُاعدي بقلشه!"
جو لشهد بحزم:" اسكتي يا شهد!"
كان جو يتراجع للخلف وهو مازال مصوبا سلاحه نحو عصام و سليم.. كان يتراجع باتجاه السلم.. وشهد معه..
اما سليم فلأنه لم يكن يملك سلاحا .. فقد امسك بقطعة خردة كسلاح و عصام قد وجه مسدسه نحو جو و شهد.. وصارا يتقدمان باتجاههما بينما جو وشهد يتراجعا..
كان الكل يتحرك ببطء وكل واحد يدرس خطوات الاخرين..
صاح جو فجأة بشهد:" اطلعي السلم يا شهد!"
كان السلم موازي للموقع الذي يقفان به سليم و عصام.. لذا عندما صعدت شهد اصبحت تماما فوقهم..
رفع سليم نظره اليها يفكر في كيفية الصعود اليها دون ان يصاب بطلق ناري من مسدس جو ..بينما مازال سلاح جو و سلاح عصام موجهان لبعضهما..
ان حرك جو ساكنا سيقتله عصام و ان حرك عصام ساكنا سيقتله جو..
قال جو:" اطلعي يا شهد السطح و اقفلي الباب عليكي!"
برغم طاعتها العمياء له.. الا ان هذا الامر استوقفها..
تغلق الباب؟ وجو؟؟! تتركه؟؟! هل هناك خدعة في الامر لا تدركها! هل اذا عصت امره تفسد خطته! وقفت حائرة.. ايمكن ان يكون تلك محاولة يائسة منه لانقاذها و التضحية بنفسه؟!!
صاح جو مرة اخري:" بقولك اقفلي الباب"
جعلتها الصيحة تصعد مسرعة..وتغلق الباب بعنف مستخدمة جسدها فيديها مكبلتان خلف ظهرها..
وقفت علي السطح مذهولة.. كيف تركته؟!!
سيقتلاه.. اثنان لواحد.. الامر بديهي..