مريضاً نفسياً..؟

4K 78 34
                                    

مما لا شك فيه أن جميعناً مرضى نفسيين بغض النظر عن إختلاف الأسباب المؤدية إلى ذلك أو إعترافنا بالأساس بإصاباتنا بذلك المرض أم لا و لكن الحقيقة الثابتة الوحيدة هي أن هناك نوعاً ما من المرض النفسي يغزو أرواحنا

سطع ضوء نجمتنا الساطعة عالياً في السماء و منحت كل كائن حي يعيش فوق سطح الأرض حصته الكافية لكي تهزم قرنيته النوم و يبدأ رحلة يومه الشاقة و من بين هؤلاء البشر كانت هناك فتاة بلغت عقدها الثالث من العمر حديثاً ذات شعر أحمر قصير و بشرة رخامية تنام بعشوائية في منزل والدها الواقع في إسطنبول
إلى أن صدحت نغمات رنين المنبه مشوهة غفوتها التي لم تكن قد أكملت الأربع ساعات بعد حتى فإضطرت مجبرة على فتح عينيها الباكيتان و البحث برؤيتها الضبابية المشوشة عن زر المنبه لتوقفه و بعد ذلك رفرفت بإهدابها البُنية طاردة قطرات الندى العالقة بهم و رسمت بدلاً منهم الثبات التام و هي تنهض من الفراش متوجهة إلى الحمام بهدف الحصول على حماماً دافئاً يزيل عنها ذلك الإرهاق الناتج الألم النفسي الذي تَلَقَّمَ روحها بنهم و شهية
ولم يستغرق الأمر منها أكثر من نصف ساعة تقريباً لتقف بعدها أمام خزانة ملابسها بحثاً عن طقماً يرضيها حتى إلتقطت مقلتيها ذلك القميص الأبيض المصحوب ببطنال من الجينز الأزرق و سترة حمراء

سطع ضوء نجمتنا الساطعة عالياً في السماء و منحت كل كائن حي يعيش فوق سطح الأرض حصته الكافية لكي تهزم قرنيته النوم و يبدأ رحلة يومه الشاقة و من بين هؤلاء البشر كانت هناك فتاة بلغت عقدها الثالث من العمر حديثاً ذات شعر أحمر قصير و بشرة رخامية تنام بعشو...

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

و قبل خروجها من المنزل أغلقت أقراطها الحمراء حول أذنيها و تركت شعرها الياقوتي القصير الذي يصل إلى ما قبل خصرها بإنشات قليلةً حراً طليقاً يتأرجح بخفوت مع كل خطوة سريعة تخطوها خارج المنزل و كأنها تهرب من غول إسطورياً متوحشاً يريد طحنها تحت أسنانه الدامية دون رحمة و لكن هناك من منعها من الخروج من المنزل للمرة الثانية ألا وهي رؤيتها لوجهها الشاحب في المرآة و لذا أضافت القليل من الزينة لتخفي ملامحها الحزينة عن العالم مقررة أن يبقى ذلك الجانب منها خاص بها وحدها
- Hadi doktor Ada, kendinle güçlüsün.
"هيا يا حضرة الطبيبة أدا، أنتِ قوية بمفردك"
هذا آخر ما همهمت به لنفسها و هي ترمق نفسها بنظرة أخيرة و تخرج من المنزل بعدها
...............................................................

بعد قرابة الساعة ترجلت المرأة ذات الشعر الأحمر من سيارتها السوداء بعدما إصطفتها بجوار ذلك المبني الذي يحتوي على عيادتها الخاصة بداخله
رمقت نفسها بنظرات فاحصة ثم إبتسمت بثقة تُحسد عليها و هي تختفي داخل المبنى تاركة أقدامها تطرق فوق درجات السلم بهدوء حتى وصلت إلى عيادتها الموجودة في الطابق الثالث
و بكل هدوء أنارت غرفة مكبتها و دفعت الكرسي إلى الخلف لتعطي نفسها مساحة كافية للجلوس بأريحية و بدأت في مراجعة تقارير مرضاها و جدول مواعيدها المحددة لهذا اليوم و قد شعرت بإنتشاء روحها فور علمها بأن جدول مواعيد اليوم ليس مزدحماً البتة و هذا، يعطيها قسطاً كافياً من الوقت للبحث عن منزل آخر لها بدلاً من ذلك المنزل المشؤوم الموروث عن أكثر شخص كرهته في حياتها
- صباح الخير يا حضرة الطبيبة
و لحسن حظها فقد إنتشلها صوت صديقتها المُقربة إيليف ذات البشرة الحطينة و الشعر البندقي الطويل المموج بجذابية و العيون البُنية الداكنة المتكلمة بنبرة مازحة حين لاحظت غرقها في التفكير حتى أذنيها و عدم انتباهها لها إطلاقاً بالرغم من تواجدها منذ ما يقارب الخمس دقائق
- إيليف..
هتفت الفتاة بحماس و هي تترك مكتبها و تسير في إتجاه صديقتها لتعتصرها بين أحضانها بإشتياق واضح و من جهة المرأة ذات البشرة الحطنية فحركت كفيها ليربتان على ظهرها عدة مرات بلطف
- Ne haber Adacığım ?
" كيف حالكِ يا عزيزتي أدا ؟ "
همهمت إيليف متكلمة بحنو بعد إبتعادها عن صديقتها و قبل قدوم الرد من شفتيها أمسكت بذراعها و أجلستها على الكرسي المجاور لمكتبها ثم بعد ذلك تحدثت بثبات تام
- بخير...كما أنا...أمارس هواية البحث عن منزل جديد دون فائدة في أوقات فراغي
تشدقت في جملتها الأخيرة ضاحكة بسخرية لاذعة جعلت خليلتها تتنهد بيأس من تذمدها المبالغ هذا و إصرارها على إيجاد منزل لها فقط حتى لا تبقى في مكان كان يسكنه والدها المتوفي
- لقد مات والدك يا أدا منذ سبع سنوات و الموجود الآن هو مجرد منزل...منزل طفولتك فحسب...لا أفهم أبداً لمَ تريدين تركه...ألن تشتاقي لذكرياتك الموجودة فيه ؟
تسائلت إيليف بنبرة هادئة و حنونة رغم الفضول الواضح فيها ليأتيها الرد فوراً على هيئة ضحكة ساخرة من طرف الطبيبة الحمراء ثم غمغمت بصوت خفيف و قد شعرت بذكرياتها تومض أمام عينيها من جديد
- نعم، منزل طفولتي...ذلك المنزل الذي إغتال ألتوناي فيه طفولتي و دنس براءتها بأفعاله المشينة...ذلك المنزل الذي شهد على مئات المرات من الخيانة لأمي...مئات المرات من الشجار...مئات المرات من الضرب المبرح لها...ذلك المنزل هو الشاهد على لحظة توقف قلب أمي عن النبض بعد تعرضها لأزمة قلبية حادة بفضله و منعني حتى من إسعافها...برأيك أهذه ذكريات جميلة كفاية لأحتفظ بها...؟ أنا أشعر بأنني أخون أمي ببقائي في ذاك البيت و أبكي إعتزاراً لها كل ليلة لعلها تسامحني
تنهدت بمرارة شديدة و قد شعرت بتسابق الدمعات إلى عينيها العسلية فرفرت برموشها الطويلة مرتين تقريباً قبل أن تستعيد رباطة جأشها و تستأنف رحلاتها في معابر الذكريات قائلة بقوة
- لدي قسطاً كافياً من المال من المتبقي من ميراث أمي و عملي...سأجد لنفسي منزلاً صغيراًً بعيداً كل البُعد عن والدي و كل ما يخصه
و في نفس اللحظة التي أنهت حديثها فيها عاد التصلب يلتصق بكل تقاسيم وجهها و كأنها صنماً خشبياً معزولا ًعن العالم بالكامل
و حينما طالت مدة الصمت المطبق من طرفها و النظرات الآسفة من طرف إيليف تنحنحت الأخيرة مرات متلاحقة لكي تستطيع أحبالها الصوتية العودة إلى العمل ثم قالت محاولة تلطيف الأجواء
- نحن أصدقاء منذ سنوات و لم يتسنّى لي السؤال أبداً...لمَ إختارتي العمل في مجال الطب النفسي بعد تخرجك من الجامعة ؟ يعني لمَ الطب النفسي على وجه الخصوص؟
داهمها الفرح دون مقدمات و إعتلت شفتيها بسمة ناعمة و هي تفكر في مدى إهمية و تميز الطب النفسي عن سائره من المجموعة الطبية محاولة بكل جهدها إنتقاء كلمات مناسبة للوصف
- إخترت الطب النفسي لأنه مختلف تماماً...هو يداوي الروح نفسها و ليس الجسد...هو العين التي ترى المخفي عن الجميع...المختبأ وراء إبتسامات مزيفة و وحدة غير مبررة...و حتى الجرائم البشعة...و تلك اللحظة التي تنجحين فيها في ترميم روح كاد يلتهمها المرض و إعادتها إلى الحياة مرة أخرى هو أكبر إنجاز يتمنى تحقيقه أي شخص في هذه الحياة
لم تكن كلماتها فقط هي من تكشف عن مدى شغفها بتلك المهنة بل كان البريق الذي يضوي و يتراقص داخل عيونها كشمس الثانية ظهراً أفصح و أبلغ بكثير من كلماتها لكي يعبر عن مدى تفاخرها بمهنتها و بالطبع لم تكن إيليف لتفوت فرصة التعقيب على هذا التفاخر و لكن فور وقوع عينيه البندقية الداكنة على ساعة معصمها أطلقت شهقة فزعة و إنتفضت من فوق الكرسي و هي تلملم أشيائها بسرعة البرق
- إييي لقد تأخرت نصف ساعة... سيقتلونني فور وصولي إلى المستشفى...سأمر عليك بعد انتهاء ساعات العمل لنتدبر أمر المنزل الجديد ذاك...إلى اللقاء
نطقت كل تلك الجمل في دقيقة واحدة فقط ثم ركضت المرأة بخطوات سريعة جداً إلى الخارج لتلك الدرجة التي جعلت عرض أدا لإيصالها بالسيارة إختصاراً للوقت يذهب هباءاً منثوراً ولا يصل إلى مسامعها
- Gitti!
" لقد ذهبت! "
هتفت ذات الشعر الأحمر ضاحكة رافعة ذراعيها و كتفيها إلى أعلى قليلاً كعلامة على التعجب و هي ترى إيليف قد إستقلت المصعد و إختبئت وراءه بالفعل في أجزاء من الثانية فعاودت الإقتعاد فوق كرسيها الجلدي و بدأت تباشر أعمالها بكل شغف و تركيز
...............................................................

Aşk Adasıحيث تعيش القصص. اكتشف الآن