أيام طويلة ، باردة ، مملة ،مضت علي بدون حبيبي ، كل ما كنت أقوم به هو الذهاب للعمل و تفادي آدم أو خطيبي الذي كان كظلي !
حاولت التنسيق بين زياراتي الطبية التي كُثفت في آخر مدة و بين أوقات دوامي و كنت أحاول دائما إبقاء نفسي منشغلة عن التفكير لعلي أسد نزيف النهار الذي أهلكني في الليل فيما إستحالت له حياتي ، و للأسف يستحيل سده ليلا !
.
.
.
بعد ثلاثة أسابيع :
مقطع إلياس :
إحساس فظيع أن من بنيت عليه آمالك يهدمك و يتوه وراءه كل عالمك ، و هكذا كان عالمي بدونها ، تائه ، ضائع ، شبه ميت .
أن يأتيك غدر الحبيب كالصدمة و تحس أنه لم يقدر يوما شعورك نحوه ،هذا هو السرطان بعينه ،يجعل خلايا الخيانة تفتك بقلبك فتوشك موته !
كنت نادرا ما أزور الطبيب ،فقد كنت أنام طوال النهار و أقصد الحانات للسهر طوال الليل ، بعد غياب حبيبتي تدهورت أحوالي و زاد تأزم مرضي ، لكن لا بأس صحة كانت أم علة ،هي حالة و ستعدي ، ليس إلا فصلا من فصول حياتي التي تحمل لنا الشتاء و الصيف .
مساء الجمعة ، إتصل بي صديق قديم عاد من السفر ، و قد طلب ملاقاتي في أحد مطاعم المدينة ، لم أشأ رفض الطلب على الرغم من حالتي المزرية التي كنت فيها !
ذهبت لرؤيته ، دخلت للمطعم وجلست في إحدى الزوايا في إنتظار صديقي و فجأة حصل ما لم يكن في الحسبان ...
.
.
.
مقطع ليلى :
مساء الجمعة كان المطعم يعج بالزبائن كالعادة و بينما أنا أقف على أحد الطاولات قائلة :
- مساء الخير سيدي ، الطلب من فضلكم !
كنت أقول ذلك و أنا أشطب آخر الطلبات على كناشي ولم أنتبه للزبون إلى أن قال :
- ليلي ؟
أعرف هذا الصوت ! رفعت رأسي و إذا بي أراه أخيرا ، عيني تلتقي بعينه و قلبي يسأله ، أين كنت حبيبي؟ كيف إستطعت البعد عني كل هذه المدة ؟ كيف ضاعت أجمل السنين في دقيقة بشعة ، لماذا تحدق بي بهذه الطريقة حبيبي ، نظرة عيناك الجميلة تتعبني حبيبي ، آه كم إشتقت لهذه العينان ،كم إشتقت لإبتسامتك ، لغضبك ، لرائحتك ، إشتقت لكل شيء فيك حبيبي !
.
.
.
مقطع إلياس :
وفجأة رأيت حبيبتي تقف أمامي ، أنا أرى وجهها الملائكي أمامي ، و أستطيع شم رائحتها التي كانت الكوكاكيين المفضل لدي ، أحسست بحجم الشوق و الحنين الذي كنت أحمله لها في تلك اللحظة و كل ما كنت أريده هو ضمها في أحضاني !
لكن لماذا تعمل أميرتي كنادلة و لماذا تبدو متعبة ، ما هذا الذي بيدها ،أ هو خاتم خطبة ! يا إلاهي ، لا أصدق ما تراه عيناي !
لم أستطع تمالك أعصابي ...
.
.
.
مقطع ليلى :
كان يحدق بي و كأنه يحاول قول شيء و فجأة تغيرت ملامح وجهه و أمسك بيدي بغضب قائلا بصوت عال : ما هذا ؟ ما هذا ؟ أ خطبت لذلك التافه ! غدرتني و خنتني و لن تتوقفي عن تجريحي ، أليس لديك قلب ، أ لا تحسين ، أ تحاولين قتلي بأبشع الطرق !
قالت بصوت أعلى : ماذا ؟ ما هذا التخريف ! أ تخون ثم تتهرب بإلصاق التهمة بي ، أنسيت تلك الليلة ، نسيت يوم أصبح منظرنا مقرفا بسبب ما فعلته ، يومقبلت عاهرة أمام الملأ ، يوم أنهيت قصتنا و قتلتني بكلماتك ، أ مُسح كل هذا من عقلك ، أنت من خنت و لازلت تخون !
قلت : أنتِ من خنتني مع ذلك النذل يوم الحفل ، أنا الذي حضرت الحفل من أجلك وأول ما وطأته قدماي ، رأيتك تلتصقين به ، ماذا أرتدتني أن أفعل ، أن أبكي و أندب حظي و أحس أنني أذل لأني أحببتك !
قالت : أقسم أنه لم يكن هناك شيء بيني و بينه ..
قاطعتها قائلا و قد خانتني دمعة تعب : لم يكن ؟ و الآن؟ ..أجيبي أرجوك !
إنهارت ليلى و سقطت باكية و قالت : لم أستطع أن أكون أنانية ، فبعدما تركتني ، كان هو موجودا في كل مكان ، لكنني أقسم أنه لم يعوض مكانك في قلبي ، أقسم أنني كنت مجبرة ..
قلت : مجبرة على ماذا ؟ على حبه ؟ الحب لا نجبر عليه يا ليلى !
قالت و هي تبكي بصوت عال و كان الكل يحدق بنا : كنت مجبرة ، لم أستطع أن أكون أنانية مع أمي التي لطالما آثرتني على نفسها ...
أكملت ليلى حكايتها عن ما فعله فيها النذل ذاك و كنت مدهشا مما قالته و كانت طريقتها في سرد هذه المأساة تقتلني ، كانت تتألم و هي تحكي ذلك و أحسست بالذنب لتسرعي و سوء فهمي الذي أوصل حبيبتي إلى هذا الحال!
حضنت حبيبتي حضنا طويلا و قلت ماسحا دموعها : آسف ، أنا آسف حبيبتي ، لا تبكي أرجوك ، أحبك !
ثم أمسكتها من يدها وقلت لها : هيا بنا لنلقنه درسا لن ينساه !