توقفت مجموعة رجال عمر عن اطلاق النار امتثالا لامره وبرغم ذلك لم يختلف المشهد في شيء فالرصاص والصياح مازال مستعرا. لم يخفضوا الاسلحة ، فقط وقفوا في وضع استعداد علي مسافة من الحرب الطاحة التي تدور في المكان.. ظهر من و سطهم عمر وصار متقدما عليهم .. يتحرك ببطء نحو الداخل وينظر مندهشا لما يدور محاولا فهم من ضد من ؟ و لم يتقاتل الجميع؟ و الاهم اين حنان؟ واين الفتاة الاخري صديقتها المحتجزة؟ من مكانه كان موضع حنان و شهد غير مرئي فقد نجحتا في التواري تماما خلف الخردة.. اخبره احد رجاله عن الفتاة التي مرقت سريعا امامهم ..
تقدم اكثر ..فهو يجب ان يجدها!
***
كان يوسف في موقف صعب فهو يواجه ثلاثة رجال يحاولون قتله احدهم و اكثرهم جنونا يحمل ما يشبه الخنجر.. كان يتفادي بعض اللكمات و الطعنات.. غالبا ذلك الالم الحارق في ذراعه نتيجة لطعنة طائشة كانت تقصد صدره.. كان يتصدي لهم بإرادة و اصرار ..لم يتمكنوا من تطويقه بعد.. كان ماهرا حقا.. فالموضوع الان لا يتعلق بحياته فقط.. بل بحياة شهد ايضا.. هو ينقذ نفسه لكي يتمكن من انقاذها..
***
انتبهت حنان فجأة لشهد.. لقد تشبثت بها بعنف..لم تبد علي ما يرام.. ما هذا الشحوب؟! هل تفقد الوعي؟!!
اصاب حنان الهلع.. هل اصيبت و لم تقل؟! تفقدت جسدها في هيستريا بحثا عن اصابة.. ولكنها كانت سليمة بلا خدش.. لسبب ما كانت شهد سبب في بث قليل من الطمائنينة في قلب حنان.. الان حنان علي شفا الجنون ذعرا..
لم تقوي حتي علي الصراخ، خشيت ان تلفت الانتباه.. حاولت افاقة شهد عن طريق صفعها و هزها .. ولكن شهد كانت بلا حراك..
استتركها ؟! ماذا يجب ان تفعل؟ هل تبقي هنا متكومة علي نفسها خوفا وتتنتظر حدوث المكتوب.. اتترك صديقتها في تلك الحالة الغير مفهوم سببها؟؟! الامر بيدها الان!
يجب ان تتصرف..
القت نظرة علي جسد شهد الشاحب .. ثم تشجعت و اطلت برأسها من خلف تلك الصناديق و الحديد الذين اختبأتا خلفهم..
اجساد ملقاه في كل مكان.. هل كلهم جثث؟؟! عادت ادراجها واغمضت عينيهافي رعب مستندة برأسها الي الحائط ..تنفست قليلا ثم القت نظرة اخري علي جسد شهد .. و عادت لتطل برأسها مرة اخري.. وفجأة رأته ..انه عمر!
كادت ان تصرخ بأسمه و لكنها خشيت ان تلفت الانتباه اليها و الي مكان شهد..
ولكن بمَ يفيد الصمت شهد الان؟! يجب ان تتصرف..
قررت ان تأخذ خطوة شجاعة دون ان تحسبها.. ستصل لعمر دون ان تلفت الانتباه لمكان شهد..
بالفعل قامت واقفة واخذت نفسا عميقا و اغمضت عينيها و اطلقت لساقيها العنان باتجاه عمر.. تاركة صديقتها في امان بعيدا عن الاعين و الرصاص..
عبرت المسافة بينهما سريعا .. انتبه عمر و رجاله الي الشخص الذي ظهر فجأة متوجها نحوهم.. ما ان رأها حتي غمرته السعادة و الارتياح.. هاهي ضالته..حبيبته.. سليمة معافة تجري نحوه.. تلقاها بين ذراعيه.. و حاول تهدئتها.. كانت تبكي بشدة و تتحدث بسرعة بكلمات مضطربة و تشير الي مكان ما في الجهة المقابلة.. الفتاة في حالة نفسية مريعة.. مرر يديه علي رأسها محاولا ان يطمئنها ويخبرها انها بأمان معه الان ووسط رجاله.. اخبرته عن شهد ومكانها .. فامر رجاله بالتحرك معه لجلب شهد من حيث اشارت حنان..
بالفعل توجوها ليجدوا المفاجأة.. لم تكن شهد هناك!
ظلت حنان تظر حولها في المكان بهسترية و هي تنادي علي اسمها.. لم تكن في اي مكان..
حنان باكية ومنفعلة:" دور عليها يا عمر! دوروا عليها!"
عمر:" هنجيبها يا حنان.. متخافيش! بس لازم نأمنك الاول!"
حنان :" مش هروح في حتة من غيرها هي و يوسف!"
عمرمؤكدا في حزم:" وانا مش هسيبهم.. بس لازم اتأكد انك برة المكان ده"
واشار الي احد رجاله.. فقام بحمل حنان عنوة بمساعدة رجل اخر وهي تحاول الافلات صارخة فيهم و في عمر .. خرجوا من المكان بعد ان امرهم عمر ان يطمئناه فور وصولهم..
تابعهم عمر الي ان خرجوا و بعدها تحدث الي رجاله :" في بنت تانية هنا لازم نأمنها لحد برة و جو الجارد بتاع الخواجة.. عايزين نحمي ضهره و نطلعه من هنا سليم!"
تلقي الرجال الاوامر و انتشروا للتنفيذ..
***
فتحت شهد عينها لتجد صورة مهزوزة لوجه يغطيه الدماء.. كانت تشعر بأن دمائها هي قد انسحبت من رأسها .. وهي تعود ببطء الان.. احست بيدا ترفعها وتسقيها جرعة من علبة مياة غازية... جرعت بكثرة كانت حقا بحاجة لسكرياتها.. كانت مشوشة في حالة من عدم الادراك.. ولكن كل شيء بدأ يعود اليها تدريجيا..
لقد اصيبت بالاغماء مع حنان؟ اين حنان؟ وهذا الذي يمسك بها هو سليم.. اين جو؟ و السؤال الاهم.. اين هي؟ السماء فوقهما.. اين المخزن؟
قال سليم بنبرة ساخرة:" مش قلتلك قلة الاكل هتعمل فيكي كده!"
شهد بضعف شديد:" فين حنان؟ فين جو؟"
سليم:" صاحبتك هربت وسابتك مرمية!"
شهد بعدم اكتراث لتلميحه و مازالت لا تقوي علي الحديث:" يعني هي بعيد؟"
سليم :" اطمني نفدت بجلدها.. "
شهد :" وجو ؟"
سليم:"زمان المعلم خلص عليه..."
انزعجت شهد وحاولت القيام و لكن رأسها ابي ان يطاوعها.. تلقاها سليم عندما ترنحت و هوت مرة اخري
قالت بصعوبة وهي منفعلة :" خلص عليه ده ايه؟ وديني لكون قتلاكوا كلكوا.. احنا فين؟"
سليم:" يعني مفيش حتي شكر اني خرجتك من وسط المدبحة دي بعد ما جو سابك و راح يتخانق مع المعلم.. و صاحبتك رمتك و هربت"
اعتدلت شهد في جلسها في محاولة لتشيط نفسها و افاقتها..
اكمل سليم:"جو الغبي بتاعك عاملي فيها دكر قوي؟! هي الرجولة انه يسيبك في وسط الضرب ده.. عشان ايه؟ عشان يثبت للمعلم انه اجمد منه؟! جامد قوي وبيضرب بالتلاته في وقت و احد.. طب اديكي اتاخدتي منه اهه تاني.. يوريني رجولته بقي! "
رفعت شهد رأسها اليه وقد استشفت من الحديث ان جو بخير و مازال يقاتل .. قالت بضعف و لكن بنبرة قاتلة:" هو جو حارقك قوي كده؟َ!"
اقترب منها سليم و قال:" منا اصلي مش مكتوب عليا اني افضل اشوفك مع ناس تانية و اسكت!"
كانت شهد بدأت تستعيد بعض قوتها و وعيها و ادراكها كاملين.. ادركت انهم علي بعد امتار من المخزن.. لقد اخرجها من الداخل و اخذها الي سور غير مكتمل قرب المخزن ..
يجب ان تعود لجو..
يجب ان... هل قال حقا سليم ما قال للتو؟!
***
وجد جو فجأة نفسه محاطا بمحموعة من الرجال المسلحين .. انهم رجال عمر الغامضين وقد طوقوا مرعي و رجليه.. جائوا في الوقت المناسب .. فقد تمكن و احد منهما من الامساك بجو بينما استعد الاخر لفعل نفس الشيء، وساعتها لا يعلم سوي الله ما كان ليكون تصرف مرعي ..
عمر للرجال:" البنت التانية لسة؟؟"
جائته الاجابة سلبية..
جو:" شهد فين؟"
عمرمفسرا:" اختفت.. كانت مع حنان و يظهر اغمي عليها فحنان جاتلي ..فرحنلها ملقينهاش"
جو:" يعني فاقت و مشيت و لا حد خدها؟ وحنان فين؟"
عمر:" مش عارفين.. كل الرجالة بيدوروا عليها في المكان..بس واضح انها مش موجودة! وحنان انا امنتها برة"
تركه جو قبل ان يستمع للنهاية و خرج من الباب بحثا عن شهد..
فامر عمر بعض رجاله باتباع جو..
***
قامت شهد وقد استطاعت هذه المرة بدون ان تصاب بالدوار.. توجهت نحو المخزن..
قام سليم بسرعة و امسك بها قائلا :رايحة فين.؟"
شهد:" رايحة لجو!"
سليم ممسكا بذراعها :"بقولك جو ده تقريله الفاتحة دلوقتي! اعدي"
دفعته شهد وقالت وهي منزعجة جدا و علي وشك البكاء:" سيب ايدي يا سليم!"
فوجئت به يشهر مطواة في وجهها قائلا:" بقول اعدي!"
تراجعت شهد بتوجس فامسك بقطعة من السلك الملقاة علي الرض و قام بتقيد يديها معا ثم قدميها معا..
واجبرها ان تجلس امامه..
جلست شهد تفكر في كيفية الافلات منه ..
سليم لشهد ببعض الانفعال:" طول الوقت كنت عامل نفسي عادي.. طبيعي.. اشوف عدوي و هو بيغازلك.. ولا كأني شفت حاجة.. اسمعه و هو بيحكي عنك وعن مفاتنك..عادي و لا كأني سامع.. حتي لما كان يجي يسالني عنك كنت برد عليه واقوله انتي فين و عاملة ايه..عادي برده... لحد ما اشتراكي و انا ساكت.. عارفة الليلة دي شربت لما اتعميت و صحيت لقيت نفسي في منطقة تانية في الشارع معرفش حتي رحت هناك ازاي.. اعدت اقول بقي نا اللي علمتك كل حاجة و مربيكي علي أديا دول يجي حيوان زي عدوي ده ياخدك كده و يمشي؟!!"
نظرت اليه شهد مذهولة..
سليم؟! بعد كل هذه السنين ..يكن لها مشاعر ما؟!!
كان دوما مختلفا معها عن الجميع و لكنه ارجعت الامر الي انه من نوع الرجال اللطفاء مع المرأة .. فسليم بطبعه هاديء و مسالم علي عكس طبع الجميع العنيف..كما ان بينهما صداقة وطيدة فبرغم انها قد تكون اكبر منه بعام او اثنين الا انه كان مرشدها و معلمها .. وقد تعلمت علي يديه الكثير.. ومن هنا يأتي التشبيه الذي يردده طوال الوقت قائلا انها تربت علي يديه.. لقد صدمها و ادهشهها حقا ان تعرف انه يحبها..
لم ترد عليه، فبرغم اندهاشها لما يقول الا ان عقلها و قلبها و كل ذرة في جسدها مشغولة بجو.. و ما حدث معه..
كانت تبحث عن الطريقة الاسرع في الذهاب اليه..
استطرد سليم:" يوم اما هربتي منه كنت فرحان قوي.. وشمتان فيه.. مع اني كنت بدور عليكي معاهم ..زيي زيهم.. بس في قلبي كنت مزأطط.. كنت نفسي الاقيكي و مقولش علي مكانك لحد.. ابقي انا بس اللي عارفه.. صبرت و استنيت ده يحصل.. لحد ما عرفت ان واحد ضربه بالنار و اشتراكي!! بقي بعد كل الصبر ده و يوم ما ربنا ياخد عدوي و يخلصني منه الاقيكي مع و احد تاني؟! لأ و ايه.. عاجبك و خايفة عليه! بس بقي لعلمك انا المرة دي مش هسكت.. خلاص وقت السكوت انتهي.. انا ليا حق فيكي اكتر من اي حد.. انا الاولي بيكي من اي حد!!"
كانت حدته في الكلام تتصاعد و انفعاله يزيد.. حتي بدي انه ينهرها في اخر جملتين في حديثه قبل ان يقترب منها.. شعرت شهد بالتهديد.. فهي الان مقيدة امام شخص امضي يوما عصيبا جدا و نفسيته مدمرة و غالبا سيصب جام غضبه عليها.. كان منفعلا بشدة..
ولكنه فاجأءها للمرة التالية.. لم يكن جام غضبه الذي انصب عليها..
بل مشاعره.. مشاعره المكبوتة منذ اعوام مضت.. بعد ان امضي كل ذاك الوقت ينظر اليها عن بعد و يتحمل الشوق و الغيرة.. هاهي امامه بدون اي عوائق..عوائقه انتهت.. الاول مات و الثاني في طريقه ليحلق بالاول.. ناهيك عن انها مقيدة..
تراجعت شهد بجسدها وهي تقول:" سليم! انت اتهبلت في عقلك!"
لم يهتم بما تقول و لا بأي شيء اخر .. وكأنه تحت تأثير سحر ما.. اعتصرها بين ذراعيه.. تحسس شعرها ..كانت تقاوم وتصرخ .. وتهدده برد فعل عنيف.. و لكنه لم يكترث.. امسك بوجهها بين يديه و تأمله قليلا وسط سبابها و صراخها بصوت عال.. ثم استعد ليقبلها.. و ..
فجأة وجد نفسها يرتفع لاعلي و يطير بعيدا ليستقر علي الارض علي وجهه..
صاحت شهد بسعادة: جو!!
كان جو غاضبا ومنفعلا اكثر من يستطيع حتي ان يبتسم لها.. ما رأي للتو من محاولة سليم لتقبيل شهد و امساكه لها بتلك الطريقة جعلته مجنونا.. عاد لسليم الذي كان قد قام علي قدميه و لكمه بقوة في وجهه فسقط سليم ارضا فركله جو في عدة مواضع و لكن في النهاية رجاء شهد ان يتوقف منعه من ركله في رأسه.. لقد كان يرغب في قتله و لولا شهد لكان قد فعل..
استدار اليها ليجد احد رجال عمر المصاحبين له قد فك قيودها.. فانطلقت نحوه و احتضنته بقوة و اراحت رأسها علي صدره و قالت:"كنت عارفة ان مرعي مش هيقدر عليك..كنت عارفة"
لم يضمها كانت الدماء مازالت تغلي في عروقه اثر انفعاله من فكرة ان يلمس شخصا شهد.. خشي ان ضمها ان يسحق عظامها .. فهو لم يخرج طاقة غضبه كاملة ..
رفعت عينها اليه و قالت:" بلاش الوش ده.. انا مش ناقصة رعب.."
ربت علي رأسها و داعب خصلات شعرها و قال باقتضاب :" يلا من هنا.."
سارا مع الرجال الي سيارة تخص عمر وعمر يقف قربها ويقول:" يلا يا جماعة عايزين نمشي من هنا..حمد الله علي سلامتكوا"
فتح جو الباب اليمين الخلفي للسيارة وقام بادخال شهد .. وهم ليدور حول السيارة ليركب بجوار كرسي القائد..حيث ان احد رجال عمر سيقود..
ولكن فجأة خرج من داخل المخزن بعض الرجال السلحين يقودهم فاروق..
اشار فاروق علي جو وصاح برجاله:" هاتوه .. ده من رجالة الخواجة"
تحفذ رجال عمر لحماية جو وشهد بينما قفز جو بسرعة في كرسي القائد و ادار السيارة وانطلق و سط صيحات عمر:" اطلع بالعربية يا جو... اهرب يا جو"
طار جو بالسيارة علي ذلك الطريق الترابي.. كانوا في منطقة نائية علي تل عال..والطريق ضيق و وعر ومليء بالرمال..
ما كان من فاروق و رجاله الا ان ركبا سيارتهم ذات الدفع الرباعي (4x4) وانطلقوا خلف جو.. فكذلك فعل عمر وبعض و رجاله بسيارتهم الاخري في محاولة لانقاذ جو و شهد..
كانت مطاردة صعبة..
قفد كان فاروق يتميز عنهما بالسيارة المتمكنة من الطريق الوعر..
وكان جو يتجاوز المنحنيات الخطيرة بصعوبة.. فمن ناحية لديه التل الترابي و من ناحية اخري لديه حافة الهاوية.. اقتربت من سيارتهم سيارة فاروق.. كان يتعمد الاصطدام بهما ليخل بتوازن السيارة..
فتصرخ شهد مع كل اصطدام و انحراف لسيارتهما.. بينما يتشبث جو بقوة علي المقود للسيطرة..
كان عمر يتابع امامه الامر و يحاول اللحاق بهم و التدخل وبدروه يتفادي الانحراف مع المنحنيات الحادة..
كان مركزا بصره علي سيارة جو وما يحدث لها من اعتداءات من سيارة فاروق..
وفجأة..
رأي بعنيه امرا خطيرا.. لقد انحرفت سيارة جو اثر صدمة من فاروق..وخرجت عن الطريق.. لقد رأها تتجه بسرعة نحوة الحافة .. بالفعل كسرت الحاجز الجانبي للطريق و خرجت عنه..وانزلقت لاسفل بسرعة رهيبة.. اوقف سيارته و نزل مع رجاله وقبل ان يصلوا للحافة .. اعادهم الانفجار للخلف...
جروا مسرعين نحو الحافة ..ليجده السيارة التي بها جو و شهد بالاسفل محترقة تماما و اللهيب يتصاعد حتي ويكاد يصل اليهم بالاعلي..
وقف مذهولا لا يدري ماذا عليه ان يفعل.. بينما انطلقت سيارة فاروق و منها انطلقت ضحكة عالية ساخرة..
ركب سيارته مع رجاله مسرعا فحادث مثل هذا الان يسجذب كل عناصر الشرطة.. صار عليهم الرحيل
الحوادث و الموت امرا غير غريب علي عمر و لكنه قاد وهو مذهولا..
نهاية مؤلمة مأسوية لهما..
علي الاقل كانا معا و لم يفترقا..
ما فائدة ان يعيش المرء مفترقا عن حبيبه؟..
كيف سيخبر حنان بالامر؟!..
ستنهار..
***
كانت حنان في بيتها الفخم مرتدية فستانا اسود انيق وجلست بعين ذابلة تبكي .. كان البيت مليء بالعديد من اصدقاء جو .. كلهم اتوا ليعزوها.. فهو لم يكن لديه اهل سواها.. كان حمادة حاضرا يجلس في صمت ومطرقا رأسه وقد بدا عليه الحزن الشديد.. كانت ايضا سمر صديقة شهد تجلس و تبكي بكاءا حارقا.. وكل صديقاتها وزميلاتها بمركز التجميل حضرن و بكين..
سألت احداهن:" والحادثة دي حصلت ازاي؟"
حنان باكية:" العربية وقعت من علي طريق التل وانفجرت.. متبقاش منهم حاجة ندفنها.. اه ه ه يا حبايبي ا ه ه "
واكملت بكائها..
ثم فوجئت بفتاة طويلة بدا عليها الذهول بشعر طويل غير مهندم و عيون باكية و معها بضع فتيات اخريات يدخلن الي البيت.. كان احداهن تسحب تلك الفتاة الطويلة.. بدا عليها انها في حالة غير طبيعة..
قالت سمر لحنان بصوت خفيض موضحة:" دول رقاصات المحل.. اصحاب جو وكانوا زمايل شهد"
جلست الفتاة الطويلة قرب حنان و تأملتها ثم سألت و الذهول لم يفارق وجهها:" انتي اخته؟"
حنان:" ايوة .. اخته الكبيرة"
انهمرت دموع الفتاة و قالت:" انا زوزو.. حبيبته.. كنا بنحب بعض!"
ادركت حنان من تكون حين ذكرت اسمها..
قالت زوزو و هي في حالة مذرية من الحزن و عدم التصديق/:" انا اللي موته.. انا السبب!"
نظرت اليها حنان باهتمام وعقدت حاجبيها بينما انتبه لها جميع الحضور..
قالت زوزو وهي غير مدركة تماما الي الجمع المستمع و كانها تهذي :" انا اللي سخنت الخواجة عليه .. انا اللي قلتله كلام كذب عليه.. كنت فاكراه هيديله درس.. هيمشيه.. اي حاجة غير انهم يموتوه.. انا السبب.. انا اللي قتلته"
حنان بهدوء:" مش الخواجة اللي موته يا زوزو..ده نصيب وقدر"
زوزو وكانها لم تسمع:"انا اسفة يا جو... سامعني؟ انا اسفة.."
نظرت حنان الي الفتاة التي كانت تسحب زوزو مستفهمة.
فهمست الفتاة:" كبدي يا بنتي.. دي دماغها لسعت من ساعة ما عرفت باللي حصل.. اهي علي كده من ساعتها.. تعد تهذي كده مع نفسها.. وساعات كانها بتكلم جو الله يرحمه.. وساعات تعد ساكته متنحة في ولا حاجة.. و النبي انا خايفة تعمل في نفسها حاجة.. دي اتجننت خالص وسايبة شغلها و حالها.. ربنا يلطف بيها"
ربتت حنان علي ظهر زوزو .. لقد اشفقت عليها.. برغم كل ما فعلت من امور حقيرة و خبيثة الا ان منظرها الان مثير للشفقة حقا.. لقد احبت جو لدرجة القتل.. وهاهي تفقد عقلها بعد ان تحطم قلبها.. مسكينة..
اخذتها الفتيات و خرجن بعد مدة ليست طويلة.. بينما مازالت هي تحدث جو ز كأنه موجدا بينهم..
اقترب عمر من مجلس حنان و اشار اليها لكي تأتي اليه..
عمر هامسا:"مش عايزة حاجة؟ انا هتكل انا بقي.. "
هزت حنان رأسها نفيا في حزن..
عمر:"هكلمك باليل اوي لما اروح.."
حنان باقتضاب:"لأ هنام بدري.."
عمرعاقدا حاجبيه :" خلاص.. بلاش بقي اخدك معايا بكره.."
اتسعت عينا حنان خوفا ان ينفذ ما قال وقالت:"هستني مكالمتك.."
عمر غاضبا:" ناس متجيش غير بالتهديد صحيح!.."
حياها و خرج..
تنهدت بعمق وهي تتابعه يخرج..ثم عادت لمجلسها و نظرت حولها لمجلس العزاء.. والتقت عينيها بعيني حمادة...
ثم انهمرت دموعها..