٢٠

31.3K 801 6
                                    

الفصل العشرون
*************

وقفت خلفه تتحامي به بعد أن عنفها احد الأطباء لمجرد خطأ لم تقصده..
كان يمر مع احد زملائه يتناقشون نحو حاله مريض
ليجد الطبيب جون والذي عاد من سفرته يتشاجر مع زوجته يعلم أن سبب تلك المشاحنه ماهي إلا عنصرية لا أكثر
انتهي الأمر وجون يعتذر منها بعدما أخبره يوسف بكل فخر انها زوجته وانصرف جون لينصدم يوسف من يدها المُتشبثه بيده بقوة وكأنها تستمد منه الأمان هكذا
....................................................
مسح على وجهها بكفه الذي داعب بشرتها الناعمه بخشونته... ليضحك على تصرفها الطفولي وهي تتمايل بوجهها فهتف مازحاً
- الايد الخشنه مع البشره الناعمه
فضحكت معه وهي تمسك كفه لتنظر إلى بعض التشققات التي بيده فمهما مرت السنين واصبح ستظل يداه تحمل معه حكايته
وبعد وقت من الضحك والمزاح كان يحكي لها عن أول عمل له واول دقة كان يدقها على باب منزلهم وقلبه يتراقص من السعاده لأنه عاد يحمل قوت يومه
- تعرفي يازينه زمان كانت ابسط امنياتي اقدر اشتري جزمه جديده لسلمي عشان مش عايزه تروح المدرسه بجزمتها اللي اتخيطت بدل المره عشره ..اواغير نضارة إيمان لان نضارتها القديمه مبقتش تشوف بيها ومش عارفه تذاكر
ولمعت عيناه بذكريات وهو يتذكر حال أشقائه وهتف وهو يمسح على وجهه حتي لا يضعف ويبكي أمامها
- فارس كان بينام على كتبه عشان يحقق حلمه ويبقى دكتور... مكنش بمقدرتي اساعده غير أنه ياخد درس واحد..
وضحك وذكرى آلم تلك اللحظه مازالت مُرسخة داخله
- بكيت في حياتي بقهرة مرتين... يوم ما ابويا مات ويوم ما شوفت زمايلي داخلين الجامعه وانا كنت بشتغل مع مقاول هناك بنبني مبنى جديد فيها وشايل على كتفي المونه.. لحظتها ودعت كل أحلامي
دمعت عيناها وهي تسمعه وتخيلته وهو في تلك اللحظه فجثم الآلم علي قلبها
- انت كبرت كده ازاي وبقي ليك اسم في السوق
فمال نحوها يُطالعها بحب
- دعوات أمي يازينه.. بقيت فريد الصاوي بدعواتها
وقبل أن تهتف بشئ كان يضمها إليه يُخبرها بصدق
- بحبك
.....................................................
فتحت نجاة عيناها ووضعت يدها على قلبها تُعاتبه
- ملقتش غير ده تحلم بي
وسقطت دموعها بقلة حيله تلوم حالها على ما ليس بيدها
- اوعاك تفكر فيه
وسقطت دموعها ولكنها كانت أقوى دوماً بإيمانها... وبدء صوت أذان الفجر يعلو لتنهض من فوق الفراش وأقتربت من شرفه غرفتها تُطالع السماء وهي تُردد دعائها الدائم ولم يكن إلا
" الرضى والعوض وحسن الخاتمة"
.......................................................
وقف يصيح بعلو صوته حانقاً ..لتضع الفطور على المائدة وتركض إليه تسأله
- مالك يااحمد في ايه
فمد لها ذراعه يُشير نحو زر كم قميصه الذي أوشك على السقوط هاتفاً
- شايفه الإهمال ياهانم
فطالعت الزر ثم ركضت تبحث عن الخيط والابره لتتقدم منه وتبدء في حياكة الزر
يعلم أنه كان من الممكن أن يرتدي قميصاً آخر ولكن أراد أن يُجرب عنفوانه معها... ومالت برأسها تقضم الخيط ثم طالعته
- كده كويس
ضاع مع نظرات عيناها البريئه له أراد لو ضمها بحنو واخبرها انها أتت إليه بعد ما غلف قلبه الصدأ وكثرة الاتربه عليه
ولكن عاد إلى جموده وابتعد عنها دون شكر وألتقط سترته ليرتديها
.........................................................
كانت سعيده وهي تُخبره أنها اجتازت اليوم امتحان اللغه
جلس معها طيلة الليل يُدرسها رغم ارهاقه وحاجته للراحة
كان يكفيه أن يرى حماسها هذا.. واتسعت عيناه وهو يجدها تتعلق بعنقه ثم طبعت بقبلة على خده
- شكرا
فأبتسم يوسف وهو يُطالعها كيف تبتعد عنه بعدما بادرت بتلك الفعله
- انا هروح احضر العشا
ليجذبها إليه هاتفاً بشوق وقد نفذ مخزون صبره
- كفايه ياشهد
لم تفهم مقصد كلمته الا بعدما فاقت من العالم الوردي الذي ادخلها فيه
لتفتح عيناها وهي تشعر بلمسه يده الحانيه غير مُصدقه انها وهبته نفسها في لحظه ولكن هو من جعلها تصبح راغبه به فقد أعطاها كل شئ تمنته وكان أهم إحدى امنياتها أن أحدا يسمعها دون أن يسخر من أحلامها
وهمس وهو يتأمل ملامحها بلوعة ورغبه
- سألتيني في يوم اشمعنا أنتي
فتذكرت ذلك اليوم الذي ذهبت إليه فيه بعاصفتها تسأله لما هي أراد الزواج منها فحركت رأسها مُنتظرة اجابته
- لاني حبيتك ياشهد
" حب" هل قالها لها أحداً يوماً.. لا تتذكر انها سمعتها من قبل
كانت ترى تلك الكلمه في سطور الروايات ولكن اليوم هي تسمعها
وعندما وجدها تُحدق به بذهول ضمها اليه بحنان
- تعبتيني معاكي ياشهد
فأبتعدت عنه ترفع عيناها نحوه وقبل أن تنطق بكلمه... كان وقت الكلام قد انتهى وجاء وقت معزوفه حبهم
.....................................................
جلس فارس أمام جيداء التي أخذت تُطالعه وهي تشعر بتباعده عنها كل يوم
- اخيرا مهربتش مني زي العاده
فتنحنح فارس حرجاً
- أنتي عارفه اني لسا راجع من كندا امبارح
ومرت لحظات من الصمت بينهم الي أن قررت أن تنهي تلك المتاهة التي هي عالقه بها قبل أن تضيع فرصه الزواج من شخص يتمنى ارضائها وهي لا تنتظر الا ذلك الجالس أمامها ولكن كلما تقدم خطوه يتراجع
- فارس انا بحبك
كان يعلم بحبها وخطوته في الزواج منها كانت تزداد ولكن دخول نجاة حياته جعل كل شئ ينقلب
- أنتي انسانه هايله ياجيداء بس ما اظنش اننا هننفع نكون اكتر من زملاء
فضحكت بخفوت وطأطأت عيناها نحو فنجان قهوتها وأخذت تتلاعب به
- على العموم انا هتجوز يافارس... للأسف مش كل الناس محظوظه انها تلاقي الحب
ونهضت من أمامه... لتتعلق عيناه بها غير مُصدقاً أن تلك التي كانت أمامه جيداء
لتخرج من المقهى الذي اعتادوا أن يتقابلوا فيه مُتذكرة نصيحة صديقتها ان تجد نهايه لحكايتها دون ان تخرج خاسرة
...................................................
وقفت تترجاه أن يأتي معها لعُرس صديقتها ولكنه تعلل بعدم حبه لتلك الأشياء فهتفت دون قصد منها
- بس انت كنت بتروح مع شذا وبتحضر معاها مناسبات كتير... اشمعنا انا يااحمد
وسقطت دموعها وهي تشير على حالها.. ليلتف نحوها بغضب
- انتي هتبتدي تقارني نفسك بغيرك
واقترب منها بضيق
- ومش هتروحي فرح صاحبتك ياسهر
وغادر وتركها تهتف بأسمه.. فهوت على الاريكه تضم وجهها بين كفيها وتبكي بحرقة على قسوته معها
..............................................
جلسوا جميعهم يتناولون الطعام بدأت الجالسه صامته إلى أن أخذت سلمي دورها ولم تترك أحدا إلا وتشاكسه
شاركتهم نادين الضحك واندمجت معهم...رعم أوجاعها وتآلمها علي حال والدها وذكرى الحبيب الذي نسيها حتى بعدما أخبرته أن ما جمعهم كان حباً كبيراً
ووقعت عيناها على فريد المائل نحو زينه يؤنبها على عدم تناولها الطعام فأبتسمت تعذر زينه علي مشاعرها نحوها... فيوم ان وجدت حبيبها الذي لم يتذكرها علمت كيف كان شعور زينه وآلمها
رغم ان الآلم مُختلف ولكن في النهايه هو آلم
مزاح وضحكات ودفئ عائلي كان في تلك اللحظة...
نجاة كانت تضحك رغماً عنها وتتحاشا النظر لفارس الذي يُسلط عيناه عليها
ولا تعلم السبب ولكن قررت الا تترك قلبها يقودها لطريق تعرف نهايته المُظلمه
....................................................
لا يعلم كيف انصدمت سيارته بعمود الإنارة.. فأصطدم رأسه بعجلة القياده ليغمض عيناه يتذكر بكائها وصوت ندائها
ضرب رأسه أكثر ولقطات من حياتهم منذ أن تزوجها تسير أمامه
تركض خلفه تُجمع ملابسه.. تعود من عملها لتُجهز الطعام إليه... ملابسه نظيفه بل وازداد وزناً ..أصبح يضحك براحه خارج المنزل وحين يعود لا يكف عن الهتاف بأسمها وامرها " سهر اجلبي، اضعي..هذا لا يروقني.. ذلك غير نظيف" وهي تفعل كل شئ بحب... حب أعطاه لمن لا تستحق وعندما جاءت من تستحقه أصبح بخيلاً معها
...................................................
عاد للمنزل بوقت متأخر ليجدها مازالت مُستيقظه وفور أن وقعت عيناها عليه أزاحت الغطاء عنها ونهضت من فوق الاريكه راكضه
- أحمد مالك... ايه اللي حصلك
وتحسست جبهته بخوف
- انت كويس ياحبيبي.. انا اسفه خلاص مش عايزه اروح مدام انت رافض
وتجمد جسدها من فعلته فهو يحتضنها بين ذراعيه بقوة
- كنتي فين من زمان ياسهر
وابعدها عنه ينظر لملامحها المذهوله من فعلته ليمسح على وجهها
- انا اسف
وبدء ليلهم لأول مره وهو من يعطي حنانه
- لسا وجعاك
فأبتسم بخفه وهي يعدل رقدته فوق الفراش
- أنتي سألتي السؤال ده عشر مرات.. يابنتي ديه خبطه عاديه
فتنهدت مُطمئنه تضع بيدها على قلبها
- الحمدلله
ومال نحوها ليُربكها
- بتخافي عليا ياسهر
ولم تجد اجابه تخبره بها عن خوفها الا ضمها له بحب
.......................................................
حاوطها بذراعيه وهي تُهندم من وضع حجابها وانحنى عليها يهمس بأذنها
- ايه رأيك نتعشا النهارده بره
كانت أنفاسه الدافئه تُداعب عنقها ورجف جسدها بدغدغه لذيذه
- تمام
هتفت بتوتر وتعلثم ادركه من نبرة صوتها الخافته.. فجذبها نحوه أكثر
- قطتي بقت رقيقه وطعمه وبتتكسف
وكأنه ضغط على زر الاستيقاظ لديها.. فدفعته عنها.. تنظر إليه بشراسه
- لا انا لسا شرسه يادكتور
فتعالت صوت ضحكاته وهو يتأمل تبدل ملامحها
- بس الدكتور عايز قطته اللطيفه
وغمز لها بعينيه وتابع بنبرة ماكره
- تعالى احضنك تاني عشان ارجع قطتي الوديعه
لم تتوقف كلماته بل وزاد بكلمات أكثراً حرجاً يصفها بين ذراعيه وكم يعشقها وهي هكذا الي ان يغرقوا سوياً في عاصفة حبهم
واقتربت منه تضربه على صدره
- بس كفايه.. انت مبتتكسفش.. فين الجراح المحترم
فقهقه عاليا وهو يحتوي يداها بين كفيه
- الجراح المحترم ده بره البيت.. أما انا هنا في مملكتي مع سمو الأميرة
وغمز بعيناه ثم مال عليها يلثم خدها وابتعد عنها
- يلا بسرعه اجهزي ياحببتي
......................................................
رفعت كف والدها تُقبله وتُخبره بسعاده عن الصفقه التي ربحتها وان الشركه عادت لصعودها
- تعرف يابابا فريد ده راجل محترم واقف جانبي وبيفهمني شغل السوق
فأبتسم عادلي بعد أن أخذ يسعل
- الزمن علمني افهم الناس... كان نفسي جوازتكم تستمر
لتتحاشا النظر لعين والدها فلو لم تكن تحب طارق لوقعت بالفعل في حب فريد وتحولت للمرأه الشريرة ولكن قلبها ملكاً لآخر بعيداً عنها
........................................................
جلست أمام خالها وهو لا تُصدق انه أخيراً هنا
لتتساءل امينه وهي سعيده من أجل نجاة وزينه
- وانت يااستاذ محمد هتستقر في مصر ولا راجع الكويت تاني
فأبتسم محمد وهو يرتشف من كأس العصير
- لا ياحجه راجع تاني... الولاد والمدام هناك غير شغلي
فتنهدت امينه بتفهم ولكن داخلها كانت تأمل أن يعود ويحتضن ابنتي أشقائه فهو العم والخال
وبعد حديثاً طويلاً هتف
- ايه اللي سمعته عنك ده يانجاة في البلد
فتبدلت ملامح نجاة بخوف
- هو في حاجه اتقالت عليا
فأسترخي محمد في جلسته
- الواد البلطجي ده مطلع عليكي سمعه وحشه... بس أهل القريه عارفين ومتأكدين من تربيتك
فأخذت أنفاسها براحه وأخذت تُردد بحمد
- الحمدلله... ربنا العالم أني في حالي وسيبت القريه عشان ابعد عن اذاه
فطالعها محمد بتريث وهو ينظر لامينه التي أخذت تربت على كفها
- في عريس متقدملك يانجاة... شريكي ارمل وبيدور على عروسه
ولم يتمهل في ترك فرصه لها للرد
- هتيجي تعيشي في الكويت واه اكون مطمن عليكي.. زينه وعايشه مع جوزها وانتي مينفعش تعيشي هنا اكتر من كده
فطأطأت عيناها أرضاً وشعرت بالخجل
- عندك حق.. بس انا مش عايزه اتجوز.. انا هأجر شقه وعندي شغلي الحمدلله
لتحتد نظرة محمد نحوها
- ما تقولي حاجه ياحجه امينه
لم تجد امينه ما تقوله ولكنها أرادت أن تعلم عمر العريس فلو كان شخصاً مناسباً لما لا تقنع نجاة بحنكة أم
- معلش يااستاذ محمد بس أنت مقولتلناش عنده كام سنه
واتسعت عين امينه بصدمه ثم ألتفت نحو نجاة التي اخفضت عيناها بحزن تبكي على حالها
- خمسه وأربعين سنه يااستاذ محمد وهي لسا في العشرينات.. لا اسمحلي انت كده بتظلمها
فهتف محمد بلامبالاه دون أن يُدرك ان كلماته كانت تنغرز في قلب تلك التي انزوت على حالها تبكي مُتآلمه
- ماهي ديه الجوازات المناسبه ليها .. نجاة مُطلقه
وتجمدت ملامح محمد وهو يسمع صوت أحدهم يهتف
- ومالها يعني المُطلقه
واقترب منه فارس ينظر لتلك الجالسه تفرك يداها بقوة حتى تتمالك دموعها من السقوط
- بما ان حضرتك موجود النهارده.. فأنا يشرفني اطلب ايد نجاة منك
اندهشت امينه من عرض ابنها ولكنها ابتسمت فيوماً تزوجها والدهم وكانت امرأة مُطلقه في السابعه عشر من عمرها
فطالعه محمد بتوتر وفارس يمد له يده كي يُصافحه ويعرفه على حاله
- الدكتور فارس الصاوي
كان فريد يدلف في تلك اللحظة ويضم زينه اليه بعدما عادوا من مشوارهم... واحتل الصمت المكان
لينهض محمد مُصافحاً فارس مُنهياً ذلك الصمت
- مبروك يابني
......................................................

عاصفة الحب (سهام صادق )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن