ديچافو

446 37 22
                                    

بارد حبك كالقطب الشمالي .. فلا تستغربي مني برودي .. بارد عقلك كالنصل النحاسي .. فلا تنتظري بروقي و رعودي .. لم أعد أعرف من أنت بعلم الكيمياء ؟ .. من نحاس أنت أم من خشب .. أم من حديد  ؟ .. فاعذريني إن تمردت علي أمر الهوي .. فأنا لا أصنع الحب بتاريخي علي لوح جليدي ...

هل تشرق الشمس لكي تنشر دفئها على قلوب وأرواح أنهكها الصقيع أم أنها فقط تشرق لأنها هذه هي مهمتها التي أوكلها إليها الرحمن ؟
هل يمكن أن يكون العلاج النفسي للبعض هو الحب...؟ أن يشعر بأنه محبوباً أو مميزاً عند شخص...أم أن هذه الأمور الروحانية لا ترتقي لمُسمى العلاج طالما أنها لا تتركب من مواد كيميائية و لم تحصل على تصريحاً طبياً بالسماح بإستعمالها كعلاج...؟
و هل يمكننا التصديق على أن للحب له كما للحرب أثاراً جانبية أم أن الحب لا وجود له أساساً إلا بين مصطلحات الفلاسفة ؟
و هل الإعتراف بأن ثُلث المنتحرين سنوياً ينتحرون لفقدان الثقة بالنفس كافياً لكي ندرك أن للأمور النفسية جوانب معقدة و أثار جانبية قد لا نحمد عواقبها؟ أم أن إصرار العلماء على أنه لا يوجد مرض عضوي يصيب الإنسان أسمه فقدان الثقة بالنفس أو جنون العظمة سيبقى جاحزاً يفصلنا عن إعتماد الجانب النفسي كعلاجاً في الأسواق...؟
" الإنتحار خوف أم تخوف ؟ "
هكذا عنونت أدا ألتوناي مقالتها الطبية التي كانت تكتبها على حاسوبها في منزلها و أمامها العشرات من الكتب الطبية متناثرة في جميع أنحاء مكتبها...تحك شعرها بخفة تارة و تطرق بأناملها على الطاولة تارة أخرى
كانت تعلم منذ أن إختارت موضوع مقالتها أنه
شائك و ليس باليسير...فكم من إنسان بشكل عام و طبيب بشكل خاص تناول موضوع الإنتحار...ندد بهذي الفعلة...أعد قائمة طويلة لأسبابه و جهز قائمة أطول للحلول و كيفية تجنبه...خرجت مئات المبادرات المحلية منها و العالمية لمحاولة الحد من تفشي الأمر في نفوس الشباب
و لكن كان الفتور نصيبها في كل مرة...لم تلقى أي مما قُدم مهما كان من قدمه طبيباً محنكاً ذلك الأثر الأكبر الذي كانت تضعه المؤسسات الحكومية والصحية على عاتقه
فالأمر ليس هكذا يكون...ليست توصيات صحية للوقاية من فيروس ما...ليس يكون كقانون ما و سيف مسنون..يجب أن نتفهم لم قرر مخلوق إنهاء حياته...أن نغوص برأسه و نتقلب بين صفحات أفكاره...نفرز طفولته علنا نجد المرض الذي أخل بثوابته فكان الإنتحار النتيجة...كم من أم تخلت...كم من أب خان ما أؤكل إليه من مسؤوليات...كم من صديق خذله و كم من حبيب تركه....عندما نسمع الصوت من رأسه هو دون مقاطعة سنستطيع أن تملأ الجُزء الذي فرغه اليأس فظن أن الإنتحار طريقه... هي لا تبرر لهم تلك الفعلة مهما بلغت الحياة حولهم من سوء ولا تنكر وجود آلالاف الطرق الأخرى لتجميل الحياة البائسة إلى أخرى أكثر قيمة هي فقط لا تريد أن تكون قاضياً يحكم قبل النظر في القضية
دونت الفتاة ذات الشعر الأحمر كل تلك الأفكار في مقالاتها...تترك لعقلها العنان و يسرح في خيالاته فيخلق لها جميع الأسئلة التي من الممكن أن تتبادر إلى ذهن القارئ عندما يقرأ مقالة كهذه و من ثم تضع لها أكثر الإجابات العلمية صدقاً مُصغاة في أكثر الطرق قابلية للإقناع
تكتب مرة و تسمح مراراً...كم من أفكار لم تقتنع بها بعد كتابتها و كم من خاطر آمنت بأهميته... الالاف الأسباب و المصطلحات والحلول جالت وصالت في عقلها و في النهاية لم تجد لها موقعاً مناسباً في مقالتها
فمنذ أن تم إختيارها لتكون الممثلة الوحيدة لبلادها أمام جميع دول القارة الأوروبية تحت رعاية منظمة الصحة العالمية لتقديم مقالاً مستوفياً عن واحد من أكثر الأمراض النفسية صعوبة و هي ترتجف من التوتر...كانت دائمة الوثوق حد الإغترار برجاحة عقلها في الجانب المهني و لكنها الآن و برغم إمتلأ مقالتها بالكلمات إلا أنها لا تتوقف عن الكتابة و المسح
و القلق الطائف بداخلها لا يهدأ خوفاً من ألا تلقى مقالتها القبول المرجو من منظمة بهذه المكانة المرموقة
و مع الأسف الشديد بسبب طريقة تفكير كهذه أصابها صداع مزعج جعلها تغلق حاسوبها النقال و تنهض لتصنع لنفسها كوب قهوة بالحليب سريعة التحضير و تعود بعدها للجلوس أمام الحاسوب...تفتحه مجدداً و تحاول الكتابة لو لم يسترعى إنتباهها رنين هاتفها الملقى على الفراش فرجعت لتنهض و تلتقطه و من دون الحاجة إلى النظر في شاشة الهاتف لمعرفة المتصل إستبطن قلبها أنه هو...حضرة القبطان!
- صباح الخير...
همهمت أدا بخجل و كأن الكلمات التي كانت تنتوي قولها و إبتلعتها في اللحظة الأخيرة قررت الإنتقام منها و إخراج نبرتها خجلة مدللة يظهر على طريقة رقص شفتيها بالأحرف أنه هناك ما تم بتره من كلماتها فتظهر الإبتسامة على وجه الشاب الذي قرر هو أن ينطق بما لم تقوى هي على التفوه به فقرب الهاتف من أذنيه أكثر لرغبته الدفينة في إستشعار خجلاً سوف يصيبها و هو يسألها معتاباً
- هكذا فقط...صباح الخير فحسب غير متبوعة بشيء..؟
في الواقع هي كانت تملك من الذكاء ما يكفي لكي تفهم ما هو هوية ذلك " الشيء" الذي يعاتبها لأنها لم تختتم حديثها به و لكنها تصنعت الغباء عله يخلصها من خجل حط على أراضي قلبها و صوتها بجام جيوشه
- شيء مثل ماذا..؟
الدلال في صوتها يغويه...إدعائها بعدم الفهم للتنصل من طلبه يراه هو تحدياً يقبله دون تفكير.. خجل حوائها ينادي آدمه الجريء الرابض في قلبه فيبتسم إبتسامة عريضة شديدة السخاء لتزين صوته و عيناه بجانب شفتيه و هو يغمغم بعبثية هامساً بأكثر نبراته سحراً و بصوت خفيف و كأنه يغششها إجابة سؤالاً في إختبار ما
- كحبيبي مثلاً!
فور سماعه لما قاله شعرت للحظات و كأن الأرض توقفت عن الدوران...لا تسمع شيء غير صدى كلماته المختلط مع راقصات قلبها الصاخبة...جفاف غريب يصيب حلقها...حريق هائل يتسعر في جسدها متلهف للقاء
و رغم كل هذه النشوة إلا أن خجلها دفعها إلى أن تتصنع الغضب و تنهره كي لا يزيد من جرعات الأدرينالين التي يدسه في أوردتها بشكل قد يؤدي بحياتها لو زاد قليلاً جداً عن هذا الحد فتضم شفتيها بقوة أملاً في التحجيم من بسمتها الواسعة التي هي واثقة أنها حتما ستهرب إلى صوتها و تناديه من بين أسنانها بنبرة ناعمة خجولة رغم كل محاولاتها في إخراجها غاضبة...يسمعها تهمس بأسمه مدعية النزق فيناديها مدللاً بنبرة تجعلها لا ترغب في سماع أسمها إلا منه هو فقط طوال سنين عمرها
- أقسم أن هذا مستحيلاً كطيران السلاحف كيف يمكنني كتابة مقالة طبية عن الإنتحار و أنت تتكلم بهذه الطريقة...أنت تشوشني رسمياً
ترن ضحكاته على الطرف الآخر من المكالمة الهاتفية الدائرة بينهم فتقرب الهاتف من أذنيها عفوياً و تنصت لها بإصغاء حتى نهايتها ثم تسمعه بعدها يدعي البراءة في صوته الذي لايزال ضاحكاً أنه لم يفعل شيئاً أبداً هو يناديها مثلما فعلت هي تماماً
كادت تجادله في الحقيقة لو لم يستبقها متسائلاً عن السبب الذي يدفعها إلى كتابة مقالة عن موضوع كهذا و يتبادلان أطراف الحديث بعدها....يعود لصوته الجدية و الرزانة و يعود لصوتها العملية...تسأله ما الذي من الممكن أن يدفع شخصاً للإنتحار من وجهة نظره فيكتفي بكلمات متفرقة مثل اليأس...قلة الثقة بالنفس...بالنسبة له الإنتحار قراراً غبي جداً...لا يفهمه...كيف يجرؤ أحد على كتابة كلمة النهاية فكتاب قدره بيده و مبكراً عن معادها لأنه فقط يستعصى عليه ملأ الفرغات...يعود ليستطرد أنه من وظيفته كقبطان تعود على أن يرى الهلع والفزع على وجوه من كانوا معرضين للغرق...الطبيعية البشرية بفطرتها تبحث عن الخلود لا الفناء البقاء لا الإنقراض...التكاثر والتزايد لا الإنحسار والإنتهاء...أبشع كابوس قد يراه شخص هو أن يفقد أحبائه فكيف يجعلهم يعيشون هكذا ألم
يشعر بها صامتة تماماً طوال فترة حديثه لا تجادل ولا تؤيد...تنصت فحسب ولا يكسر الصمت سوى صوت حركة يدها على لوحة مفاتيح الحاسوب المتنقل فيناديها و يسألها إن كانت معه تسارع بالرد بأنها طبعاً معه ثم. تعود و تهمهم بدلال أنثاه و خجل طفلته و هي تتابع بعينيها الكبيرتان هذا الكم الهائل من المعلومات التي أضافتها إلى مقالتها الزاخرة بالكلمات...هو صوت آخر لرأي آخر...نوع آخر من أنواع القراء التي قد يقرأوا ما تكتبه بل و قناعة بعض الباحثين والأطباء كذلك!
- أكمل يا دينيز...أريد أن أنظر بعينيك قليلاً..تبدو الحياة مكان مرتب كثيراً عما هي عليه..تبدو أكثر هدوءاً وأعمق في جميع أحداثها!
لم تحتاج بعد كلماتها هذه حرفاً واحداً لكي تهبط به من سماء غضبه الدفين بين الحروف و ضيقه المختبأ بين الكلمات و إنزعاجه المستور وراء الجمل والعبارات لأرضها الهادئة و جنتها الصغيرة فوجد صوته يهدم غلاف حدته الذي بناها موضوع الإنتحار و يعود إلى تلك النبرة المدللة مجدداً و هو بالفعل يدلف داخل أبواب الميناء
- كفانا حديثاً عن الإنتحار يا حضرة الطبيبة..لدينا مواضيع عمل جميله أخرى نتحدث فيها
و كأنها تواً إنتبهت أنه واحد ممن تتحمل مسؤوليتهم...صحيح أنه حبهم الأشبه بأساطير الرومان دليل قاطع على سلامة تعافيه تماماً إلا أنه لايزال يمر عليها في جميع مواعيده بالدقيقة و كأنه يغتنم كل فرصة يمنحها لهنا القدر بل و يخلق هو أخريات في كثير من الأحيان
- Orada görüşüyoruz o zaman
"نلتقي هناك إذاً "
بدلال أنثى إلتقطت منه أطراف خيط اللعبة و قررت أن تكون اللعبة وفق قوانينها هذه المرة فتمتمت و هي تتلاعب بإبتسامتها العريضة كالعرائس فتنير وجهها تارة و صوتها تارة أخرى طالباً منه بحزم طفولي أنه طالما يذكر أنهم لهم لقاء قريب في عيادتها لينتظر إلى هذا الحين إذاً
و أمام هذه الدلال المنبعث من صوتها كالإشعاع الغير قابل للدفع و مع عاشق مثل دينيز لم يكن ليمرر كلامها هذا مرور الكرام البتة فهمس بجدية مغلفة بالحب أنه يعدها بالكثير من اللقاءات التي تجمعهما...تزداد نبرته عبثية و هو يكمل أنهما سيكونون سوياً و على إنفراد و سيتحدث معها طويلاً كيفما يشاء دون أن يقاطعه القدر…ستكون إمرأته الوحيدة في كل مرة و سيكون رجلها الأوحد دوماً…إسطورتهم لازالت في بدايتها والوقت لهم فلا تقلق!
ليته يراها الآن ليقع في عشقها مجدداً...ليرى تفجر الحمرة وجنتيها البيضاء...ليرى إبتسامتها العريضة الخجلة....ليسمع سباق نبضات قلبها و رقصاته الصاخبة...ليرى رجفات جفونها الخجلة كطير صغير يستعد للطيران لأول مرة و لكن لسوء حظه فقط أطلقت فنارات الميناء صافرتها لتعلن عن إلزامية صعوده إلى سفينته فهمس مودعاً وهو يعدها بمهاتفته لها فور عودته ليلاً…يراها صامتة تماماً كالصنم لا تجب..يناديها بتعجب تشوبه شائبة القلق فتهتف هي فيه فور سماع أسمها من فمه بصوت متهدج و كأنها عادت من ارض الأحلام لتوها
- دينيز…أحبك!
هتفت بخجل شديد ثم أغلقت الهاتف و ألقته على الفراش عائد أدراجها ركضاً ناحية حاسوبها النقال لتختتم مقالتها و قد شرعت بذور الأمل في قلبها تنبت أزهارها و هي تكتب العنوان الأخير في مقالها
" لا تنسى…القادم دائماً أفضل "
" أنه إيماني الراسخ و قاعدتي الثابتة.. معرفة ان الغد قادم بفرصة افضل .. باخبار افضل .. بأحداث افضل .. بأنت و أنتِ أفضل .. بحياة أفضل .. حتى وإن لم يحدث غداً..فسيكون بعد الغد بيوم .. بأسبوع .. بشهر او عام .. فقط آمنوا...آمنوا ولا تتخلوا أبداً عن الأمل في أن هناك حياة قادمة أفضل "
………………………………………………………

Aşk Adasıحيث تعيش القصص. اكتشف الآن