لم يدعُها إلى الجحيم...
بل هي من ذهبت بـ كامل إرادتها...
زفرت بـ ضيق عدة مرات وهى تترجل من سيارة الأجرة وبقت تُحدق بـ تلك المدينة التي لطالما كرهتهت على الرغم من عدم زيارتها لها مُسبقًا ولكن يكفي ما تداوله الأقاويل عنها "مدينة الموتى" هذا ما وصلها عنها
لأول مرة بـ حياتها تكره اسمها..مجرد حرف صغير أودى بها إلى هُنا..لم يكن عليها أن تكون هُنا بل بجوار والدها القعيد ولكن أخطأ أحدهم ما بين حرفي "اللام والدال" فـ أُستبدلت بـ زميلها
إنتبهت على صوت السائق وهو يقول
-نزلتلك الشُنط يا ست العرايس
-مُتشكرة...
قالتها وهي تمد يدها بـ بضع ورقات نقدية ليأخذهم السائق ثم رحل
بقت هي تلعن سوء حظها فـ هي فتاة لم تتجاوز السادسة والعشرين من عُمرها تعمل كـ جراحة بـ إحدى المشافي الحكومية التابعة لمدينتها ولكن شاء القدر أن يتم نقلها إلى تلك المدينة نظرًا لما تُعانيه من عجز بـ طاقم العمل
وضعت نظارتها الشمسية على عينيها الزرقاوين بـ لون السماء الصافي
تنهدت حاملة لحقائبها ثم توجهت إلى بوابة المدينة..كانت الساعة لا تزال مُبكرة على خلاء الطُرق بـ هذه الطريقة المُثيرة للريية..إبتلعت ريقها بـ توجس ولكنها تشجعت وأكملت طريقها
بـ سيرها بقت تُشاهد معالم المدينة الساكنة..المِحال مُغلقة ولا ترى بشري واحد..داهمتها أحد مشاهد الأفلام الأجنبية التي تُشاهدها..تكون المدينة فارغة ومن ثم يبدأ القاتل بـ مُطاردتها..ضحكت على سذاجتها بل بـ الواقع هذا ما تنتظره..فـ المدينة هي مسقط رأس الخارقين عن القانون بـ كل أنواعهم وأجنساهم فـ لا ريب أن الجميع يهرب من تلك المدينة النائية
وفي ظل السكون والرياح هي المؤنس الوحيد..وجت أحد المِحال مفتوحة..تهللت أساريرها وإتجهت إليه سريعًا..ولكنها توقفت وعينيها تتسع بـ هلع فـ لم يكن هذا المحل سوى لمتاجرة السلاح..إبتعلت ريقها وقررت العودة دون أن ينتبه لها من بـ الداخل
تجمدت هي على صوت ليس بـ الغليظ ولا بـ الرفيع وهو يهدر
-مش حظر التجوال بدأ!!..ماشية ليه يا ست أنتِ!!...
إبتعلت ريقها وقد تجلدت كل عضلات جسدها فـ عجزت عن الحراك وظلت تُتمتم بـ حسرة
-منك لله يا سليم..رقبتي هطير بسببك...
إستدارت بـ إنتفاضة على صوته وهو يزعق..لترفع النظارة فوق خُصلاتها البُنية مُمتزجة بـ الشقار الإصطناعي..عاينها الرجل من رأسها حتى أخمص قدميها ثم نظر إلى حقائبها ليحك ذقنه قائلًا
-شكلك لسه جديدة!..مش كدا يا ست !
-أومأت بـ تردد قائلة بـ خفوت:أيوة..أنا دكتورة..إتنقلت جديد هنا...
لمحت إبتسامة خبيثة ترتسم وهى تراه يُعاين جسدها المُغري بـ وقاحة..لتضرب بـ كعب حذائها الأرض بـ صرامة جعلته يرفع حاجبيه بـ إعجاب قبل أن يردف بـ نبرة لا تقل خُبثًا عن إبتسامته
-نورتي يا ست الدكاترة كلهم...
نظرت إليه بـ إشمئزاز قبل أن تتشدق بـ جمود ونبرة خشنة
-طب أنا عاوزة أروح المستشفى
-ليرد هو بـ عبث:طب مش تروحي تريحي يا ست الدكتورة من تعب السفر!..في مُكنة تروحيها ولا تحبي أوديكِ بـ نفسي
-إتسعت عيناها بـ صدمة ولكنها هدرت:أفندم!!..أنت بتقول إيه يا راجل أنت؟!...
قهقه الرجل بـ قوة حتى إهتز كتفيه وبقت هي تُحدق به بـ غضب..ليقول بعدما فرغ من ضحكاته
-متتزرزريش كدا..القانون هنا بيقول..إعمل كل حاجة إلا إنك تقرب من ست أه..دا سيف على رقبة أي راجل هنا..فـ متخافيش عشان أنا هخاف أكتر منك لو فكرت أأقربلك..دا مبيرحمش...
إنتبهت حواسها لتلك العبارة الأخيرة لتسأله بـ إهتمام
-مين دا!!...
رفع منكبيه وصمت لتزفر بـ ضيق وعادت تسأله
-مين دا اللي مبيرحمش؟
-إلتوى شدقه بـ سخرية وقال:مفيش داعي تسألي..أنتِ هتعرفي لوحدك...
وها هو لُغزً جديد يُلقى بـ طريقها بـ تلك المدينة..ألا يكفي الرُعب الذي إجتاح أوصالها..حظر تجوال ثم مِحل أسلحة غير مُرخص مفتوح بـ ذلك الحظر وأخيرًا من لا يرحم الذي لا تعرفه بعد..ولكن ثمة هاجس بـ عقلها أخبرها أنها لا يجب أن تعرفه..لا يجب..لا يجب أبدًا
إرتفعت أنظارها إليه وهو يقول بـ جدية
-بصي يا ست الدكتورة..شوية قوانين هتعرفيها بس مش دلوقتي..أنا هوصلك لسكن حُنين كدا عليكِ بتاع واحدة أعرفها..ومحدش هيقربلك..زي ما قولتلك مفيش حد يقدر يكسر القانون دا وإلا حياته هتكون هي التمن...
أمن المُفترض ما قاله يُطمأنها؟..بل على العكس أضفى المزيد من الرُعب لرُعبها الحالي..ضمت قبضتيها تُخفي إرتجافتها وهي تستمع إلى صاحب المحل يُخبر من بـ الداخل أنه سيقضي مصلحةً ما ثم يعود..أشار بـ يده وقال
-إتفضلي يا ست الدكتورة..ألا الدكتورة اسمها إيه!
-تحركت بـجواره وهمست:سديم
-حك ذقنه ثم قال بـ إبتسامة واسعة:الله..اسم حلو أوي..لأ ولايق عليكِ...
إمتعضت ملامحها..يُحادثها وكأنه يعرفها مُنذ زمن..وكأنه من الطبيعي أن يُحادثها ..وكأن كل هذا طبيعيًا أن يحدث
ظلت تسير بجواره والرجل يتحدث بلا إنقطاع ولا تنكر أنه يتمتع بـ حس فُكاهي رائع ولكنه لم يتطرق إلى ما يخص تلك المدينة بل حياته الشخصية و زوجاته الأربع الاتي لا يقدر عليهن بل ويُفكر بـ قتلهن والهروب
************************************
توقفا أمام بناية ليست بـ حديثة الطُراز ولكنها تفي بـ الغرض..طلب منها صاحب المحل أن تنتظره بـ الأسفل..أومأت بـ موافقة ليصعد هو
بعد عدة دقائق ظهر هو ومعه فتاة تبدو في الثلاثين من عُمرها تبتسم بـ وجهها المشوه بـ حرق بـ وجنتها اليُسرى ولكنه لم يُخفِ ملامحها الجميلة
إبتسمت تلك الفتاة ثم رفعت عباءتها السوداء لتقول بـ حبور وهي تتقدم من سديم
-هي دي الداكتورة!..يا ألف أهلًا وسهلًا..خطوة عزيزة يا ست الكُل
-ردت سديم بـ إقتضاب:شكرًا
-تولى الرجل الحديث:دي سُمية طليقتي!!...
إرتفع حاجبيها بـ ذهول..أهو مُتزوج لأربعة وأخرى طلقها!..لا تُصدق تلك الحميمية بـ تعاملهما..طليقته ولكنها تتحاور معه الآن وكأنه جارها
-لازم تشليها فـ عينيكِ يا سُمية..دي من طرفي
-أشارت إلى عينها اليُسرى ثم اليُمنى وقالت:أنت تؤمر والقمر تستريح...
إستدارت سُمية إلى سديم الذي عقد الإنشداه لسانها ثم أردفت وهى تُمسك مرفقها بـ حركة عفوية
-أنا عندي ليكِ مُكنة هتعجبك..صحيح مش كبيرة أوي..بس أنتِ ست لوحدك مش هتحتاجي أكتر من كدا...
ثم عادت تلتفت إلى صاحب المِحل وقالت بـ نبرتها العالية ضاربة على صدرها عدة مرات
-دي بقت فـ حمايتي يا حج..مش هخليها تحتاج أيتوها حاجة
-أصلية يا بت..إبقي تعالي...
أردف عبارته بـ مكر وهو يضربها بـ مرفقه بـ خاصتها..لتضحك سُمية بـ غنج وهي تومئ بـ تأكيد..كانت سديم تُتابعا ما يحدث بـ أعين جاحظة لا تُصدق..بيئتها الطاهرة التي نشأت بها تلوثت بـ شخصين أغرب من الكائنات الفضائية
إنتبهت على صوت سُمية وهى تقول بـ صوتها الرنان
-معلش يا ست الداكتورة مفيش هنا أسانسير فـ هتطلعي على رجلك...
ثم صمتت دون أن تُكمل لتقول بـ عفوية وإنبهار
-بسم الله الله أكبر..عينكِ لونهم حلو و واسعين...
ثم ضحكت لتقول وهي تصعد
-أنا مبحسدش..بس عينيكِ لونهم حلو ومبنشفهوش كتير
-أومأت سديم قائلة بـ إبتسامة تظهر لأول مرة:شكرًا..أنتِ كمان جميلة أوي
-ضحكت سُمية مرةً أخرى ثم أردفت:تسلمي يا غالية...
وصلتا إلى الطابق الخامس لتقول سديم بـ إنهاك
-السلم مُتعب أوي
-معلش يا ست الداكتورة..البيت قديم شوية..بس مرة فـ مرة هتتعودي...
كانت بـ مُقابل شقتها أُخرى ألقت عليها نظرة خاطفة ولكنها لم تُعيرها أدنى إهتمام..فتحت سُمية الباب ودلفت وسديم خلفها
الشقة مساحتها متوسطة..صالة وساحة إستقبال صغيرة..تحتوي الأولى على أريكتين عصريتين مُتقابلتين وتلفاز موضوع بـ مسافة ليست ببعيدة عن الاريكيتين..والثانية بها صالون عتيق ولكنه أنيق..وشُرفة طولها لا يتعدى الخمس أمتار ولكن عرضها واسع..بها طاولة مُستديرة وحولها مقعدين خشبيين من اللون الأبيض
وغُرفتين إحداهما واسعة وأُخرى ضيقة..المطبخ معزول قليلًا ومساحتة ليست بـ الهينة وكذلك المرحاض
أُعجبت سديم بـ الشقة ولكنها قالت بـ مرح
-كل دي وصغيرة!..أومال لو كبيرة كانت هتبقى أد إيه؟!
-ضحكت سُمية وقالت:أومال لو شوفتي الشقة اللي قصادك!..دي كلها متجيش حمام جنبها..والله يا ست سديم لولا إنها متسكنة مكنتش تتعز عليكِ
-نفت سديم قائلة:لالا..دي حلوة أوي
-معلش بقى هي مش نضيفة..هبعتلك كام بت كدة يقوموا بـ الواجب
-عادت تنفي:لا ملوش لزوم..أنا هقوم بـ الواجب..قوليلي بقى الإيجار كام!
-تحولت معالم سُمية بـ ضيق وقالت:عيب كدا أنتِ بتشتميني يا عروسة ولا إيه!..أنتِ جاية من طرف المعلم وميصحش اللي بتقوليه
-أصرت سديم قائلة:وبرضو ميصحش أقعد من غير فلوس
-ربتت سُمية على ذراعها وقالت:مش هنختلف..بس نتفق بعدين..السفر أكيد تعبك..يلا فُتك بـ عافية...
عدلت من وضع وشاح رأسها الذي يظهر منه مقدمة خُصلاتها الشقراء ثم رحلت
أمسكت سديم بـ حقائها وجرتها إلى الغُرفة لتنتقي بعض الثياب المُلائمة لعملية التنظيف ولكن بعد تناول وجبة خفيفة كانت قد إبتاعتها أثناء السفر
*************************************
خرج من المرحاض بعدما أخذ حمامًا هادئ..دلك مُؤخرة عنقه لإزالة تلك التشنجات..إلتقط الفُرشاة وبدأ بـ تمشيط خُصلاته السوداء ثم وضعها وإتجه إلى المطبخ لإعداد كوبًا من الشاي الأسود
وضع الماء الساخن بـ الكوب..إسترعى إنتباهه تلك الإضاءة الآتية من المطبخ المُقابل لخاصته..أمسك الكوب وإتجه إلى النافذة ليجد بعض الحركة التي تدب هُناك..يبدو أنه سيُصبح جارًا لآخر ولا يستبعد أن يكون أربعيني لزج
لوى شدقه بـ عدم إكتراث ثم إتجه إلى الصالة..إلتقط هاتفه عندما صدح بـ نغمته ليضعه على أُذنه و يقول بـ صوتٍ عميق
-خير!!
-أتاه صوتًا من الجانب الآخر:إيه يا بني أنت فين!
-أجاب دون إكتراث وهو يتجه إلى الشُرفة:كنت باخد دُش..لسه راجع من القسم دلوقتي
-طيب عمتن هتعمل إيه؟!
-جلس على المقعد الأسود وقال:فـ إيه!!
-زفر الآخر وقال:يا بني ركز..في دكتورة جاية عندك ولازم تخلي بالك منها هي منقولة غلط أصلًا
-ضرب على سطح الطاولة وهدر بـ غضب:قولت ستات لأ..مفيش ست تدخل المكان دا ولا هو عِند وخلاص
-عِند إيه بس!..قولتلك جت غلط أصلًا..المفروض واحد اسمه سليم يجي بدالها بس حصل لَبس فـ الموضوع فـ لبست هي...
حك جبهته بـ عُنف وقال من بين أسنانه
-والمفروض بكل اللي بيحصل هنا..أبقى مسئول عن واحدة ست كمان صح!
-أتاه صوت الآخر يقول بـ تهدئة:معلش يا قُصي..تعالَ على نفسك كام شهر لحد أما المستشفى هنا تتصرف
-زفر بـ حنق قائلًا:أوووف..طيب..يلا أقفل...
أغلق الهاتف ثم ألقاه بـ غضب فوق الطاولة ليحك خُصلاته السوداء التي تصل إلى عنقه ليُتمتم بـ حنق
-ناقص أنا ستات وقرف...
إرتشف من كوبه الساخن ليستمتع بـ نسمات الهواء الهادئة عند الغروب قبل أن يتجه إلى نومه حتى يتجه إلى عمله صباحًا
وعلى الجانب الآخر كانت سديم قد إتجهت إلى الشُرفة لتفتحها ثم وقفت بها تتطلع بها..إبتسمت بـ إعجاب فـ هي تُشبه شرفة منزلهم بـ مدينتها..مدينة الإسماعيلية
إلتفتت حولها تُشاهد الطريق الساكن وقد حلّ المساء..دون قصد إلتفتت إلى الشُرفة الخاصة بـ الشقة المُقابلها لخاصتها ولكنها شهقت بـ صوتٍ مكتوم وهي ترى جارها الوقح..يجلس مُعطيًا إياها ظهره العاري لا يرتدي سوى منشفة تُحيط خصره وساقيه حتى رُكبته
تضرجت وجنتيها بـ خجل لترتبك وتعود أدراجها ولكن بعد أنا أثارت الفوضى وشق السكون صوت تخبطها بـ أثاث الشُرفة
إلتفت قُصي على صوت الذي أقتحم خلوته بـ غضب ولكنه لم يجد سوى أثاث مُبعثر وصوت باب الشُرفة يُغلق..ليُتمتم بـ غضب وفد تقلصت عضلات وجهه بـ إمتعاض
-كمان مبيحترمش الجيرة والهدوء...
***********************************
وقفت تلك الخادمة أمام الغُرفة المُحرمة..مُترددة بـ الطرق..لا أحد يقترب..لا أحد يجوز له بـ الإقتراب..لا أحد ينجو من بطشه
لا تعلم ماذا عليها أن تفعل ولكن الأمر هام..و زوجته المريضة تطلبه وتتألم..إبتلعت ريقها بـ تردد وهى تقول بـ داخلها
-أهي موتة والسلام...
طرقت بـ خفة ولسان حالها يُردد الشهادتين..دقائق وسمعت صوت خطواته تقترب..إستشعرت غضبه وإستشعرت نهايتها تلوح لها من بعيد
فُتح الباب على مصرعيه لترتد عدة خطوات والرُعب يجتاح جسدها فـ إرتعشت..عيناه السوداء تُرسل نظرات تُخبرها "ألم أُحذر بـ الإقتراب!"
إبتلعت ريقها الجاف وأردفت بـ تلعثم وكل عضلة بـ جسدها ترتعد
-آآ..آسفة..بس..بس...
توقف لسانها عن التحرك وتقطعت أحبالها الصوتية وهي ترى عيناه تشتد قسوة ولكنها أردفت سريعًا عندما شعرت بـ قدرتها على تحريك لسانها
-الست هانم تعبانة وطلبت تشوف حضرتك...
ما أردفت به..شفع لها..فـ قد تركها وتحرك سريعًا إلى غُرفة زوجته دون أن ينظر إلى الخادمة التي وضعت يدها على صدرها تتنفس بـ إرتياح فـ قد ظنت أن رئتيها إنكمشتا وفقدت القدرة على إدخال الأكسجين وإخراج ثاني أكسيد الكربون..لتركض بعدها إلى الأسفل فـ قد كُتب لها الحياة
************************************
إرتدى بنطاله الأسود وعليه كنزته البيضاء وإضجع فوق الفراش..حاول النوم عبثًا وتلك الأصوات الصادرة عن الشقة المقابلة له تُقلق راحته
زفر بـ ضيق ليستدير على جانبه الأيسر ليضع الوسادة فوق رأسه ولكن صوت تحريك الأثاث يُصدر إحتكاك قوي يخترق أُذنيه
إنتفض جالسًا على الفراش يسب ويلعن ذلك الجار المُزعج..هز ساقه بـ عصبية و هو يتكئ بـ مرفقه على رُكبتيه..يتسول النوم بعد يومًا طويل من العمل الشاق والمُرهق وذلك الأربعيني اللزج يسرق راحته
إنتظر طويلًا حتى هدأت الأصوات ليتأفف بـ ضيق هامسًا من بين أسنانه
-حسبي الله ونعم الوكيل..الله يسامحك يا سُمية على مجايبك اللي تكفر...
عاد يضجع فوق الفراش..يضع يده فوق عينيه وأغلق الإضاءة
دقائق..فقط دقائق قبل أن يعود وتصدح الأصوات بـ شكل أعنف..فـ نافذة غُرفته تطل على الغُرفة المقابلة للشقة الأُخرى..وصوت الإحتكاك يصله بـ وضوح بل يكاد يشعر أنه يحدث بـ غُرفته
إنتفض بـ عُنف هادرًا
-لأ بقى دي قلة ذوق...
إرتدى خُفه المنزلي وفتح باب غُرفته..خطواته تكاد تلتهم الأرض..وصل إلى باب شقته ليفتحه بـ قوة تاركًا إياه مفتوح على مصرعيه
إتجه إلى الباب المقابل له وبدأ الطرق بـ عُنف..يد تطرق الباب وأُخرى تدق الجرس..والعُنف يجتاح أوصاله
وبـ الداخل إنتفضت سديم لتسقط من يدها القنينة مُلوثة الأرضية بـ سائل التنظيف..زفرت بـ غضب وألقت القطعة القُماشية البالية بـ عُنف أكبر وهى تُتمتم بـ غيظ
-مين عديم الذوق اللي بره دا!...
فتحت هي الأُخرى بابها بـ عُنف ليهدر الأثنان بـ غضب بـ الوقت ذاته
-إيه قلة الذوق دي!
-خلي عندك شوية دم الناس مش عارفة تنام!!...
والدهشة تعتلي الإثنين..فـ الجار لم يكن سوى فتاة جميلة ترتدي ثياب بالية ولكنها لم تُخفي جسدها المغوي..و وشاح رأس بسيط على هيئة مُثلث تعقد به خُصلاتها حتى تستطيع العمل..وعينين زرقاوين صافيتين تُطالعه بـ غضب شديد فـ جعلت عينيها تلمع كـ قطة شرسة..وهذا بعيد كل البُعد عن جار أربعيني لزج
وهو لم يكن سوى جارها الوقح صاحب المنشفة القصيرة..تعالت أنفاسها وهى ترى ملامحه الرجولية الغاضبة..عينين سوداوتين عميقتين كـ عُمق المُحيط..و لحية تُحيط فكه القوي ، المُتشنج
أشاحت بـ نظرها عن تُفاحة آدم الظاهرة بـ وضوح لتعقد ذراعيها أمام صدرها مُغمغمة بـ حدة
-أفندم!!...
إستفاق قُصي من تحديقه المذهول بها ليُحمحم بـ ضيق ثم أردف
-مش عارف أنام
-إرتفع حاجبها الأيسر بـ ذهول مُتشدقة:أفندم!
-زفر بـ غيظ وزعق:صوت تحريك العفش مش مخليني عارف أنام..إحترمي جيرانك شوية
-أردفت بـ برود:طب وأنا أعمل إيه!..أنا زي زيك عاوزة أنام ومقدرش أنام والشقة مليانة تراب
-قابلها بـ برود ثلجي رهيب:ودي برضو مش مُشكلتي..الصبح بعد أما أمشي تقدري تعملي اللي أنتِ عاوزاه...
حلت ذراعيها عن صدرها و أنزلتها على جانبيها لتقف بـ وضع تحفز ثم هدرت بـ غضب وقد فقدت أخر ذرة من تحضرها
-إيه قلة الذوق والبجاحة دي!..مين أنت عشان أستنى حضرتك تصحى عشان أوضب شقتي
-أشار بـ تحذير هامس:وطي صوتك يا أنسة..وأنا مين دا شئ ميخصكيش..واللي أقوله يمشي..أنتِ لسه جديدة هنا فـ بلاش أتصرف معاكِ تصرف ميعجبكيش..بعد إذنك...
الذهول الذي إعتراها جعلها غيرُ قادرة على الرد عليه..بل صمتت وهى تراه يتجه إلى شقته وقبل أن يُغلقه أردف بـ نبرةٍ آمرة
-بلاش دوشة وبطلي اللي بتعمليه عشان كدا مش حلو ليكِ وأنتِ شكلك بنت قاعدة لوحدك
-أشارت إلى صدرها وهمهمت بـ صدمة:أنت بتهددني!
-أجابها بـ فتور:أنا بهددش أنا بحذرك بس يا قطة..تصبحي على خير ولا متصبحيش يكون أحسن...
أغلق الباب بـ وجهها بـ عُنف جعلها تنتفض..وظلت هي تُحدق بـ بابه المُغلق بـ صدمة جعلتها غيرُ قادرة على الحركة..هي سديم سيدة مصر الأولى بـ لسانها السليط يُخرسها جار نرجسي يظن أن الجميع يخضع له بل والغرور يتمكن منه لجعله إياه صامتة بل وتشعر بـ الغضب يفور بـ أوردتها
ضمت قبضتيها بـ قوة لتُغلق بابها وبـ تحدي بدأت بـ تحريك الأثاث بـ صورة أعنف و بـ داخلها يُردد "ما هذه المدينة الغريبة وجارها المعتوه بل كل من قابلته كان معتوهًا!"
وعلى الجهه الأُخرى كان يعلم بـ قرارة نفسه أنها لن ترضخ..عيناها التي لمعت بـ غضب أنبأته أنها تعشق التحدي..ليست من ترضخ وتسكن. لسانها سليط ونغمة صوتها الرقيقة ولكنها قوية..كل ذلك جعل من قراءته لها أسهل من مادة الفيزياء التي كان يكرهها
جلس فوق الفراش وهو يبتسم ولكن بـ غضب وداخله توعد لن يجعلها تهنأ بـ شقتها الصغيرة
أنت تقرأ
ملكة على عرش الشيطان الكاتبه اسراء على
Romanceجميع حقوق الملكية تخص الكاتبه اسراء على صفحه الفيس بوك باسم :روايات بقلم إسراء علي أُرسلت إلى الجحيم... والجحيم لم يكن مكانًا... بل كان هــــو!!!